في جغرافيا الحرب السورية عينٌ هنا وعينٌ وترقُّب على العراق..
سومر صالح
كلّ شيء تبدّل في طبيعة الحرب السورية، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ مشهد الحرب الحاصلة اليوم مختلف بنسبة كبيرة في أسبابها عن تلك التي بدأت مطلع العام 2011 ، خصوصاً بعد صدور القرار 2118 ، وحصول التسوية الروسية الأميركية لملف الكيميائيّ السوريّ، فالحرب كانت على الحكومة للسيطرة على الجغرافيا السورية، ولكن بعد فشل محاولات إسقاط الحكومة والقيادة بدأت الحرب على الجغرافيا ذاتها، وبدأ الترويج للفرضية التالية إمّا إسقاط «الحكومة والقيادة» لنفسها تحت ضغط مخاطر التقسيم عبر التسليم بتسوية ما تحول دون بلوغ تلك المرحلة على أساس بيان جنيف الأول 2012 ، أو قبول الأمر الواقع بعد اقتطاع مساحات جغرافية تسمح للولايات المتحدة بتحقيق أهدافها درءاً للحرب، وهو حقيقة ما يحصل في البادية السورية باتجاه دير الزور، حيث تسعى الولايات المتحدة مدعومةً من بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية والعربية، على محورين التنف والمحور الشمالي الغربي من قبل ما يسمّى «قوات سورية الديمقراطية». وهنا علينا تفنيد هذه الفرضية وتبيان حقيقتها بدقة شديدة، لأنّ هنالك من يحاول تصوير المسألة على أنّ الحكومة السورية ستتحمّل المسؤولية التاريخية حال نجاح المشروع العدواني الأميركي، فحتى لو سلّمنا جدلاً بقبول الحكومة السورية التسوية على أساس بيان جنيف الأول هل ستنتهي الحرب على سورية، وتسحب الولايات المتحدة قواعدها غير الشرعية ووجودها العدوانيّ من الأراضي الموجودة فيها…
حكماً وقطعاً لا، لأنّ أهدافها لم تتحقق بعد وهي السيطرة على منابع الطاقة البرية في سورية في المنطقة الشرقية كاملة، وفصل إيران عن دمشق وبيروت برياً، وتحقيق الدويلة الكردية… وعليه بناءً على هذه الأهداف هل ستقبل روسيا بمدّ أنبوب الغاز القطري أو أنبوب شرق المتوسط إلى تركيا؟ وهل ستقبل إيران بقطع طريقها البري إلى المتوسط وحزب الله في لبنان؟ هذا كلام لا يحتاج مناقشة لنفيه، وبالتالي فحتى لو قبلت الحكومة السورية التسوية السياسية على أساس بيان جنيف الأول، فالحرب الأميركية مستمرة للسيطرة على الجغرافيا السورية، خصوصاً مدينة دير الزور وباديتها وهي حرب على إيران وروسيا بوضوح جليّ، وتلك الفرضية تغدو خاطئة تماماً، بل على نقيضها أيضاً أيّ تسليم سياسيّ من الحكومة السورية ببيان جنيف الأول هو تسهيل للهدف الأميركي، لأنّه يربك حسابات الحلفاء، الذين من المفترض أنّهم يدركون حقيقة استهدافهم بأمنهم القومي كما هي سورية مستهدفة بوحدتها الجغرافية. وهنا نضع اللوم والعتب على تصريحات بعض الحلفاء الذين أكثروا تمرير مصطلح «الحرب الداخلية السورية وأحياناً الحرب الأهلية السورية والنزاع السوري السوري»، متجاهلين حقيقة الحرب على سورية باعتبارها حرباً على الجغرافيا وليست في السياسة. وهذا يقتضي أنّ الحسم في الميدان وليس في جنيف، من دون أن نغفل أنّ جنيف قد يكون الصرف السياسيّ لناتج الميدان، وإدراكاً من القيادة السورية مسؤولياتها التاريخية في حماية الجغرافية السورية بدأت سريعاً عملية عسكرية لفك الحصار عن دير الزور من جهة رغم المخاطر العسكرية والعمل في جبهة مفتوحة. وقطع الطريق على المشروع الأميركي عبر اتجاه القوات السورية نحو منطقة التنف الحدودية من جهة ثانية.
وبما أنّ الحرب هي على الجغرافيا السورية، فمن الدقة بمكان توسيع دائرة الرؤية الاستراتيجية وتوحيد المشهدين السوري والعراقي، فكلّ منهما يكمل الآخر ولا ينجح مشروع هنا ويفشل هناك لأيّ طرف، فالنجاح واحد والفشل والهزيمة واحدة، سواء للمحور الروسي السوري الإيراني، أو للمشروع الأميركي وملحقاته الخليجية. وهنا نضع جملة من المعطيات الميدانية العراقية في خانة الحرب على الجغرافيا السورية في إطار الهدف الأميركي، فإنزال حوالى ألفي جنديّ أميركيّ في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار العراقية وعزمها التوجه إلى منطقة القائم على الحدود السورية العراقية المشتركة هو في إطار المحاولات الأميركية الحثيثة قطع الطريق البريّ بين ايران وسورية، والتي كما أسلفنا بدأت بالحرب على البادية السورية ودير الزور وإنزال قوات أميركية في منطقة التنف السورية حيث تتمركز قوات بريطانية أيضاً، وهذا الأمر يترافق مع وجود أكثر من 5 آلاف جنديّ أميركيّ في الموصل للسيطرة عليه والتمهّيد لاحقاً لمشروع أقلمة العراق بدمج نينوى والأنبار بإقليم واحد على شاكلة النموذج الكردي في العراق. وهنا تنقسم الاستراتيجية الأميركية إلى قسمين متشابهين في سورية والعراق، إقليم كرديّ وإقليم تحت السيطرة الأميركية بالوكالة «المحلية» بالدولتين بما يمهّد، لا سمح الله، حال نجح المشروع بدمجهما لاحقاً في دويلتين، وبالتالي الردّ من المحور الآخر يقتضي الردّ على الساحتين السورية والعراقية وليس على إحداهما لأنّه سيسمح للولايات المتحدة بتحقيق أكثر من نصف الهدف. وفي هذا الإطار نضع إعلان فصائل الحشد الشعبي العراقي والجيش العراقي بدء عملية «محمد رسول الله 2» 11/5/2017 ، باتجاه قضاء تلعفر العراقي القريب من الحدود السورية للسيطرة عليه، وهذه العملية عقدت كثيراً من الحسابات الأميركية في البادية السورية، لأنهّا ستجهض أحد أهداف الحملة الأميركية بقطع الطريق البريّ بين سورية والعراق وضمناً إيران. هذه التعقيدات رفعت حرارة المشهد الميداني في العراق الذي بدأ سريعاً في التحوّل بشكل ضبابيّ، خصوصاً بعد أن أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي، خلال زيارته لواشنطن نيسان الماضي، «تأييده بقاء جزء من القوات الأميركية في العراق» وهو ما يعارضه الكثيرون وفي مقدّمهم فصائل الحشد الشعبيّ، واستكمل حالياً بعملية «غرب الأنبار» 12/5/2017 التي يساندها طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ويشارك فيها مقاتلو العشائر من منطقة الكيلو 160 باتجاه جنوب الرطبة. وهنا نلاحظ إقصاء لمشاركة فصائل الحشد الشعبي الأمر الذي يثير المزيد من التساؤلات..
الواضح الآن أنّ المشهدين السوري والعراقي ميدانياً وسياسياً أصبحا متكاملين فشلاً ونجاحاً. وهذا يقتضي تعميق الحوار والشراكة من المحور الروسي الإيراني مع العراق الآخذ بالتباعد عنه لصالح شراكة مع الولايات المتحدة وتقارب مع السعودية لا سيما بعد زيارة وزير خارجيتها للعراق 25/2/2017 ، لأنّ في ذلك التقارب والشراكة مقتل للأمن القومي الروسي والإيراني مستقبلاً.. فهل نشهد تغيّرات سياسية قريبة في العراق؟ أم أنّ رسائل السيد مقتدى الصدر في العراق تعتبر إشارات لتحوّلات أعمق لم ندركها بعد؟