القمة العربية الإسلامية الأميركية أو صفقة المخدوعين

زياد حافظ

القمة العربية الإسلامية الأميركية التي انعقدت في الرياض في 20 و21 من شهر أيّار/ مايو 2017 كانت مشهداً سوريالياً بامتياز. في البداية لا يمكن إلاّ أن نلاحظ أنّ موعد انعقاد هذه «القمة» جاء في فترة إحياء ذكرى النكبة، والتي لم يتكّلم عنها المؤتمرون في الرياض، وخلال إضراب الأسرى عن الطعام في السجون الصهيونية الذي تجاهله مجمع العرب والمسلمين المجتمعين في الرياض، وعشية الاحتفال بذكرى النصر في 25 أياّر/ مايو التي يحاول نسيانها مؤتمرو الرياض، كما عشية شهر رمضان المبارك شهر التضحية والعطاء، وإذ كان العطاء للرئيس الأميركي فقط لا غير! فتأتي هذه القمة لضرب كلّ الموروث العروبي والإسلامي الذي لم يضمّ جميع المسلمين غابت تركيا وإيران لتؤكّد أنّ الفتنة بين المسلمين هي قرار صادر عن حكومة الرياض، وأنّ قضية فلسطين، القضية المركزية للأمة العربية قضية عابرة إن لم تكن ثانوية بالنسبة لها.

السوريالية في المشهد تكمن في أمكنة عدّة. المشهد السوريالي الأوّل هو وجود الرئيس الأميركي إلى جانب ملك تتحمّل حكومته مسؤولية إيجاد البيئة الحاضنة لمرتكبي أحداث أيلول 2001. فبعض المعلّقين الأميركيين تساءلوا وهم يستمعون للخطابات «التاريخية» كيف يمكن لرئيس أميركي أن يعطي شهادات حسن سلوك لدول وحكّامُها مسؤولون عن تغذية الفكر المتطرّف، وموضوع القمة اللفظي هو محاربة التطرّف والتعصّب والغلو والتوحّش. وما يزيد سوريالية المشهد كون الولايات المتحدة مع الدولة المضيفة مسؤولة عن كلّ مآسي التطرّف والتعصّب التي نتجت عن سياسات متعمّدة لتغذية ذلك السلوك عند الشباب العربي والمسلم المضلّل. لم تكن الأولوية عند حكومة الرياض في الثمانينيات من القرن الماضي مواجهة الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان بل كانت مواجهة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، فكانت ولادة أمّ تنظيمات التعصّب والغلو أيّ تنظيم القاعدة. وتؤكّد هيلاري كلنتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة أنّ الولايات المتحدة هي مَن صنعت تلك المجموعة كما غطّت سلوك تلك المجموعات في سورية خلال السنوات الماضية. السوريالية تكمن في اجتماع مَن صنع التطرّف لمحاربة ما صنعوه، على الأقلّ لفظياً، بينما الحقيقة هي لمحاربة المقاومة والمحور الذي يضمّ كلاً من الجمهورية الإسلامية في إيران والجمهورية العربية السورية وبطبيعة الحال المقاومة في كلّ من لبنان وفلسطين. فاليوم عند هؤلاء المجتمعين في الرياض أصبحت المقاومة للكيان الصهيوني إرهاباً يجب استئصاله!

ليس ذلك بجديد. فمنذ سنوات بل عقود كانت حكومة الرياض والولايات المتحدة في طليعة محاربة حركة التحرّر العربي كما يفتخر وزير خارجية حكومة الرياض. لكن اليوم يأخذ مظهر الإجماع العربي والإسلامي على الأقلّ من منظور لفظي. ونشدّد على الطابع اللفظي بسبب عدم رضى العديد من المجتمعين عن مسار الأمور، كما أظهرته لغة الجسد لهم خلال تلاوة الخطابات. لكن هذه قضية ثانوية إذا ما اعتبرنا أنّ السوريالية تكمن أيضاً في ما نسمّيه بصفقة المخدوعين، أو كما يُقال بالفرنسية بـ march des dupes . فالطرفان، الرئيس الأميركي وخادم الحرمين، يعتقدان أنهما حقّقا إنجازاً كبيراً بينما في رأينا كان «الإنجاز» أقرب للمخادعة المتبادلة المبنية عن سوء تقدير فادح لموازين القوّة في كلا البلدين. لا نريد أن نقلّل من أهمية الاجتماع وما نتج عنه، ولكن لا يمكننا أيضا أن نبالغ بنتائجه الورقية حتى الآن.

العامل الأول في التريّث والتحفّظ في تقييم النتائج هو مصداقية الطرفين. فكلاهما يعاني من أزمة داخلية طاحنة قد تطيح بهما رغم ظواهر القوّة. والتركيز على تلك الظواهر كانت حاجة لحجب الضعف البنيوي والمتفشّي في العديد من الساحات والملفّات نذكر بعضها على سبيل المثال وليس الحصر لكثرتها. فالرئيس الأميركي مطارد سياسياً من قبل الدولة العميقة في الولايات المتحدة والتي أبرز وجوهها الإعلام المهيمن والإعلام الموازي. كما أنّ خطر العزل أو الإقالة أصبح حقيقة وإنْ لم تظهر حتى الآن أية دلائل قانونية تحتّم المحاكمة. فحتى الساعة ليس هناك إلاّ اتهامات سياسية من دون أيّ إثبات مادي يدلّ على خرق القانون. فلا يمكن محاكمة الرئيس الأميركي إلاّ إذا تبيّن أنه خرق القانون بشكل واضح ومتعمّد أو أنّ سلوكه يشكّل خطراً مادياً حقيقياً ومباشراً على أمن الولايات المتحدة وهذا من الصّعب إثباته. لكن في آخر المطاف يواجه الرئيس الأميركي حملة لا سابقة لها تفوق الحملة التي أطاحت بريتشارد نيكسون في السبعينيات من القرن الماضي وإنْ تشابهت بعض المشاهد. ففي أحسن الأحوال يكون بطّة عرجاء منذ السنة الأولى لولايته وفي أسواء الأحوال يتنحّى أو يُعزَل!

أما على صعيد المضيف العربي فإنّ الوضع الداخلي أقرب للكارثة من أن يكون فقط أزمة عابرة كما يروّج لها المسؤولون وإعلامهم التابع. فتداعيات العدوان العبثي على اليمن تشير إلى وجود تجاذبات حادّة داخل النخب الحاكمة وإنْ يسكت عنها الإعلام الرسمي والمهيمن بينما وسائل التواصل الاجتماعي في الجزيرة تشير إلى قلق كبير بل نقمة. فتراجع الحكومة عن قرارات التقشّف وإعادة العلاوات والامتيازات للقوّات المسلّحة وموظّفي الإدارة دليل عن مدى الامتعاض الذي ساد المشهد. فالدولة هي مصدر توظيف ثلثي اليد العاملة لمواطني الجزيرة وحجمها يوازي تقريباً ضعفي اليد العاملة في القطاع الخاص. كما أنّ حركة النشاط الاقتصادي شبه مشلولة وليس هناك من بوادر استعادة العافية الاقتصادية.

وأما إن أقبلت حكومة الرياض على الالتزام بصفقات قيمتها تقارب نصف تريليون دولار للسنوات المقبلة فيمكن التساؤل كيف تستطيع القيام بذلك من دون تداعيات داخلية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي قد تنسف قاعدة التوافق القائم حتى الآن، والذي برزت فيه مظاهر التصدّع. أما رؤية ولي ولي العهد لإعادة هيكلة الاقتصاد، فلن تظهر نتائجه قبل 2030 على حدّ زعمه هذا إذا ما تمّ تنفيذها. مجلّة «الإيكونوميست» شكّكت في افتتاحية لها في إمكانية تنفيذ المشروع. والجدير بالذكر أنّ ولي ولي العهد كان قد خصّ المجلّة بمكانة هامة في استراتيجية ترويج «الرؤية».

السوريالية تكمن أيضاً في إمكانية تنفيذ ما يحاول الطرفان الأميركي والعربي الإقدام عليه. الرئيس الأميركي يعود إلى بلاده حاملاً توقيع اتفاقات قيمتها تقريباً نصف تريليون دولار منها اتفاقية تسليح المملكة بحدود 110 مليارات دولار. بالمناسبة، معظم مضمون الصفقة تمّ التوافق عليها في إدارة أوباما بينما كانت بانتظار التواقيع. فترامب لم يعرض أيّ شيء جديد! لكن هذه الاتفاقيات يجب أن تحظى بموافقة الكونغرس الأميركي. وهنا نتساءل: كيف سيوافق ذلك الكونغرس على تسليح حكومة الرياض وهو الذي صوّت بشبه إجماع على قانون «جاستا» يحمّل فيها حكومة الرياض مسؤولية أحداث أيلول 2001؟ كما أنّ المُناخ السائد في الولايات المتحدة من خلال الإعلام المهيمن في منتهى السلبية تجاه المملكة رغم إنفاقها مبالغ ضخمة لتلميع صورتها عند عدد من اللوبيات الجمهورية كالتي يقودها الشيخ السابق ترينت لوط أو الديمقراطية كالتي يقودها جون بودستا رئيس حملة هيلاري كلنتون؟ لكن رهان حكومة الرياض قد يكون على نفوذ اللوبي الصهيوني وحكومة نتنياهو. وهنا نتساءل عن مدى إمكانية «نجاح» ذلك اللوبي خاصة بعد الهزائم التي مُني بها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما قبل الأخيرة؟

وإذا افترضنا جدلاً إمكانية تجاوز عقبة الكونغرس، فإنّ الرئيس الأميركي صرّح بشكل واضح أنّ التسليح لحكومة الرياض لن يكون بمستوى يهدّد التفوّق النوعي التسليحي الصهيوني. فماذا سيبيع لها؟ ما هي نوعية الأسلحة التي ستنفق عليها حكومة الرياض ما يوازي 110 مليارات دولار؟ هل ستكون أكثر فعالية من السلاح المستخدم في العدوان على اليمن؟ وما هي النتيجة الميدانية التي حقّقتها سوى الدمار والمجاعة وانتشار الكوليرا بين الشعب اليمني، رغم التفاوت الواضح بالتسليح بين الطرفين؟

أما على صعيد النتائج السياسية فليس هناك من جديد. فالعداء لمحور المقاومة قديم. ولكن من يراهن على موقف أكثر حزماً في الولايات المتحدة فلن يتعدّى في رأينا عتبة العقوبات. كان الرئيس الأميركي واضحاً أنّ الولايات المتحدة لن تخوض حرباً بالنيابة عن دول المنطقة في صراعها مع محور المقاومة وحتى مع جماعات التعصّب والغلوّ والتوحّش لو أقدمت على ذلك. فمن يحارب فعلياً تلك الجماعات هو حكومات العراق وسورية ومعهما الجمهورية الإسلامية في إيران وروسيا والمقاومة. الولايات المتحدة لن تخوض حرباً على إيران، فعلى ماذا يبني المراهنون على «حزم» الولايات المتحدة؟ الغارات الوضيعة على كلّ من مطار الشعيرات والتنف كانت وظيفتها لطمأنة الدولة المضيفة وإنْ لم تكن لها أيّ نتيجة عسكرية تذكر تغيّر في قوانين الاشتباك أو في الواقع الميداني.

اللافت للنظر موقف الرئيس المصري الذي أظهر تمايزاً واضحاً في مقاربته لمحاربة الإرهاب ولضرورة تحميل مسؤولية الدولة التي شكّلت حاضنة للإرهاب. وإذا كان المقصود كلّ من تركيا وقطر، فما هو المانع أن تكون حكومة الرياض في تلك القائمة؟ المقاربة الأميركية مع الدولة المضيفة لمحاربة التطرّف مقاربة أمنية عسكرية فقط لا غير، بينما المطلوب هو مقاربة فكرية ثقافية سياسية واقتصادية واجتماعية وهذا لم يتكلّموا عنه في تلك القمة باستثناء مصر واندونيسيا.

يبقى الكلام عن قوة مشتركة قوامها 34000 عنصر. الأسئلة أكثر من الإجابات الممكنة. مَن يقود، ومَن يشكّل العمود الفقري لتلك القوة؟ مَن يموّلها؟ أين ستتواجد؟ أين سيكون مسرح العمليات؟ كيف يمكن الدخول إلى دول أخرى تستطيع أن تجابه وتلحق الهزيمة بها؟ كيف قيّمت تجربة قوّات التحالف في العراق ضدّ جماعات التعصّب؟ كيف كان أداء قوّات التحالف في المسرح اليمني؟ إلخ… التجربة السابقة القريبة تدلّ على فشل أو نجاح نسبي محدود جدّاً. فماذا تغيّر الآن؟

الكلام عن حلف ناتو «عربي سنّي» كلام غير قابل للصرف والتنفيذ، إذا أخذنا بعين الاعتبار الخلافات العربية العربية حتى داخل مجموعة مجلس التعاون الخليجي. كما أنّ حلفاً لا يضمّ بشكل فعّال مصر وسورية والعراق والجزائر لن يكون إلاّ مجرّد حبر على الورق. بالمناسبة ماذا عن اتفاقية الدفاع المشترك الموقّعة منذ الستينيات من القرن الماضي؟ هل تعتقد حكومة الرياض أنّ ما لم تستطع حقبة الرئيس جمال عبد الناصر تحقيقه بإمكانها تحقيقه هي فقط بقوّة المال؟ أما الدعم الأميركي لها فهو أقرب من حماية يقدّمها نمر من ورق من دولة فاشلة أصبحت أقرب إلى جمهورية الموز على حدّ دافيد روثكوف رئيس تحرير مجلّة «فورين بوليسي» المعروفة!

أخيراً يخجل الإنسان العربي من الأرقام التي وردت في الاتفاقيات مع الإدارة الأميركية. فهذه الأموال أموال عربية بامتياز، لكن لن يستفيد منها أي عربي باستثناء المنتفعين من دائرة النخب الحاكمة الضيّقة. لو صرفت هذه الأموال على بناء كلّ من العراق وسورية ولبنان وفلسطين لما كانت هناك جماعات تعصّب وغلو وتوحّش. ثلثا العرب تحت سنّ الثلاثين. فمع معدل استهلاك مرتفع يصبح المكرّر الاستثماري عالياً جداً ما كان يبشّر بنمو كبير في المنطقة. الصفقة التي تمّت هي صفقة المخدوعين، ولكن المخدوع الأكبر هو مَن يعتقد أنه حقق الإنجاز الأكبر! رحم الله جمال عبد الناصر عندما قال مال العرب للعرب ونفط العرب للعرب. على ما يبدو فإنّ مال العرب هو للأميركيين والصهاينة فقط!

أمين عام المؤتمر القومي العربي

اترك تعليقاً

Back to top button