مصادر القوة بين ترامب وبوتين وحلفائهما
ناصر قنديل
– يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأركان إدارته في حال من الاسترخاء في التعامل مع أيّ مؤشر لتصعيد أميركي أو تلويح بعقوبات أو تغيير قواعد الاشتباك، وينسحب هذا البرود على حلفاء بوتين. فإيران التي تشكل عنوان حملة أميركية لم تتوقف حلقاتها لم تتعامل بعد باعتبار التهديد الأميركي جدياً وقادراً على فرض قواعد جديد ة للتوازنات القائمة، وسورية التي نالها ميدانياً ما أسماه الأميركيون وحلفاؤهم بتغيير قواعد الاشتباك عبر أعمال عسكرية أميركية مباشرة، ونال رئيسها تصعيد كلامي من الرئيس الأميركي، تبدو مطمئنة وهي تستكمل ميدانياً تقدّم قواتها كاسرة ما يفترض أنها الخطوط الحمر الأميركية، سواء ما يتصل بالتوازن العسكري بوجه الجماعات المسلحة التي تتهاوى مناطق سيطرتها أمام الجيش السوري، خصوصاً في دمشق وأرياف حمص وحماة وحلب، أو ما يتصل بالسعي لبلوغ الحدود مع العراق وملاقاة الحشد الشعبي عبرها، حيث تخطى الجيش السوري والحشد الشعبي مخاطر القدرة على التلاقي عبر الحدود، ومؤخراً جاء كلام السيد حسن نصرالله بعد قمم الرياض ليسخر من الحديث عن تغيير في التوازنات، مؤكداً أنّ الصراخ لا يغيّر الموازين، وأنّ محور المقاومة أقوى من أيّ وقت مضى.
– قد لا نقع على تفسير لهذه الثقة من كلام صادر عن أيّ من المراجع الأربعة في محور المواجهة مع أميركا، روسيا وإيران وسورية وحزب الله، بمقدار ما قدّمه لنا السيد نصرالله في خطابه الأخير، حيث يقدّم الخطاب بخلاصته ثلاثة معايير للقوة، أولها الإرادة والوضوح في الرؤية، والثاني تماسك العلاقة بين القيادة وجمهورها وحيوية مساهمته في معاركها، والثالث تماسك جبهة الحلفاء على رؤية مشتركة وتضامن في وجه التحديات وبقياس هذه المعايير يبدو وضع روسيا وإيران وسورية وحزب الله نموذجياً، وفي أحسن أحواله، وبالفعل أقوى من أيّ وقت مضى، بينما يبدو الأميركي وحلفاؤه الرئيسيون في المنطقة من تركيا والسعودية و«إسرائيل» في أسوأ أحوالهم، وأضعف من أيّ وقت مضى.
– الأميركي يواجه وضعاً داخلياً لا يُحسد عليه، خصوصاً مع المراجعات القضائية التي بلغت حدّ انتزاع اعترافات من صهره ومستشاره الأقرب حول سعيه لإقامة قناة مخابراتية سرية مع موسكو، وفي ظلّ انقسام شعبي وتراجع في المهابة، وممانعة في المؤسسات التقليدية، وغياب للتغطية الحزبية بينما يواجه أردوغان أزمات من الداخل إلى العلاقة مع واشنطن وأوروبا والسعودية، والضياع بين التموضع مع روسيا وإيران أو البقاء في حلف يعمل ضدّه ويتداعى أمامه وتواجه السعودية وضعاً داخلياً مالياً وسياسياً مأزوماً سواء في عجز الموازنة وتراجع المداخيل النفطية أو في تداعيات حرب اليمن او التنازع بين ولي العهد وولي ولي العهد على العرش والسعي لنيل البركة الأميركية، أو في الداخل الشعبي الذاهب لحرب طائفية وتواجه «إسرائيل» ارتباكها التاريخي بين خياري مصلحة الانفتاح على مسرحية تسوية تربح بها حلفاً مالياً وعسكرياً وسياسياً يضعها بوجه إيران وفي قلب الخليج، لكنه يثير اليمين والمتطرفين الدينيين، وبين تلبية ما يريده اليمين من تصعيد يذهب بها لحروب تعرف عجزها عن تحمّل تبعاتها.
– يسجل الرئيس الروسي في المقابل شعبية غير مسبوقة، ويخرج الرئيس الإيراني من انتخابات شارك فيها ثلاثة أرباع المقترعين وحصد خلالها نسبة عالية من الأصوات، ويحصد الرئيس السوري ثمار صموده ورؤيته للحرب على بلده بالمزيد من التماسك في الكتلة الشعبية الواقفة وراءه ووراء الجيش السوري، والتي تقدّم المزيد من الانخراط في الحرب لصالح رؤيته مع تحقيق المزيد من الانتصارات السياسية والعسكرية، بينما يمسك حزب الله شارعه بقوة وها هو ينجح في تذليل العقبات التي صنعت له لتفجير علاقته بحليفه الرئيس التيار الوطني الحر سواء في ملف العلاقة بالسعودية أو ملف قانون الانتخابات. ويبدو الرباعي متماسكاً حول الرؤية الموحدة وفي مضمون التمسك بالتحالف المشترك وحمايته، بينما يبدو الحلف المقابل هشاً متناقضاً مفككاً عاجزاً عن حلّ مشكلة صغيرة قياساً بما يُقال عن أهداف الحلف، كتلك الناتجة عن دور الأكراد في الحرب على داعش، أو تلك التي أشعلت الخليج بين قطر والسعودية، والحبر الذي كُتب عن القمم التاريخية للرئيس الأميركي لم يجفّ بعد.
– قليل من التدقيق لما هو آتٍ سيقول ما هو أكثر، فنحن في أول المنحنى البياني للإبهار الناتج عن نصف السنة الأولى من عهد رئيس جديد، سيُفرغ ما في جعبته ويبدأ بعدها التهاوي الدراماتيكي لتظهير الحقائق الأشدّ إيلاماً، سواء في مستقبل العلاقة الأميركية التركية، أو مستقبل العلاقة السعودية القطرية، أو في مستقبل الحدود السورية العراقية، أو في مستقبل الحرب على داعش وتوازناتها، أو في مستقبل الأردن، أو في انتقال التناقضات إلى حدّ الانفجار في مستقبل ليبيا، ومَن يعِش يرَ…