هل دقّت ساعة الحرب العالمية الثالثة!

أسامة العرب

تايوان هي الاسم الذي أطلقه البرتغاليون على جزيرة فرموزا وتشغل مساحة 35 ألف كيلومتر وتقع ساحل بحر الصين الجنوبي، حيث خضعت الجزيرة للاستعمار الياباني عام 1895 بعد الحرب الصينية اليابانية، لكن في أعقاب هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية أعيدت تايوان إلى الصين في العام 1945، ووافقت اليابان على ذلك في العام 1951 ضمن اتفاقية سان فرانسيسكو.

وقد أدّى تسلّم الحزب الشيوعي الصيني للسلطة عام 1945 بقيادة ماوتسي تونغ إلى فرار حكومة الكومنتاج التي يتزعّمها المارشال تشانغ كاي شك إلى شونغ كونغ جنوب الصين، ولكن عندما بلغ المدّ الشيوعي الولايات الجنوبية، انتقلت حكومة الكومنتاج إلى تايوان، حيث أقام تشانغ حكومته فيها وأنتُخب رئيساً لها عام 1950، وسارعت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة للاعتراف بحكومة تايوان ممثلاً شرعياً للشعب الصيني بينما اعترف الاتحاد السوفياتي بالصين الشعبية كممثل شرعي للشعب الصيني.

وبعد التحوّل الذي طرأ على سياسة الصين الشعبية في السبعينيات وتحسين العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن في 1987، تمّ إنهاء العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وتايوان، وإلغاء معاهدة الدفاع المشتركة التي أُبرمت عام 1950 والخاصة بالدفاع الجوي والبحري عن تايوان ضدّ أي هجوم تقوم به الصين الشعبية، كما تمّ سحب القوات العسكرية الأميركية من تايوان، والاعتراف بوجود صين واحدة، وأنّ حكومة الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية، وأنّ تايوان هي أحد أقاليم هذه الصين.

ومنذ ذلك الحين والتوترات تتصاعد ما بين الصين وحلفاء الولايات المتحدة على جزر باراسيل وسبراتلي في منطقة بحر الصين الجنوبي، وبالتحديد بين الصين وإقليم تايوان وفلبين وبروناي. كما ترتفع التوترات أيضاً حول ثماني جزر في بحر الصين الشرقي، تطلق عليها اليابان حليفة الولايات المتحدة اسم سينكاكو، فيما تطلق عليها الصين اسم دياويو. وقد أرسل الأميركيون سفنهم الحربية وطائراتهم العسكرية الى المناطق القريبة من الجزر المتنازع عليها، في عمليات تهدف لحماية حلفاء الولايات المتحدة.

لكن من شدّة خوف أميركا من تصاعد نفوذ الصين على الصعيد الدولي، أعلن رئيس الولايات المتحدة السابق باراك أوباما في بداية 2011، وأثناء حديثه الرسمي للبرلمان الأسترالي، أنّ الولايات المتحدة ستوجه اهتمامها لمنطقة آسيا والهادئ على حساب الشرق الأوسط، ضمن خطة سمّتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون «بالارتكاز» الجديد. والارتكاز هو ببساطة مفهوم أميركي يرمي لاعتبار الصين خطراً استراتيجياً رئيسياً على الولايات المتحدة، ويُعَدُّ مخططاً عملانياً طويل المدى يرمي لتعزيز الوجود العسكري الأميركي في آسيا والهادئ، ولتوطيد العلاقات العسكرية مع حلفاء الولايات المتحدة هنالك، ولزيادة الصادرات العسكرية إليهم، وتفعيل برامج تدريبهم العسكرية، والمناورات المشتركة معهم. وهذا الارتكاز يأتي حتى على حساب الوجود العسكري الأميركي في أوروبا، لا سيما بعدما بدأت تتضاءل أهمية تلك الدول الاستراتيجية مقارنةً بالصين. وكانت النتيجة المباشرة لهذا الارتكاز إبدال الوجود العسكري الأميركي في منطقة الشرق الأوسط بالفوضى الخلاقة، والسعي لتصعيد الاضطرابات التي تحول دون بناء الاستقرار فيه، أيّ أنّ الفوضى الخلاقة لم تكن سوى وسيلة أميركية جديدة لحفظ مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة من دون الحاجة لتدخلها العسكري المباشر فيه.

في المقابل، اتخذت واشنطن عام 2011 خطوات جريئة لتعزيز قواعدها العسكرية في آسيا والهادئ، لا سيما في جزيرة جيجو في كوريا الجنوبية على بعد 500 كيلومتر من الصين، حيث أضافت إلى قواعدها العسكرية صواريخ باليستية طويلة المدى تستطيع إصابة أهداف جنوب شرقي الصين، ومدمّرات بحرية، وحاملات طائرات، وكذلك في قاعدة جزيرة أوكيناوا اليابانية. كما سعت واشنطن لكسب ودّ جميع البلدان القريبة من الصين، ولبناء شراكات عسكرية جديدة تتجاوز حتى حلفاء ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفيتنام عدو الأمس – صديق اليوم بطبيعة الحال كانت أبرز المرشحين نظراً لقربها الجغرافي من الصين.

والواقع أنّ هذا التحوّل الدولي، ساهم بتصاعد حدة التوتر بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية، وإذا كان هنالك من حالة اندهاش عالمي من الحرب الكلامية والتصعيدات العسكرية الجارية مؤخراً بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، فإنّ الأمر يختلف كثيراً عندما نعلم بأنّ الصين كانت هي المستهدفة. وما أدلّ على ذلك، سوى أنّ الصين طالبت الولايات المتحدة منذ أشهر بتعليق العمل فوراً بالدرع الصاروخية الأميركية «ثاد» في كوريا الجنوبية، وذلك غداة إعلان واشنطن أنّ المنظومة الصاروخية أصبحت عملانية إزاء التهديد الكوري الشمالي. كما أكدت وزارة الدفاع الروسية، على لسان فيكتور بوزنيخير، النائب الأول لرئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، في كلمة ألقاها، الثلاثاء 11 تشرين الأول 2016، خلال منتدى سانشان الأمني المنعقد في بكين، أنّ نشر واشنطن عناصر درعها الصاروخية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ هو جزء من مخططاتها لتحقيق التفوق العسكري على روسيا والصين، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر يمكن أن يؤدّي إلى عواقب وخيمة يصعب التنبّؤ بها. وشدّد بوزنيخير على أنّ الأغراض الحقيقية لإنشاء واشنطن مثل هذا النظام هي لتخفيض قدرات روسيا الاستراتيجية النووية، وإبطال قدرات الصين الصاروخية، فضلاً عن إنشاء عنصر ضارب بشكل خفي سيمكّن الولايات المتحدة من شنّ هجوم مباغت على أراضي روسيا والصين.

ويمكن القول إنّ ما صبّ الزيت على النار، هو قيام الرئيس الأميركي ترامب بإجراء مكالمة هاتفية مع رئيسة تايوان، ألمح خلالها إلى استعداده لمراجعة سياسة الصين الواحدة، ولإعادة الاعتراف بتايوان كدولة مستقلة. وما رفع أكثر من حدة مستوى التوتر، هي تصريحات الإدارة الأميركية الجديدة التي أتت لتلوّح بالخيار العسكري في منطقة بحر الصين الجنوبي. ولا توجد كلمة معبّرة حول حقيقة ما يجري حولنا سوى ما كتبته صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية في افتتاحيتها الأخيرة، حينما قالت :«إنّ سياسة الصين الموحدة ليست للبيع، كما يعتقد ترامب أنّ كلّ شيء يمكن تقييمه طالما كان نفوذه قويّاً بما فيه الكفاية، وبالتالي يمكن بيعه أو شراؤه، وإذا كان يمكن وضع سعر للدستور الأميركي، هل سيبيع الشعب الأميركي دستور بلاده ويطبّق نظام حكم آخر مثل سنغافورة؟ ولذلك على ترامب أن يتعلم كيفية التعامل بتواضع مع الشؤون الخارجية، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات الصينية الأميركية. والأكثر أهمية من ذلك، أنه إذا أراد ترامب زيادة تسليح تايوان، فإنّ الصين ستستجيب لاستفزازاته وتقدّم الدعم والمساعدات العسكرية لأعداء الولايات المتحدة».

وبالنتيجة، فإنّ العلاقات الأميركية الصينية، وبحسب ما يراه الكثير من الخبراء الاستراتيجيين تتجه نحو مستقبل يكتنفه الكثير من الغموض والتعقيدات، وتأتي عوامل انعدام الثقة وتغيّر موازين القوى الدولية والقيادات السياسية في مقدّمة هذه العوامل التي تؤثر على العلاقات بين الجانبين. ولا شك في أنّ الصراع والصدام العسكري وارد، لا سيّما بعدما بات العجز التجاري للولايات المتحدة يفرض عليها الخروج من منطقة الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، وتقليص نفقاتها العسكرية حتى في منطقة آسيا والهادئ إلى النصف، أما الصين فتسعى لكسر شوكتها باعتبارها الثقل الاقتصادي العالمي الجديد. الأمر الذي دفع المحلّلين الدوليين للتساؤل: هل دقّت ساعة الحرب العالمية الثالثة؟ هنري كيسينجر يؤكد ذلك! فيما الرأي الراجح يقول إنها اقتربت…!

محام، نائب رئيس

الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

اترك تعليقاً

Back to top button