خيارات حماس… ما بعد قطر
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
واضح أنّ خيارات حركة حماس بالنسبة للجغرافيا والموقف ستتوزع بين ثلاثة دول، حيث ان الحركة ربما تدرك بعد خروجها من قطر، بانّ عليها ان لا تضع بيضها في سلة واحدة، حيث ارتكبت خطأً فاضحاً بل خطيئة بمغادرتها الأراضي السورية والمحور السوري – الإيراني- حزب الله، والإلتحاق بالمحور القطري- التركي، ومنذ خروجها من سورية واستدارتها السياسية منقلبة على حلفائها ومن قدّموا لها الدعم والعون والمساعدة الفعلية إقامة وحماية وحرية حركة ومالاً وسلاحاً وتدريباً وموقفاً سياسياً… ولتواجه بعد ذلك أزمة أخرى حيث اتضح لها بأنّ الأسد باق ليس لبضعة أسابيع كما صوّر لها حلفاؤها الجدد، بل حتى اقتلاع واجتثاث اخر الجماعات الإرهابية من على الأراضي السورية.
الأزمة الأخرى كانت مع تركيا، عندما ضغطت عليها «إسرائيل» في إطار تطبيع العلاقات بين البلدين، لترحيل عدد من قيادات حماس وفي مقدّمتها صالح العاروري، في وقت بقيت فيه تركيا تطمئن حماس، بأنها لن تطبع علاقاتها مع «إسرائيل» دون رفع الحصار عن قطاع غزة أو إقامة ميناء عائم يكون نافذة لغزة على العالم الخارجي…
أما بالنسبة لمصر فكانت أزمة كبيرة، بسبب وقوف ودعم ومساندة حركة حماس لأبيها الروحي حركة الإخوان المسلمين بعد ان أطاح السيسي بنظام مرسي، وما زالت تداعيات تلك الأزمة قائمة حتى اليوم، رغم أنه جرت عدة محاولات لتطبيع العلاقات بين الطرفين، ولكن الشك والحذر وحالة عدم الثقة، هو ما يميّز علاقات الطرفين…
حماس حاولت إعادة مدّ جسور علاقاتها مجدّداً مع المحور الإيراني وبالذات ايران وحزب الله قبل الأزمة الحالية التي تواجهها… ولكنها كانت حذرة جداً حيث السعودية المتحالفة معها، قد تتخذ اجراءات عقابية بحقها اذا ما رفعت درجة انفتاحها على إيران ومحورها…
حماس حاولت أن تستبق ما حصل وما يحصل، وحاولت ان تسوّق نفسها عالمياً وإقليمياً من خلال إطلاق وثيقتها السياسية، «وثيقة المبادئ والسياسات العامة»، والتي تقبل فيها بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ 1967 بدون الاعتراف بـ«إسرائيل»، ولكن تلك الوثيقة لم تمكّن حماس من إحداث حالة اختراق جدية في الساحة الدولية، فحجم التنازلات المطلوب تقديمها كبير جداً، وحماس حتى اللحظة ليست المؤهلة للقيام بهذا الدور، حيث أنّ هناك من قطع شوطاً أبعد وأوسع في هذا الجانب.
حماس التي واجه حكمها في قطاع غزة تحديات جديدة، ناجمة عن إجراءات قاسية اتخذتها السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس ضدّها، تمثلت بحسم 30 من رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة، ورفض تسديد أثمان الكهرباء عنها لـ»إسرائيل»، من أجل أن تتراجع عن إجراءاتها التي اتخذتها هناك، بتشكيل لجنة إدارية لقطاع غزة، هذه الإجراءات العقابية عمّقت من أزمة حركة حماس وحكمها في القطاع، حيث الأوضاع والظروف هناك صعبة، قبل مثل هذه الإجراءات العقابية، والناس أغلبهم يعتاشون من المساعدات والإغاثات الخارجية، وأزمة الكهرباء والبطالة والفقر تهدّد بإنفجار الأوضاع ضدّ حكم حركة حماس.
حماس كانت تسعى جاهدة لترميم علاقاتها مع ايران، وفي المقابل لا تريد أن تحدث استدارة في موقفها السياسي، تعرّضها لغضب السعودية على وجه الخصوص، ولكن اتضح لحماس بعد القمم الثلاثة في الرياض في العشرين من الشهر الماضي، والتي اعتبرت فيها الدول العربية والإسلامية المصطفة خلف أميركا، بما فيها أقرب حلفائها قطر وتركيا، حماس حركة إرهابية.
وهذا يعني بأنّ التسوية التي يجري إعدادها ضمن الإطار الإقليمي للقضية الفلسطينية، سيكون في رأس سلم أولوياتها طرد وملاحقة حماس من البلدان الملتفة والمصطفة خلف الحلف الأميركي «الناتو» العربي- الإسلامي الأميركي… ومما سرّع في الخطوة القطرية تجاه حركة حماس، هو تصاعد خلافها مع السعودية والإمارات ومصر على خلفية زيارة وزير خارجيتها محمد عبد الرحمن أل ثاني بعد يومين من قمة الرياض الى بغداد وترتيبه للقاء مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد «فيلق القدس»، ومن ثم قيام الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني بالاتصال بالرئيس الإيراني مهنئاً بحلول شهر رمضان، فإيران التي اعتبرتها قمم الرياض أساس الإرهاب في المنطقة، وزعزعة أسس السلم والإستقرار فيها وتهديد الأمن القومي في العالم العربي، ترى فيها قطر واحدة من ركائز ضمان الأمن في المنطقة، وكذلك حركة الإخوان الملسمين، التي ترى فيها الإمارات العربية حركة «إرهابية» ويشاطرها في ذلك مصر والى حدّ ما السعودية، وحماس كونها ترتبط بعلاقات سياسية وفكرية والى حدّ ما تنيظيمة، قبل ان تعلن في وثيقتها السياسية الجديدة، بأنها تنظيم فلسطيني إسلامي، ليس له علاقة تنظيمية بحركة الإخوان المسلمين، هي الأخرى واحدة من القضايا الخلافية بين قطر والمحور او التحالف السعودي الإماراتي – المصري، والى حدّ ما حركة حماس، كونها تتماثل فكرياً وسياسياً مع حركة الإخوان المسلمين، المستولدة والمنبثقة حركة حماس عنها.
المسرح الذي يجري إعداده لحلّ القضية الفلسطينية، وفق الإطار الإقليمي، يشترط طرد حماس وقياداتها العسكرية وكذلك الأمنية التي لها إرتباطات في الضفة الغربية، وواحدة من البلدان المطلوب طرد حماس منها، كمطلب أميركي – إسرائيلي، هي قطر على وجه الخصوص.
حتى اللحظة ورغم النفي القطري لمثل هذا الطلب والإستجابة للمطلب الأميركي – الإسرائيلي، إلا أنني على قناعة تامة بانه بعد قمم الرياض الثلاثة، فإنّ هذا السيناريو جاري العمل على تنفيذه، وبالتالي خيارات حماس ما بعد قطر، ستكون موزعة بين ثلاثة دول… ستعود الى محور المقاومة من بوابة ايران، حيث بات واضحاً بأنها مستهدفة ليس فقط أميركياً وإسرائيلياً، بل ومن قبل العديد من الدول العربية، وبالذات حواضنها الخليجية، وعودتها الى محور المقاومة من بوابة طهران، يعني بأنّ عليها ان تحدث إستدارة في موقفها السياسي، وهذه الإستدارة ستدفع ثمنها.. ولذلك السيناريو المرجح هو تدعيم وتطوير علاقاتها مع طهران، وكذلك ان تنتقل قياداتها السياسية الى تركيا وتونس، بحكم كونها تشكل معاقل لحركة الإخوان المسلمين، وهذه الحركة ترتبط بعلاقات وثيقة مع حماس، فهي توفر لها المكان للتحرك السياسي والجماهيري وإلى حدّ ما دعم مالي تركي.
في حين يناط بكتائب القسام تدعيم العلاقة مع إيران وحزب الله كمقدمة لفحص إمكانيات ترميم طويل الأمد للعلاقة مع القيادة السورية.
هذه خيارات حماس ما بعد قطر في المرحلة الراهنة، وهي رهن بأيّ تطورات سياسية أو عسكرية قد تحدث في المنطقة، وعلى ضوئها تتحدّد وجهة حماس واصطفافها السياسي بشكل نهائي.
Quds.45 gmail.com