إيران في عين عاصفة الإرهاب.. ولبنان أيضاً
د. وفيق إبراهيم
الترابط بين البلدين ليس اكتشافاً صعباً، فعندما تكون إيران مستهدفة بشكل علني في مقرّرات قمة الرياض، وخصوصاً من سياسات دولها الأساسية الأميركية والسعودية، المتماهية مع العداء «الإسرائيلي» التاريخي، فإنّ قائد الجناح العربي المقاوم المتحالف مع إيران لن يكون بمأمن من تسديدات مذهبية وسياسية ترتدي أشكال توترات واهتزازات أمنية وتفجيرات في عرينه اللبناني.
هذه إشكالية، لكنّها منطقية، لأنّ طهران هي من أكثر القوى فاعلية في مواجهة النفوذ الأميركي في العالم الإسلامي باعتراف أميركي، وبدوره فإنّ حزب الله هو طليع المقاومات العربية التي تستبسل في التصدّي لهذا النفوذ منذ ثمانينيات القرن الفائت، عندما هاجم بمجاهديه قوات الاحتلال الأميركية والفرنسية، وشنّ مقاومة لا تزال مفتوحة في وجه العدو «الإسرائيلي» منذ 1982، أدّت مرحلياً إلى الانتصار في 2000 و2006، وها هي تتحمّل اليوم وزر الدفاع عن المشرق العربي في وجه إرهاب «إسلاموي» يتقمّص النفوذ الأميركي والعداء «الإسرائيلي» والتآمر الخليجي في آن معاً.
هناك دلائل إضافية على الترابط، فالهجمات الانتحارية الأخيرة التي استهدفت مرقد الإمام الخميني والبرلمان الإيراني، سبقها بيومين فقط اكتشاف الأجهزة الأمنية محاولات تفجير في الضاحية الجنوبية لبيروت، كانت تعدّ لها مجموعات إرهابية مرتبطة شكلاً بـ«داعش»، لكنّها في العمق مرتبطة بتوجيه من أجهزة مخابرات تريد إحداث فوضى أمنيّة في مركز انطلاق حزب الله في لبنان، فهل هي مصادفة؟
فإذا كانت كذلك، خذوا برهاناً آخر من مقررات قمّة الرياض التي وضعت إيران وحزب الله وحماس على لائحة الإرهاب وبالمستوى نفسه.
أمّا عن المدى الذي تستطيع الأجهزة الأمنيّة السعودية والأميركية و«الإسرائيلية» استخدامه لإحداث فوضى في إيران، فهو على المستوى «النظري» الصرف كثير ومتنوّع، لكنّ فاعلياته العملية ليست كما يعتقد المشغّلون الدوليون والإقليميون.
لجهة التعددية القومية والعرقية، فإلى جانب الفرس الكتلة الأكبر، هناك عرب وبلوش وأذريون «أذربيجان» وأكراد، وكتل صغيرة من الأرمن واليهود. لكنّ طبيعة النظام السياسي في إيران تستوعب هذه التعدّديات القومية بنظام سياسي برلماني وإسلامي على مستوى الإيديولوجية، لذلك فهو قابل لأن يستوعب التعددية القومية في إطار الإسلام الذي لا يفرّق بين «عربي وأعجمي إلا بالتقوى والصلاة». ويتعامل مع المكوّنات الدينية الأخرى في إيران بمساواة يشهد بها المسيحيون وغيرهم هناك. وبالملاحظة، فإنّ أقلّ بلد يتحرّك فيه الكرد هو إيران التي يشكّلون فيها خمسة في المئة من السكّان، على الرغم من المحاولات الحثيثة لدفعهم إلى تشكيل «بيشمركة إيرانية» تنفّذ عمليات ضدّ النظام.
أمّا البلوش، فمناطقهم بعيدة تقع عند الحدود الباكستانية وأكثرهم موجود في محافظات باكستانية. هؤلاء يتعرّضون لضغوط كبيرة من المخابرات الإقليمية والدولية وبعض الحركات الدينية المتطرفة، لكي ينفّذوا عمليات عسكرية تهدف للمطالبة بالانفصال عن إيران. ومن يتحرّك من هؤلاء، هم شلل بسيطة ترتبط بـ«داعش والمخابرات السعودية، لأنّ قسماً من البلوش يعملون في بلدان الخليج، حيث يجري تنظيمهم والتأثير عليهم.
ولم يسبق لعرب الأحواز خوزستان أن أسّسوا حركات ذات مستوى تطالب بالانفصال، فهم شديدو الاندماج بـ«دولة إيران» ولديهم ممثّلون في الطبقات العليا من الإدارة السياسية والدينية في طهران مثل شمخاني . وهم يشعرون بالفخر لأنّ الخميني كان من أصول عربية من الأشراف الهاشميين ، وكذلك الخامنئي الذي ينتمي إلى الدوحة الهاشمية نفسها.
أما الأذريّون، فهم موجودون في النظام السياسي بقوّة، ومندمجون اقتصادياً واجتماعياً، والسيد الخامنئي منهم ومولود في أذربيجان الإيرانية، ولم يسبق أن سجّلوا أدنى تحرّكات ضدّ الدولة. لجهة المسيحيين واليهود، فليس لديهم مشاريع سياسية لأنّهم أقلية عددية هامشية، نجح النظام الإيراني في توفير كلّ ضمانات العيش لهم مع ممارسة طقوسهم بحريّة كاملة. بدليل أنّه لم يسبق أن حدث احتكاك بينهم وبين أيّ من المذاهب الإسلامية.
أمّأ لجهة النظام السياسي، فميزته أنّه عادل في إنفاق المال العام ويوازن بين المناطق كلّها، حسب حاجاتها الإنفاقية والإنمائية، موفّراً لها علوماً حديثة مع إمكانية المشاركة السياسية المفتوحة في الأحزاب من جهة، والمؤسسات السياسية الدستورية في إيران، وليس هناك من قيود عرقية أو طائفية أو مذهبية على أي من مكوّنات إيران لجهة حقوقها في الاقتصاد والاجتماع والسياسة.
لماذا إذن هذا العداء الأميركي السعودي لإيران، وبالتالي «الإسرائيلي»؟ لأن نجحت طهران في بناء تحالفات عميقة شملت العالم الإسلامي وروسيا والصين والهند ودولاً في أميركا اللاتينية وأوروبا. وما أزعجت واشنطن منها مسألتان: دورها في العالم الروسي وتركيبها لحلف عميق في روسيا، فالسياسة الأميركية تعتبر العالم الإسلامي حكراً لها وملعبها الأهمّ في العالم. لذلك، فهي تخشى هذا الجموح الإيراني، وتريد عرقلته بثلاثة أنواع من العداء: السنّي الشيعي، والعربي الفارسي وتوجيه الإرهاب نحو إيران. وهذا ما يمكن قراءته في تفجيري البرلمان والمرقد. أما بالنسبة إلى لبنان، فالملاحظ أنّ الغطاء الدولي حوله بدأ يتراخى بموازاة استهداف إيران، وذلك لسبب وحيد وهو أنّه يضمّ واحداً من أهم تحالفات إيران في العالم العربي، وهو حزب الله الذي سجّل أول انتصار عربي فعلي على «إسرائيل» عندما أرغمها على الانسحاب من جنوب لبنان بعد قتال امتدّ من 1982 وحتى 2000، وصولاً إلى معارك 2006 التي لم تتجرّا «إسرائيل» على التقدّم على الأراضي اللبنانية، رغم عشرات آلاف القذائف التي ألقتها الطائرات «الإسرائيلية» المدعومة من الخليج السعودي والسياسة الأميركية.
ولأّن حزب الله سبب أساسي في توفير شبكة أمان كبيرة للدولة السورية في وجه الإرهاب، ولأنّه مصدر الوحي والتقليد لمجموعات مقاومة عربية كبيرة، وصولاً إلى نسج علاقات تنسيق وتدريب معها في اليمن والعراق وفلسطين ومناطق أخرى، ولأنّه استطاع بناء معادلة لبنانية تحفظ حقّه في الدفاع عن جنوب لبنان من أيّ اعتداء «إسرائيلي» محتمل، إضافة إلى الموافقة الرسمية على دوره في محاربة الإرهاب في سورية.
لمجمل هذه الأسباب، يريد الحلف الأميركي السعودي «الإسرائيلي» إرباكه في عرينه اللبناني، وذلك بإفساح المجال وغضّ الطرف وصولاً إلى الدعم المباشر لقوى إرهابية لبنانية وفلسطينية وسوريّة، لتنفّذ عمليات انتحارية وهجمات على مناطق من ألوان مذهبية محدّدة، بهدف تفجير الوضع الداخلي على أُسس مذهبية.
والمرجّح أنّ هناك خلايا بدأت بالاستعداد لتحقيق هذه الأهداف الإرهابية، متّكئة على دعم من بعض الجهات الداخلية المحسوبة على السعودية، التي بدأت برحلات مشبوهة إلى الرياض بذرائع إتمام «واجبات دينية» «العمرة»، علماً أنّ هناك مفاوضات دقيقة حول مشروع جديد لقانون الانتخابات تستلزم بقاء رئيس الحكومة في البلاد، لكنّه آثر السفر إلى السعودية على عجل.
هذه المعطيات هي قراءة أولية في حركة الطرف المعادي، لكنّ جهة المقاومة وتحالفاتها أصبحت متمرّسة في إجهاض السلوك الإرهابي وتتعاون مع معظم الأجهزة الأمنية على اقتفاء آثاره في كلّ مكان.
لذلك، فإنّ لبنان بحمى الأمن والمقاومة كفيل بتعزيز الاستقرار على قاعدة قمع الإرهاب في الداخل من قِبل الدولة، والتصدّي للإرهاب في الإقليم من قِبل حزب المقاومة.