العلاقات الأميركية ــ الروسية من يصرخ أولاً في لعبة عضّ الأصابع
حميدي العبدالله
اعترف وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أنّ جميع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها دون استثناء يدعونها إلى تحسين العلاقات مع روسيا.
جاء اعتراف تيلرسون في جلسة استماع في الكونغرس الأميركي. لا شك أنّ ما قاله وزير الخارجية الأميركي صحيح مئة بالمئة، فجميع حلفاء الولايات المتحدة، ربما باستثناء كندا، تربطهم علاقات اقتصادية متينة بروسيا، غالبية الدول الأوروبية، ولا سيما الدول المركزية مثل ألمانيا وفرنسا لديها استثمارات بعشرات مليارات الدولارات، وهناك مئات الشركات الأوروبية التي تنشط في روسيا، وروسيا بلد فيه فرص للاستثمار لا تتوفر في دول كثيرة.
في الدول الغربية وصل الاقتصاد إلى مرحلة الإشباع ولم تعد هناك فرصة لضخّ مزيد من الاستثمارات، وحتى إذا كانت هناك فرص استثمار في تجديد بعض البنى التحتية، فإنها غير مجزية مقارنة بالأفق المفتوح أمام الاستثمارات في بلد مثل روسيا تحتاج إلى المزيد والمزيد من الاستثمارات. كما أنّ الدول النامية لا تشكل ساحات جذب للاستثمار لأسباب عديدة ومتنوّعة، بعضها مرتبط بغياب الاستقرار، وبعضها الآخر مرتبط في ضعف الموارد والقدرات. بهذا المعنى روسيا اليوم، بما تحوز عليه من موارد مساحة للاستثمار تشكل أهمية استثنائية للشركات العالمية، لا سيما في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصادات الغربية.
هذه المعطيات هي التي تفسّر قول وزير الخارجية الأميركي بأنّ حلفاء الولايات المتحدة يدعونها إلى تحسين العلاقات مع روسيا لأنّ استمرار التوتر وفرض العقوبات يلحق أذىً كبيراً بالشركات الغربية، وحتى ببعض الشركات الأميركية، حتى وإنْ كانت حصة هذه الشركات في روسيا هي الأقلّ.
بهذا المعنى يمكن القول إنّ روسيا تتمتع بموقع أقوى من موقع الولايات المتحدة في الخلاف الدائم بين البلدين، لا سيما في ضوء اعتراف تيلرسون بعدم رغبة حلفاء الولايات المتحدة التقليديين بمجاراة واشنطن في استفزاز روسيا.
لا شكّ أنّ روسيا هي أقوى في لعبة عضّ الأصابع، أولاً لأسباب وعوامل اقتصادية، وهذا ما قصده تيلرسون في شهادته أمام الكونغرس، وثانياً لأسباب سياسية نظراً لأنّ روسيا لاعب دولي لا يمكن تجاهله على الإطلاق.