الثأر للخميني: رسائل «الردع» و«الحرب»
روزانا رمّال
لا تحتاج إيران لشرح مبدئية الوجود في سورية من بوابة قتال للإرهاب ولا الى ان تقوم قواتها هناك بالمزيد من العمليات ضد داعش في المحافظات السورية والعراقية من أجل الإقرار بمحاربتها القوى المتطرفة برفقة الحلفاء، على اعتبار وهي التي تمارس هذه المهام منذ سنوات ومغطاة من قيادة النظام السوري من ضمن التحالف الاستراتيجي الذي يشمل الى السوريين، الروس والإيرانيين وحزب الله. لكن وبالرغم من كل ذلك تفاجئ طهران المنطقة بتصعيد خطير على الأراضي السورية شكلاً ومضموناً وخياراً وتقصف من العمق الإيراني الى العمق السوري صواريخ باليستية ارض ارض وصلت لمحافظة دير الزور واستهدفت معقلاً لداعش ليتكشّف المشهد حول قتلى ميدانيين للتنظيم يقارب عددهم الخمسين بينهم قيادات وكوادر، عرف منهم قادة ليبيون.
القصف الإيراني، اذاً، لا يُفسد في الودّ قضية هنا في ما يتعلّق بمكافحة «الارهاب»، كما تعلن طهران من سنوات ولا يحمل جديداً في الدور الإيراني بالحرب السورية «بالمبدأ»، ما يؤكد أن للصواريخ الإيرانية الباليستية رسالة أبعد من قتال الإرهاب وأعمق من كشف أماكن قيادات داعش في دير الزور، حيث العبث الأميركي بالغارات ومنطقة عمليات الغرف الأمنية، وتتمثل برسالة نار وصلت بسرعة البرق للجهات التي حرّكت نحو العبث في أمن طهران لأول مرة واستهداف رمز الثورة الإيرانية مؤسس الدولة الإسلامية ضريح الامام الخميني ومجلس النواب الإيراني.
رسالة النار الإيرانية رسمت خط النار المباشر لحماية الداخل الإيراني اولاً وضبط المحيط ثانياً، والذي يسعى نحو التصعيد بالخليج وصولاً الى رأس النظام الإيراني وكلها مطامع من فحوى جلسات «مغلقة» بين الأمير السعودي الشاب محمد بن سلمان والأميركيين، وجزء منها يتمحور حول الاستعاضة عن الفشل في العراق وسورية بخض الأمن الإيراني الداخلي مباشرة وإضعافه كآخر «رشقة» حتى وقوع الفوضى، فالثورة على غرار تلك التي حدثت عام 2009 فما كان الا حركت داعش نحو الهدف الأكثر استفزازاً وقدسية عند الإيرانيين «ضريح الخميني»، لتتهم طهران مباشرة الرياض بذلك. أما الأميركيون الذين بحثوا أشكال التضييق على إيران كافة أعطوا الضوء الاخضر للتجربة السعودية بكلام واضح من وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون تناول فيه أمام الكونغرس مقترح العمل على إسقاط النظام الإيراني من الداخل.
عملياً، الرد الإيراني هذا هو أحد أول أشكال الردود المباشرة التي كان يفقتد إليه المحور السوري الروسي الإيراني في محطات الاعتداءات المباشرة وغير المباشرة من قبل السعودية والولايات المتحدة، وذلك عملاً بالرغبة بعدم التصعيد سابقاً، وهو الأمر الذي بدا غير موجود في الحسابات الإيرانية اليوم، فالصواريخ المباشرة هي «إعلان حرب» واستعداد إيراني واسع لها إذا اقتضت الحاجة أو برزت رغبة بالتصعيد داخلياً أكثر، وهي دليل على ارتياح القيادة الإيرانية التي لم تعُد ترى في فكرة «الردّ» مناسبة للتضييق على إيران او خطر يساهم بابتزازها في ما يتعلّق بالعلاقة مع الغرب وملفها النووي، ومن جهة ثانية فإن الايحاءات الإيرانية الأكثر سطوعاً تخاطب دول الخليج والمحيط من دون أقنعة وتفيد أنها على استعداد كامل لاستهداف كل من يفكر بالعبث بالأمن الإيراني مجدداً أياً كان، واينما حل من دون عودة الى حسابات لا تعني القيادتين السياسية والعسكرية في إيران بلحظة المس بالأمن القومي.
محلل الشؤون العسكرية في شبكة cnn الأميركية ريك فرانكونا، يقول إن إعلان الحرس الثوري الإيراني إطلاق صواريخ على أهداف في سورية هو «تصعيد خطير». ويتابع: «إن عملية انتقاء إيران للأهداف في سورية مثير للاهتمام، فهم يقولون إنهم يستهدفون الأشخاص ذاتهم ممن يقفون وراء هجوم العاصمة الإيرانية، طهران، ولكن، وفي الوقت ذاته فإن ذلك قدم دعماً كبيراً وإسناداً ضرورياً لقوات النظام السوري والعمليات التي تقوم بها في الوقت الحالي في تلك المنطقة.»
كلام فرانكونا يوازيه كلام مشابه من وسائل الإعلام «الإسرائيلية» التي عبرت عن دهشة شديدة من الخطوة الإيرانية وعما يعتبرونه ضرورة رفع نسبة الحذر والتوقع من إيران في المرحلة المقبلة، فإن قرع طبول الحرب في المنطقة لن تكون سهلة على «إسرائيل». الأجواء «الاسرائيلية» التي توقفت عند التطور في سورية هو أحد تداعيات تأثير إطلاق الصواريخ تلك، لكنه بالمحصلة يضع القوة الصاروخية الإيرانية على سطح الاهتمامات الدولية من جديد، ويلفت بهذا الإطار أن إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية جاء بعد أيام قليلة من إقرار مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع تقريباً في 17 حزيران 2017 تمرير مشروع قانون يستهدف روسيا وإيران بعقوبات جديدة.
رسائل «حرب وردع» في آن واحد تحركت إيران نحوها حماية لثورة الخميني وهالة النظام الذي لا يبدو أنه سيتهاون او يتم التهاون معه من جديد. وهنا تحضر كل الاستفزازت الغربية والخليجية لإيران في السنوات الماضية في البحرين ولبنان واليمن وسورية والعراق ويحضر معها استعداد إيراني لتعويض فترة ضبط النفس بتصعيد تراه ضرورياً لحماية أمنها واستقرارها بكل الأثمان ومن جهة ثانية تدرك طهران مدى القدرة على جس النبض الدولي والإقليمي من التعاطي معها بما يتعلق بالملف النووي الإيراني والعلاقة الأوروبية المستحدّثة مع نظامها في فترة مبكرة من عهد ترامب الذي أرسل رسائل تصعيدية مختلفة في ملفات واتفاقيات دولية نقضت في عهده فهل سيغامر بالاتفاق النووي ويأخذ المنطقة نحو الحرب بعد الاختبار الباليستي؟