من حلب إلى درعا… قريباً إدلب
ناصر قنديل
– تستطيع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تزعم الفضل لها بتأجيل مفاعيل انتصار الجيش السوري وحلفائه في حلب، ونجاحها بتجميد مفاعيل مسار أستانة لستة شهور وجعله خلالها إطاراً مرتبكاً يخضع للتجربة والاختبار بانتظار ما سيحدث على جبهة الأوهام باسترداد الجماعات المسلحة زمام المبادرة. وهو ما كان ليحدث لولا التشويش الذي أدخلته عنتريات الرئيس الأميركي ورسائله النارية، التي تكشّف مضمونها عن ألعاب تكتيكية لا عن خيار استراتيجي، حيث يصير الجواب الأميركي عن سؤال حول ما بعد انكسار داعش وفرضية تعرّض القوات الكردية لهجوم من الجيش السوري وهل ستدافع عنها القوات الأميركية، بالقول بالتأكيد لن نفعل ذلك.
– كلّ الذين قتلوا وأصيبوا وكلّ الخراب الذي وقع، خلال فترة ما بعد معارك حلب، نتاج لهذه الأوهام التي زرعتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، ودفعت حتى الأتراك الذين ذاقوا مرارة هزيمتهم في حلب إلى التوهّم بأنّ زمناً جديداً يبدأ، وأنّ العودة لرهانات الخيار العسكري في سورية ممكنة، حتى انقضت كلّ اختبارات القوة، وثبت أنّ المعادلة التي أنتجت نصر حلب هي المعادلة الاستراتيجية الثابتة، وأنّ التشويش عليها سياسياً وعسكرياً ليس إلا أفعالاً تكتيكية يريدها الأميركي لقطاف من الأغبياء الذين يقعون ضحايا وهمِ قوّته. كما قالت قمم ترامب في الرياض وحصاده بمئات مليارات الدولارات.
– جاءت معارك درعا، وجاء كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كصفعات موجعة للجماعات المسلحة التي وقعت ضحية الوهم، لإعادتها إلى رشدها الحلبي، والتيقن من أنّ شيئاً لم ولن يتغيّر، وأنّ العناد والمكابرة لن ينتجا سوى رفع الأكلاف للتسليم بنتائج يمكن التسليم بها بخسائر أقلّ. ومعلوم أنّ ميزان الردع بعد سلسلة معارك يصير مكثفاً، فلا حاجة لمرور الحرب بكلّ مراحل المرة الأولى لتظهر نتائج مراحلها الأخيرة في المرة التالية. وتكفي مؤشرات التذكير بالموازين لفرض المسار الذي رسم من قبل على حالات أشدّ قوة ومتانة، في حالات أشدّ ضعفاً وهشاشة، وما كانت تبغيه الخطة الأميركية هو تعطيل موقت لفعل هذه القاعدة لتعيد الجماعات المسلحة ورعاتها الإقليميين المرور بالنكسات ذاتها وبأكلاف مضاعفة، حتى تتحقق من أنّ شيئاً لم يتغيّر، لكن كسب الوقت يكون نزيفاً قاتلاً لها، ومكاسب في الجيب الأميركي، تتحقق في الخليج وليس في سورية.
– درعا تدخل اليوم الزمن الحلبي، وتتدحرج مكونات تسوية تشبه تلك التي انتهت بها حرب حلب، ومن درعا إلى حلب، شمال وجنوب سورية وشمال وجنوب الحرب السورية وبوابات العبور منها وإليها، من هاتين البوابتين عبرت الحرب إلى سورية ومنهما تعبر سورية للخروج من الحرب. وبرفع العلم السوري فوق خط الحدود الأردنية ولاحقاً التركية تسدل الستارة على الفصول الأشدّ بشاعة وخطراً في هذه الحرب. وبعد درعا ستكون إدلب قريباً، وبعدهما لن يطول زمن عودة دير الزور، فتلك هي معادلة حسم أمرها، بين حلفين حلف يزداد تماسكاً وحلف يزداد تفتتاً. حلف يزداد ثقة وحلف يزداد شكوكاً وإحباطاً. حلف يزرع الانتصارات وحلف يحصد الهزائم. دمشق تنفض غبار الحرب عنها وتحتفل بيوم القدس وتراه قريباً، والرياض تتقلّص طموحاتها من انتظار يوم سقوط دمشق لتهتف إنه يومك يا ابن نايف ويومك يا قطر.