الربع الساعة الأخير من الحرب على سورية
د. سمير الخطيب
أجرت صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية بتاريخ 19/6/2017 لقاءً صحافياً مع السفير الأميركي الأخير في دمشق روبرت فورد كونه لعب دوراً نشطاً في بداية الحرب ضدّ الدولة السورية، السفير فورد قال حرفياً: «اللعبة انتهت والأسد انتصر».
في اليوم التالي خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليتحدث ويؤكد شرعية الرئيس الأسد في السلطة، وسمعنا منذ أيام تسجيلاً صوتياً للمعارض رياض نعسان آغا يقول فيه: «التقيت أنا ورياض حجاب وزير الخارجية الأميركي جون كيري قبل أن يغادر منصبه واعترف بأنّ أميركا خذلت الشعب السوري». ويتابع آغا: «سألت جون إلى أين تمضي إدلب»؟ فقال: «إلى الإبادة لأنّ العالم لن يقبل بوجود متطرفين وإمارات إسلامية وأمامنا تجربة أفغانستان دليلٌ على ذلك»، ويتابع نعسان آغا: «على أهلنا في إدلب أن يغلِّبوا العقل ويتخلُّوا عن شعاراتهم ودعواتهم للانفصال ويتجنّبوا ما هو قادم من الأيام».
نحن ندرك أنّ أميركا متوحّشة… قتلت ودمّرت وشرّدت مئات الآلاف بل الملايين من سكان الكرة الأرضية ضاربةً بعرض الحائط القوانين والمواثيق والأعراف الدوليَّة والأخلاقيّة، فلا يعنيها سوى تحقيق مصالحها وهي لا تتردّد في خوض الحروب والاعتداء على الدول حتى لو سارت وحدها إلى هذه الغاية.
أميركا تقف الآن في الشرق الأوسط معيدةً حساباتها ومحاولةً استجماع قوى داعمه لها بشتى الوسائل لأنها باتت تدرك أنّ اللعبة تغيّرت، وأنّ هناك من يمتلك أوراق المواجهة، ولم يعد بمقدورها لعب دور «العكيد» في المنطقة، فهي اليوم أمام واقع جديد وخصومها يتقدّمون ويربحون في السياسة والجغرافيا ويسجّلون النقاط تباعاً، وقد اقتربوا من النصر بالضربة القاضية ولن يكون أيّ من حلفاء أميركا، بما في ذلك الأكراد، في منأى عن ضربات الجيش السوري والحلفاء ولن يطول الوقت لاستبدال الأعلام الأميركية بالرايات البيضاء وإعلان الانسحاب والاستسلام، لا سيّما أنّ تركيا والعراق وإيران سورية مجمعة على رفض أيّ كيان كردي في المنطقة.
باتت روسيا والصين وإيران اللاعب الأكبر في المنطقة ولن تجرؤ الولايات المتحدة على المواجهة فهي تعلم أنّ الكلفة عالية وخصومها ذاهبون في المواجهة إلى النهاية مهما بلغ الثمن والتضحيات، ولن يردع حلف المقاومة إسقاط طائرة أو ضرب بعض الوحدات المقاتلة من الجيش السوري وأصدقائه، فهذا الحلف يملك من عناصر القوة ما يكفي لقطع الطريق على ما تحلم به أميركا والكيان الصهيوني وأدواتهما في المنطقة هذا إنْ بقي لهم شيء ليحلموا به .
وبنظرة موضوعية على واقع الدول التي ساهمت بالحرب بشكل مباشر على سورية نجد أنّ تركيا أدركت بعد حادثة إسقاط السوخوي الروسية العام الفائت أنّ الأميركي لم يكترث ولم يحرّك ساكناً ووجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه لا سيما أنّ المصالح الاستراتيجية التركية متضرّرة من العلاقة الأميركية الكردية، فاتبعت سياسة الخروج الهادئ من المواجهة مع الروس والتنسيق معهم بما يحفظ ماء الوجه، وما اقتحام حلب وتحريرها على مرآى ومسمع من الأتراك إلا دليل واضح على ذلك ومعركة إدلب القادمة سوف تؤكد حقيقة هذا الموقف، فالتركي اليوم يعيش حالة من الترقب لأنّ مرحلة الحسم قد اقتربت ولعبة المصالح والمحاصصة قد تبدّلت…
أما الوضع الخليجي وبتقييم مرحلي فهو كالتالي: سعودياً، دخل أفراد الأسرة الحاكمة في إرباكات جديدة وهو ما ينذر باضطرابات داخلية، أضف إلى ذلك الإنفاق الهائل على الحرب في العراق واليمن وسورية، ومعاداة إيران، ونقل الصراع من عربي – إسرائيلي إلى عربي- إيراني ودفع أموال هائلة على هيئة جزية وشراء أسلحة قديمة وإنعاش معامل صناعة الأسلحة الأميركية، ناهيكَ عن الاتهامات المتبادلة بين قطر والسعودية حول دعم الإرهاب والجرائم المرتكبه بحق العديد من أبناء الدول العربية والشرخ الحاصل بين دول مجلس التعاون الخليجي أو ما يسمّى «عرب الاعتدال والخنوع».
أما قطر فهي في حالة عزلة وحصار ومتهمة بدعم الإرهاب بعد أن احتضنت ودعمت الإخوان المسلمين واعتقدت أنها من الممكن أن تلعب دوراً قيادياً في مجلس التعاون، باعتبارها قاعدة للإخوان وفيها قاعدة «العديد» الأميركية، وتحالفها مع تركيا الإخوانية والفائض الهائل والكبير من المال.
إنّ الغاية مما يجري الآن في الخليج هو إعادة قطر إلى حجمها الطبيعي ونزع كلّ ما تحتسبه قطر نقاطاً للقوة من خلال الشروط التي أرسلت لها لإعادة العلاقات إلى الوضع السابق.
وأما الشقيقة مصر فهي مستفيدة من الضغط على قطر الإخوانية وجمع الأموال والهِبات من دول الخليج باعتبار ظروفها الاقتصادية صعبة ومعقدة وهي ضمنياً تعتبر معركة الدولة السورية في وجه التطرف الإسلامي هي جزء من استراتيجيتها في مواجهته خصوصاً أنها تدفع ثمن إجرام هذه التنظيمات يومياً.
أما بالنسبة إلى الحليف الروسي فهو في حالة تأهّب واستعداد مستمرّ وقد وجه إنذاراً صريحاً للأميركي وأعلن وقف التنسيق في الأجواء السورية وأنه سوف يسقط أيّ طائرة تحلق فوق مناطق وجود قواته، وهو ماضٍ في تثبيت الثنائية القطبية والاعتراف به كقوة لا يمكن تجاهلها على مستوى العالم.
أما إيران فهي تدرك أنّ الولايات المتحدة تريد دفع السعودية للمواجهة معها خصوصاً ومع محور المقاومة عموماً لحماية مصالح الكيان الصهيوني، لكن حقيقة الأمر فإنّ إيران قوة إقليمية لا يستطيع أحد التطاول عليها، والسعودية أضعف من التفكير بذلك، وصواريخ أرض – أرض الإيرانية متوسطة المدى التي أطلقت من قواعد في محافظات كرمانشاه وكردستان غرب إيران لتدك مواقع الإرهابيين التكفيريين في دير الزور ما هي إلا رسائل كافية لآل سعود وأميركا والكيان الصهيوني، أنّ إيران مستعدة لتجاوز كلّ الخطوط الحمر في أيّ مواجهة مقبلة.
ويبقى السؤال بعد كلّ هذه المعطيات: هل إسقاط السوخوي السورية سوف يكون بوابة التفاوض الدبلوماسي والإنسحاب الهادئ للأميركي كما فعل التركي بعد إسقاط السوخوي الروسية؟ خاصة بعد أن عجز العدو عن وقف تقدّم الجيش السوري والوصول إلى الأخوة على الجانب العراقي وتغيُّر الحسابات في المنطقة الشرقية.
نعم إنه الربع الساعة الأخير من الحرب على سورية، وحضور القائد الأسد إلى كفرسوسة وترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء وزيارته إلى حماة لأداء صلاة العيد فيها وتفقده الجرحى وزيارته قاعدة «حميميم» وما أدلى به من أحاديث عبر وسائل الإعلام كلها رسائل داخلية وخارجية ومؤشرات على اقتراب النصر وهزيمة المشروع الخليجي الصهيوني الغربي على أيادي بواسل الجيش السوري وحلفاء سورية المخلصين حقاً لقد انتصر الأسد.
عضو مجلس الشعب السوري