قوّة مصر.. بالتنسيق مع دمشق وبغداد
هاني الحلبي
منذ أيام وقّع الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي اتفاقية ما سُمّي «نقل السيّادة» على جزيرتي تيران وصنافير للمملكة السعودية، ما حوّل ممر تيران البحري ممراً دولياً، بين أربع دول مجاورة ثلاث عربية والرابعة هي دولة الاحتلال قيد الزوال «إسرائيل»، التي أعلنت في اليوم التالي فوراً، شروعها بشق قناة بن غوريون بين البحر المتوسط والبحر الأحمر بموازاة قناة السويس، وبمزايا أفضلية مطلقة عليها، حيث ستصبح أخطر شريان يجمع البحار والقارات ويستقطب الحروب حوله.
وحسب تقارير «إسرائيلية» أكدت فروغ دولة العدو من التخطيط لإنشاء القناة الجديدة المزمع شقها. وأوضح مهندسون «إسرائيليون» أن بشق قناة بن غوريون، مؤسس دولة العدو وأول رئيس وزرائها، تحقق «إسرائيل» تفوّقاً استراتيجياً واقتصادياً دولياً على جيرانها، ومن مزايا هذا التفوق:
ستكونا القناة منافسة بقوة لقناة السويس، بسبب أنهما تربطان بين البحرين نفسيهما ولا تفصل بينهما سوى مئات معدودة من الكيلومترات، فأيّ زبون سيمرّ بالقناة الجديدة ستخسره قناة السويس ويكون على حساب الدخل الوطني المصري منها.
المسافة بين مدينة إيلات والبحر المتوسط قريبة من المسافة التي تشكل طول قناة السويس بين البحرين، بل ستقوم «إسرائيل» بخفض طولها عن طول قناة السويس، حسب ما ذكرت صحيفة «القدس العربي».
سيكون أسلوب المرور في قناة بن غوريون وفق خطين، أحدهما للذهاب وآخر مجاور له للاياب، بينما في قناة السويس يتم فتح القناة في يوم واحد لخط مرور واحد، ما يعني أن السفن التي تعاكس خط السير في هذا اليوم عليها الانتظار لتفتح القناة في الاتجاه الآخر في اليوم التالي. وهكذا يتم توفير وقت طويل مهم جداً لجدوى الرحلات البحرية والشحن الدولي. وبالتالي سيتم حفر قناتين مستقلتين متجاورتين، واحدة من البحر الأحمر إلى المتوسط، والثانية من المتوسط إلى البحر الأحمر، فلا تتأخر أية سفينة بانتظار دورها، في حين تستغرق السفن لتجتاز قناة السويس أسبوعين كاملين.
تقدّم القناة لـ«إسرائيل» فرص بناء مدن سياحية مجاورة للقناة ومحطاتها، لتنقلها إلى مرتبة سياحية واقتصادية غير محدودة.
سيكون عمق القناة 50 متراً، بزيادة 10 أمتار عن قناة السويس، ما يسمح لأكبر قياس السفن في العالم حالياً بالعبور فيها. هكذا يمكن عبور سفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار.
مدة الشق والبناء ستكون 3 سنوات فقط، كما هو مخطّط، وسيُشغل المشروع 150 ألف عامل، من دول صديقة لكيان العدو، تعزز بتشغيلهم قيمتها السوقية الدولية واستقطابها التنافسي.
كلفة حفر القناة متوقع أن تكون حوالي 14 ملياراً، لن تتكلف منها الخزينة «الإسرائيلية» ولا دافع الضرائب «الإسرائيلي» شيكلاً واحداً، بمعنى لن تصيب موازنة الدولة بأيّ عبء، لأنّ 3 مصارف أميركية ستتولى تمويل الكلفة بفائدة 1 في المئة على أن تردَّ القروض خلال 30 سنة.
متوقع أن يبلغ مدخول قناة بن غوريون 4 مليارات دولار وما فوق في السنة، فضلاً عن فرص العمل والخدمات والتطوير العقاري واستصلاح أراضٍ محتلة شبه صحراوية وغيرها.. التي ستنشأ من تثوير الدورة الاقتصادية في الكيان الصهيوني.
كما ستسعى «إسرائيل» إلى إقناع الأردن بجرِّ مياه من هذه القناة إلى البحر الميت، فإذا وافق الأردن فانّ أنابيب ضخمة ستصبُّ من قناة بن غوريون إلى البحر الميت، مقابل تسهيلات تقدّم للأردن لإقامة فنادق ومنتجعات أردنية على البحر الميت. ما يزيد من تورّط الأردن بالتعاون مع كيان العدو ولا يرى سواه منقذاً من محنته المالية.
سيتمّ تأمين أمن القناة بأحدث تقنيات الرصد والتجسّس والمراقبة، بوضع أجهزة تجسّس وأجهزة مراقبة في العمق، ومعدات تصوير وكشف لتعرية حمولات السفن العابرة بأشعة الليزر ذهاباً أو إياباً.
رأت مصر أن إذا نفذت «إسرائيل» مشروع قناة بن غوريون فسيصيب خفض مدخولها من 8 مليارات إلى 4 مليارات دولار، بينما ستنال «إسرائيل» مدخول 4 مليارات وأكثر، من دون أن تتحمّل أيّ كلفة من دخلها العام.
اعترضت الدولة المصرية على المشروع «الإسرائيلي»، وهدّدت بقطع العلاقة معها وإلغاء أيّ اتفاقية تربط بين الدولتين. لكن «إسرائيل»، لم تكترث للموقف المصري وكأنه بلا وزن وبلا قدرة، فالعلاقات الدبلوماسية شبه مقطوعة، والتهديد العسكري مضبوط، بعد مصادرة قرار مصر منذ بضعة عقود، حتى تلاشى تأثيرها وغدت مجرد تابع صغير للقاطرة السعودية. وبخاصة بعد توجيه الجهد العسكري المصري نحو ليبيا وآفاقه مفتوحة على المزيد من التورّط والغرق في رمالها.
أين مصر الآن؟
ببساطة هذه عاقبة الخيارات الاستسلامية وتعطيل قوى المجتمع الفاعلة بنظام الحسبة والمزرعة والحراسات وحزب السلطة الواحد، الذي كانت تتغيّر تسميته بين شهر وآخر، ولم يتمكّن حزب السلطة في أفضل حالاته من مواجهة استحقاقات المشاركة الشعبية بأكثر من وزن كاريزما رئيس تاريخي كجمال عبد الناصر، لكن هذه الكاريزما لم تتمأسس في حركة قومية فاعلة.
مصر التي تنازلت عن محيطها ورهنت انتماءها ومصالحها بوعود مصارف أجنبية، أولها صندوق النقد الدولي، وبمنح سعودية وهبات ميسّرة وإيداعات مؤقتة كانت تعالج سرطانها القاتل بحبوب بنسلين!
لا علاج كافياً قبل الانهيار التام إلا بإعادة تقييم واقع مصر وعلاقتها الجبهوية مع دمشق وبغداد.
دمشق وبغداد كانتا مهدّدتين أيضاً، كالقاهرة وأكثر، سلّتا سيوفهما وقدّمتا أعز أبطالهما قرابين انتصار، فكان طوعَها. وبلقاء جيشيهما عناق أمة تقوم.
قوة مصر أن تكون عزوة لهذه الأمة في قيامتها، وقوة احتياط استراتيجي لتكون هذه الأمة حليفاً يوم تُستهدف مصر ويتم تعطيش شعبها واستنزاف اقتصادها.
لا حلّ، قبل خطة استراتيجية ينكبّ بها السوريون والمصريون على تحرير فلسطين، كلّ فلسطين.
باحث وناشر موقع حرمون haramoon.com
وموقع السوقAlssouk.net