يكسرونها ويجبرونها مع حزب الله
روزانا رمّال
وكأن حزب الله كان على قناعة كبيرة لحظة الاتفاق مع الأفرقاء اللبنانيين على تركيبة العهد الجديد، خصوصاً رئيس الحكومة سعد الحريري ومنذ لحظة تسميته بالإجماع تقريباً رئيساً للوزراء، أن إطلاق صيغة تتناسب مع الوضع الجديد الذي يحيط حلفاء السعودية إقليمياً، أي خصوم الحزب، هو أكثر من ضروري كي تقوم قائمة البلاد بعد الفراغ السياسي.
فكان أن خرج أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله ليقول ما خلاصته «إننا على اتفاق أننا على خلاف بالمسائل الإقليمية»، مع بعض الأفرقاء بالوطن، وأبرزهم تيار المستقبل الذي تغطّى بهذه المظلة أو «المَخرج». فحزب الله لم يرد تحويل هذا الخلاف قطيعة كما حوّله الفريق الآخر لحظة كان في نشوة انتصار ما بعد اغتيال الحريري وانسحاب الجيش السوري.
بدا حزب الله اليوم كمن يكرّر نموذج ما قدّمه في ذروة انتصاراته تحرير عام 2000 وحرب تموز 2006 لجهة تقاسمه النصر مع الجميع، إضافة لتجاهله لمن تعاملوا ضده سراً وعلانية من دون ضربة كفّ واحدة، معيداً المشهد اليوم بلحظة تقدّم المحور الذي ينتمي إليه سياسياً واستراتيجياً من سورية حتى العراق.
يعرف الرئيس سعد الحريري أنه من دون طرح حزب الله لهذه الصيغة – الاتفاق على الاختلاف في المسائل الخارجية – لكان «الطلاق» قد وقع وأن الحزب تصرّف منذ لحظة انتخاب العماد عون مرشحه الوحيد لرئاسة الجمهورية اللبنانية من منطلق المنتصر الذي «لا يريد» تكسير أجنحة الآخرين، فعزم على «الاحتضان» رغم تخلي دول خليجية وغربية عن حلفائها في لبنان مالياً وسياسياً، نظراً لانشغالها بملفات أهم تمسها بمصيرها كالمملكة العربية السعودية وقطر والولايات المتحدة الأميركية من خلف الكل، فما كان إلا وأعاد حزب الله إحياء مبدأ التقارب لبناء روحية حكم جديدة في البلاد في مقدمته رئيس قوي للبلاد، كما «طمح» حزب الله وحلفائه معاً.
المفارقة اليوم أن كل الأطراف التي عاشت وتعيش لحظات إهمال الدول الخليجية لوجودها في بيروت كحليف أو امتداد وكمؤسسات إعلامية وأفراد وشخصيات سياسية وكل الذين احتضنتهم قوى محلية بتحالفات حمت بقاءهم في المعادلة السياسية كملاذ أخير، يتصرّفون وكأنّهم وجدوا ضالتهم في الأزمة الخليجية الخليجية علّها تكون منصة إطلاق مواقف لعودة الدعم المالي قبل الانتخابات النيابية وإعادة الحضن، حيث تعاني تلك الجهات من مصاعب كبيرة بعد إزاحة العين الخليجية عنهم.
اللافت أيضاً أن جهات نافذة مثل تيار المستقبل بشخص الحريري والقوات اللبنانية بشخص «جعجع» تريد تارة التصويب على حزب الله من بوابة الأزمة القطرية، لئلا تطلق موقفاً حاداً تجاه قطر، فتخسر قطر «كمموّل» مستقبلي وتارة لا تريد الإطاحة بصيغة التوافق التي تحيط بالبلاد، وبهذا الإطار تؤكد مصادر متابعة لـ»البناء» للحرب الكلامية التي تحتل الشاشات ضد كلام نصرالله الأخير أنها كلها لا تخفي الموقف «المكبل» التي وضعت هذه القوى نفسها فيه. فهي من جهة تحتاج العلاقة الجيدة مع حزب الله من أجل مرحلة «ما بعد الانتخابات» النيابية. والمقصود هنا الرئيس الحريري الذي يحتاج إلى إعادة تسميته رئيساً للحكومة من جديد، ومن جهة أخرى ترغب في أن تكون الأزمة الخليجية فرصة لإعادة الثقة بها وفرصة لعودة إغداق الأموال على أكثر من فريق لبناني ليس فقط تيار المستقبل. وهنا تبرز مكامن ضعف الخيار المقابل لحزب الله الذي وقع في «ازدواجية» غير مقصودة، خصوصاً أنه لا يستطيع تحويل الموقف «قطيعة» معه أو الخروج من الحكومة وإفشالها وهي حكومة اسم الحريري، وهي اعتراف في الوقت نفسه بقوة حزب الله في اللعبة السياسية اليوم، مهما علا صوت الحملات المناهضة التي لا تستهدفه فعلياً طالما هو «شريك المعادلة»، بل توضع ضمن تقديم اعتمادات للخارج فقط.
من الواضح أن خصوم حزب الله الذي ركّزوا اليوم على استهدافه ضن العقوبات على قطر على أساس أنه من ضمن المسألة الخلافية بين القطريين والسعوديين اضطروا الى اللجوء لسياسة «الكسر والجبر» مع الحزب. فلا شيء واضح المعالم بالنسبة إليهم حتى الساعة ولا شيء أيضاً يدلّ على أن النفوذ السعودي في لبنان سيعود، كما كان ويوفر أحادية موقف أو قطيعة ممكنة بحال طلبت الرياض من حلفائها ذلك مع حزب الله، كما جرى سابقاً ليصبح السؤال، في ما لو لم يكن قد طرح نصرالله صيغة «الاتفاق على الاختلاف» هذه في مثل هذه الظروف.
وحده النائب وليد جنبلاط ولأول مرة يبدو كالمتحرّر من عقد التلوّن أو التقلّب المتّهم بها من قبل خصومه، حيث كشف زعيم المختارة من موسكو، أن أولويته لا تزال «السعودية» وأنه يعول على سياستها الحكيمة مع النصح لقطر بالخضوع لتلك الحكمة، أما جعجع الذي استفاد مالياً من هبات الدولة القطرية بمرحلة من المراحل والذي دعمته أكثر من مرة بمواقفه السياسية وأخصها عشية إعلانه تحالفه مع العماد عون وترشيحه للرئاسة، حيث كان لوزير خارجية قطر حينها موقف لافت وسريع في تلك الليلة هنأ فيه جعجع على قراره «الحكيم»، واقع بين مرارة «الوفاء» ومرارة «رمادية» المستقبل.
ازدواجية تموضعات الأفرقاء في العلاقة مع حزب الله هي إعلان صريح منهم على تفوّق حضوره السياسي في هذه المرحلة.