معالي الوزير… النازحون قبل سورية لا يثقون بكم
ناصر قنديل
– رغم الخيبات كلّها التي أصابت رهاناتهم لا يزال وزراء تيار المستقبل يتنمّرون عندما يتناولون المسألة السورية، خصوصاً ما يتصل بالمصلحة اللبنانية الصرفة لضمان التنسيق بين الجيش اللبناني، والجيش الواقف قبالته عبر الحدود لتسريع عمليات التنظيف وضمان أمنها وسلاستها. وهذا ليس موضوعاً يتصل بدرجة الشوق والثقة والغرام، بل بتقدير العقل البارد للمسؤول لمصلحة بلده العليا، وعدم رهنها لسياساته الصغيرة وحسابات فريقه وارتباطاته الخارجية ومحاورها الإقليمية أما في ملف النازحين فيمارس وزراء تيار المستقبل المعنيون بملف النازحين، سواء الوزير الذي أنيط به الملف، ووزير الداخلية المعني حكماً به، سياسة ولغة فيهما تعمية على القضية وتهويل يستند للغموض، بحيث يصير منطق الحكومة إذا اعتبرنا مواقفهما تمثيلاً للسياسة الحكومية، لا لعودة النازحين.
– المطروح يا صاحبَيْ المعالي عودة نازحين وليس ترحيلهم، والترحيل تنطبق عليه ملاحظاتكم، عندما تتحدّثون بلغة الحرص على أمن النازحين وتبالغون بالتنمّر عن عدم الثقة بالدولة السورية، فهل نتحدّث هنا عن تجميع النازحين وتحميلهم كأثاث منزلي إلى الحدود وتسليمهم بالجملة للدولة السورية للتصرّف بهم؟ هل يخطر في بال أحد هذا المشهد حتى يكون الجواب «نريد معرفة المناطق الآمنة»، و«لا نثق بالدولة السورية في تحديدها ولا بأمن النازحين بعد عودتهم في ظلها»؟ أليس هذا تصويراً هوليودياً للقضية، وأنتم تعلمون أنّ المطروح هو عودة طوعية، رضائية، للنازح نفسه، يختار بكامل مسؤوليته وثقته هو، أنه عائد إلى بلده، وفي ظلّ دولته. وعندما يبقى مَن لا يثقون، وستبقى جماعاتكم وأصدقاؤكم وأحبابكم، لا أحد يقول أن تسلموهم للدولة السورية قبل أن تثقوا بإلى أين يذهبون، أما سواهم فما شأنكم بخيارهم الطوعي الشخصي بالعودة لبلدهم؟
– أما لماذا هذه مسألة تحتاج تدخل الدولة؟ ستقولون مَن يمنعهم فليذهب الراغبون؟ والجواب تعلمونه أنّ القضية قانونية ولوجستية، فالنازحون في أغلبهم جاؤوا بصورة غير قانونية، ويحتاج إدخالهم إلى سورية لوائح إسمية موزعة على مناطق العودة كمحافظات ونواحٍ، جرت تسوية أوضاعها القانونية لدى دولتها التي يثقون بها، ولا يهمّهم ثقتكم من عدمها، ولا يريدون منكم إلا تولي صفة المراسل الذي يفتح الملف ويعلن الدعوة لتسجيل أسماء الراغبين بالعودة، وتحديد مناطقهم وأوضاعهم وسجلاتهم وملفات مشاكلهم، ويقوم بصورة دورية بالتنسيق مع الدولة السورية، لتبادل اللوائح الجديدة للراغبين باللوائح المدققة للذين تمّت تسوية أوضاعهم، فيأتي الترتيب اللوجستي بأن تعلن الدولة اللبنانية مواعيد القوافل العائدة وأماكن تجمّعاتها وشروط الانضمام إليها، وتكون قد نسّقت الأمر مع الدولة السورية، وإذا أحببتم الشراكات الأممية فلا اعتراض عليها طالما تعزّز ثقتكم، ولو أنّ النازحين لا يثقون بها ويعتبرونها سارقة للمساعدات ومتاجرة بقضيتهم.
– أنتم تتاجرون بقضية النازحين أيضاً سياسياً، تريدونهم سبباً للتسوّل الخارجي والمكرمات الملكية، وتتجاهلون الإجابة عن سؤال لو كان النازحون يثقون بكم وتياركم أول مَن طبّل وزمّر للنزوح، ورفض الاعتراف بوجود الإرهاب أصلاً، في عرسال وغير عرسال: لماذا ذهبوا ينتخبون الرئيس بشار الأسد بصورة طوفان شعبي أذهلتكم وأخرجتكم مع حلفائكم عن طبعكم، فخرج بعضكم يقول، ما دام النازحون مع النظام فليرجعوا إلى سورية، حسناً هم يريدون العودة إلى سورية في أغلبهم، فسهّلوا لهم ذلك، ولا يطلب منكم أحد ثقة بالدولة السورية التي لا تثق بكم لا هي ولا شعبها، فمارسوا مسؤولياتكم الحكومية ولا ترهنوها لحسابات أضيق من مصلحة لبنان، وأنتم تعلمون ما يسبّبه ضيق الحال من توتر بالعلاقات بين النازحين واللبنانيين، وكيف ينتج شرخاً سيصعب ردمه إنْ استمرّ واستمرّت قضية النزوح، أم أنكم تريدون منع المواطنين السوريين الطيبين الراغبين بالعودة بتعقيد شروط هذه العودة، كي لا يبقى الذين احتضنتموهم للاعتبارات السياسية بلا غطاء شعبي، ولا يبقى المتجاوزون للقانون من شركاء المال والتجارة لبعض المسؤولين بلا غطاء قضية النزوح وتطبق عليه القوانين، فتتعطّل تجارة العقارات في سوليدير والحمرا وغيرهما؟
– يا معالي الوزير سواء أكنت وزيراً للداخلية أم لشؤون النازحين، كفى لعب سياسة بملف مصيري في حياة لبنان، الصورة واضحة وبسيطة، شكّلوا لجنة وزارية، تبدأ بترتيب الأصول القانونية لملف العودة وأشركوا الأمم المتحدة، وإنْ رغبتم وتنازلتم أجيبونا عن سؤال لماذا لا تنضمّون إلى أستانة ولقاءاتها، كدولة جوار لسورية لديها جبهة قتال وقضية نزوح، تشبهان ما لدى الأردن وهو من معسكركم نفسه ويشارك، وواشنطن أيضاً مشاركة، وبالمناسبة قضية المناطق الآمنة من أولى القضايا في اهتمامات استانة؟