ربحت قطر على السعودية … وهُزمت تركيا أمام سورية

ناصر قنديل

– حدثان كبيران متزامنان عشية التحضيرات المتسارعة لقمة العشرين في هامبورغ، المذيّلة بغياب الملك السعودي تفادياً لإحراجات غربية بالأزمة القطرية، وبقمة روسية أميركية هي الأولى بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب. والحدثان تمرينان استراتيجيان في لعبة التجاذبات وشدّ الحبال بين بوتين وترامب وإنْ اتخذا صفاتهما الخاصة. فمن جهة تشكل الأزمة القطرية السعودية مسرحاً مناسباً، ومن جهة مقابلة تشكل منصة أستانة مسرحاً موازياً، ليصير الحدثان ساحة للرسائل التحضيرية لقمة هامبورغ بين اللاعبين الأهمّ في العالم.

– تقف روسيا في الأزمة القطرية السعودية وراء قطر، بحرب ناعمة لإفشال الخطط التي طبخها ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن من دون أن تقول شيئاً، فقطر أكبر مستثمر خليجي في روسيا، التي باعها السعوديون أقوالاً لم تترجم إلى أفعال، وبالمناسبة تبلغ استثمارات قطر في روسيا مليارين ونصف مليار دولار مقابل ستمئة مليون دولار للسعودية، وفقاً لبحث نشره الخبيران الروسيان نيقولاي كوجانوف وليونيد إيسايف في مقال مشترك نشرته صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» قبل أيام، وقطر هي المنتج الشريك في سوق الغاز العالمية لروسيا وإيران، كثلاثي يحتلّ السوق العالمية للغاز التي تشكّل مصدر اهتمام أميركي خاص في عهد الرئيس ترامب، ويعتبرها أركانه بوابة الهيمنة الروسية على أوروبا وكانوا ينظرون لقطر كورقة رابحة في هذه الحرب، كما كانت خطط تعاون تركي قطري ألماني برعاية أميركية لإيصال الغاز القطري إلى أوروبا عبر سورية أحد أسباب الحرب السورية. وقطر هي شريك إنتاجي لإيران في أهمّ حقل غاز في المياه الإقليمية المشتركة، وإيران حليفة روسيا في الغاز والسياسة والحرب السورية.

– في المقابل أستانة منصة روسية بامتياز، وتستطيع موسكو في ظلّ الخلاف التركي الأميركي الذهاب لتقديم إغراءات لتركيا لجذبها بعيداً عن واشنطن، ومنحها دوراً بديلاً منها في رعاية نصف حلّ في سورية، يمكن أن يخصّ الشمال، وينتهي بنهاية جبهة النصرة هناك وتدجين الجماعات المسلحة، مقابل كسر الحالة الكردية التي تتبنّاها واشنطن. لكن موسكو التي اختبرت العلاقة بالأتراك، وتعرف حجم انعكاس الأزمة القطرية السعودية عليهم، وحاجتهم لغطاء روسي إيراني لحماية قطر من السقوط، لن يمنحوا أنقرة مجموعة جوائز دفعة واحدة ويكسروا الجرّة مع الأميركيين عشية انعقاد القمة، بل يبقون الباب مفتوحاً لتفاهمات مع واشنطن، لها الأولوية على خوض تجارب العصا والجزرة مع أنقرة، والحفاظ على علاقة مسك العصا من الوسط مع الأكراد، من دون كسر ولا جبر.

– تبنّى الروس الأجوبة القطرية على المطالب السعودية، وتبنّوا الأجوبة السورية على الطروحات التركية، فتجمّدت أزمة قطر السعودية رغم نيات التصعيد السعودي، وغابت القرارات الحاسمة عن اجتماع القاهرة، وتجمّد مسار أستانة وغابت الخرائط المُنجزة وآليات الرقابة التي بشّر بها قبل اللقاء وجرى تأجيلها إلى الشهر المقبل، والرسالة الروسية واضحة، الباب مفتوح لتسويات بدليل بقاء المسار السوري متاحاً للتفاهمات، وتغيير التوازنات في الإقليم ممنوع بدليل منع التهام السعودية لقطر، فجرى صدّ واشنطن عن قطر من دون إغضابها في قواعد الحرب على داعش وتبنّيها للأكراد على حساب الأتراك، الذين لم يمنحوا الضوء الأخضر لعمليتهم شمال غرب حلب باسم قوات مراقبة، ليلتهموا المربع الكردي هناك، لكن كما جرى صدّ تركيا في سورية، لم يتمّ إغضابها، بل تمّ منحها جائزة ترضية كبرى ومجزية بتوفير الحماية لقطر.

– في أستانة كان الموقف السوري أساس مواقف الحلفاء وفي مقدّمتهم موسكو، وعنوانه عدم قبول شرعنة الاحتلال التركي في سورية، لأنّ كلّ تواجد عسكري من دون تفاهم مع الحكومة السورية هو احتلال. والقبول بدور الرقابة للأتراك وهم يحتلون أرضاً سورية يعني شرعنة الاحتلال، ولذلك يجب على تركيا معالجة علاقتها بسورية ليتسنّى لها التقدّم بدور عسكري يحظى بشرعية، وأول المطلوب إقفال الحدود وإخضاعها للرقابة، ووقف التسليح والتمويل للجماعات المسلحة، والتفاهم على سقف الدور في شمال سورية أمنياً وعسكرياً، بصفته مؤقتاً، لإنهاء مشاريع تفتيت الجغرافيا السورية، واعتبار انتشار الجيش السوري على كامل التراب الوطني السوري حتى الحدود التركية، وحده يضمن أمن تركيا من خصوصية كردية، ويؤكد تصحيح مسار دورها في سورية بالتخلي عن الأطماع ونيات اقتطاع جزء من الجغرافيا تحت عنوان حزام أمني على الطريقة «الإسرائيلية»، بينما يجري التعاون عبر مسار أستانة لإدماج الجماعات المسلحة في حلّ سياسي ينتهي بانتخابات، وهذا الموقف الذي قالته سورية وتبنّته موسكو، حال دون السير بالطرح التركي على مائدة أستانة.

– في الأزمة القطرية، نسّقت قطر أجوبتها مع موسكو وطهران وحازت دعمهما، ومعهما تغطية أوروبية عالية نسبياً، فالأجوبة قامت على توزيع المطالب إلى ملفات وفئات. فئة تتصل بتمويل الإرهاب، الذي يفترض أنه طلب الرئيس ترامب، وردّ الدوحة يطلب قراراً في مجلس التعاون الخليجي، بطلب مراقبين من وزارة المال الأميركية في المصارف المركزية لدول المجلس للتحقق من طبيعة التحويلات، والتدقيق بالمستفيدين منها. والفئة الثانية تتصل بالعلاقة بإيران، والجواب القطري يقوم على الدعوة لقرار موحّد في مجلس التعاون بصدد العلاقة مع إيران تلتزمه الكويت وعُمان مع قطر. والملف الثالث هو ملف الإخوان المسلمين والجواب القطري باعتماد تصنيف الإخوان تنظيماً إرهابياً من مجلس الأمن كشرط لمعاملته على هذا الأساس، أما الملف الرابع فهو القاعدة العسكرية التركية، فالردّ القطري يقول بإخضاع القواعد العسكرية الأجنبية في دول المجلس لإمرة قيادة درع الجزيرة الذي يشكّل قوات الخليج الموحّدة، أما في ملف قناة «الجزيرة» فقد وافقت قطر على اعتبار وجود تجاوزات تصيب بالأذى بعض الدول الخليجية ومصر وتعهّدت بوضع ضوابط مقترحة للحلّ توقيع اتفاق تعاون مع «بي بي سي» من قبل كلّ من قناتي «العربية» و«الجزيرة» لتأمين فريق رقابة مهني مقيم في القناتين بالتوازي، وفقاً لقواعد الأخلاقيات الإعلامية التي تعتمدها «بي بي سي» والتي تعتبر أفضل المستويات المهنية في الجمع بين الحرية الإعلامية والمسؤولية الأخلاقية والأدبية.

– لم يتحمّل الأتراك الطلب السوري، لكنهم لا يملكون حججاً تصدّ منطقه المتماسك، ولا ميزان قوى يتيح إدارة الظهر له، في ظلّ دعم إيراني روسي له. ولم يتحمّل السعوديون الردّ القطري، لكنهم لم يستطيعوا إدارة الظهر له، لتماسكه المنطقي من جهة ولغياب ميزان قوى يسمح بالذهاب لقلب الطاولة، في ظلّ دعم روسي إيراني وتفهّم أوروبي، وإحراج أميركي، فكسب بوتين الفوز بالتمرين الاستراتيجي عشية قمته الأولى مع ترامب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى