هل سينجح الابتزاز التركي لروسيا؟
د. هدى رزق
قال نائب رئيس الوزراء التركي كورتولموش إن الاستعدادات العسكرية التركية في شمال غرب سورية هي إجراءات مشروعة ضد تهديد وحدات حماية الشعب الكردية السورية في منطقة عفرين، وإن تركيا ستردّ على أي تحرّك معادٍ. وقال إن الجيش التركي رد بالنيران على وحدات حماية الشعب قرب عفرين مرات عدة في الأسابيع الماضية، بعد تهديدهم لتركيا. وهو نهج لا غنى عنه لحماية أمن الحدود التركية». وهذا «ليس إعلان حرب بل استعدادات ضد التهديدات المحتملة». وحذر وحدات حماية الشعب من محاولة إخراج السكان العرب أو التركمان من بلدة تل رفعت القريبة من عفرين وتحت سيطرة وحدات حماية الشعب. وقال: إن غالبية تل رفعت عربية وتركمانية، وإن التطهير العرقي، لن يفيد سورية
منذ الأسبوع الماضي، والجيش التركي يجمع القوات في مثلث كيليس في تركيا، وجرابلس والباب – الراي في سورية، بدأ بقصف أهداف وحدات حماية الشعب في جنوب غرب اعزاز وشمال تل رفعت. ردت وحدات حماية الشعب بقصف أخف على أهداف الجيش السوري الحر في المثلث.
وكانت وحدات حماية الشعب قد صرّحت في نهاية شهر حزيران أنها تعتزم أن تأخذ من تركيا المنطقة الواقعة بين اعزاز وجرابلس.
لا شك في أن الهدف الأساسي لأنقرة في شمال سورية هو وحدات حماية الشعب. وهي تريد منع إنشاء ممر لحزب العمال الكردستاني من جبال قنديل إلى كانتون عفرين في الغرب عبر شينغال وكانتونات الجزيرة وكوباني.
لم تتمكن من إقناع الولايات المتحدة بوقف التعاون مع وحدات حماية الشعب شرق نهر الفرات، فحوّلت انتباهها إلى غرب نهر الفرات. وهي ترى أن التعامل مع موسكو أفضل في غرب الفرات لان أنقرة وموسكو تحتاجان بعضهما البعض. فأنقرة ترى أن موسكو تحتاج اليها في معركتها المقبلة في إدلب وهي «مركز أساسي للمعارضة السورية المسلحة في سورية. حيث توجد الجماعات المسلحة السلفية الجهادية التي تعتبر إرهابية مثل أحرار الشام، المتحالفة مع جبهة فتح الشام، النصرة سابقاً. كذلك هناك جماعات مسلحة جهادية تتنازعها العلاقة بين المتطرفين والمعتدلين، أما المعارضة المسلحة السنية التي تحاول تركيا تأطيرها في الجيش السوري الحر، وهو يقود معارك في ظل الجيش التركي وقدّم دعماً ميدانياً لتركيا خلال عملية درع الفرات، هو يعتبر موالياً لها.
ولأن كلاً من روسيا والجيش السوري وحلفاءهما يستعدّون للهجوم على ادلب. فهم بحاجة إلى أنقرة كوسيط موثوق في العلاقة مع الجماعات في إدلب من أجل فرزها، بين معتدلين ومتطرفين، وسيتعيّن عندئذ على المعتدلين مغادرة إدلب وعلى أنقرة السعي الى خفض التصعيد. أما مَن لا يغادر إدلب فسيعتبر إرهابياً وجب قتاله. من أجل تحقيق هذا الأمر تعتقد أنقرة أنه سيترتّب عن هذا الإجراء إيجاد مكان أوسع من أجل نزوح المعتدلين وأسرهم من مثلث جرابلس، الباب، الراي. وبما أن موسكو تعتمد أسلوباً استيعابياً مع أنقرة وتحاول التوفيق بين مخاوف أنقرة ومتطلباتها الميدانية في هذا المجال، ترى أنقرة أن المنطقة الوحيدة الممكنة للجوء هؤلاء النازحين هي مثلث جرابلس، الباب، الراي الذي تسيطر عليه تركيا، وهي ترى أنه يجب توسيعه قبل الهجوم المتوقع، ولن يكون ذلك ممكناً من الناحية العسكرية جنوباً أو جنوب الباب أو منبج في الشرق، بالنتيجة المنطقة الوحيدة المتاحة بالنسبة لها هي تل رفعت في كانتون عفرين التي تسيطر عليه وحدات حماية الشعب.
هذا يعني أنه في مقابل مساعدة أنقرة في إدلب، يجب على موسكو أن توافق على أن تتوسع أنقرة، في قسم من عفرين إلى كيليس واعزاز باتجاه الجنوب الغربي، للوصول إلى تل رفعت.
إذاً العملية التركية غرب نهر الفرات، ستكون واحدة من خط كيليس اعزاز باتجاه الجنوب والآخر من مارع في الشرق نحو الغرب، للوصول إلى الإحكام على تل رفعت. وسيقدّم الجيش الحر معظم القوات البرية، والدعم العسكري.
هل ستسمح روسيا لتركيا بالتوسّع؟ هذا وقف على سماحها للقوة الجوية التركية بقصف أهداف وحدات حماية الشعب في كانتون عفرين.
لكن هل ستتمكّن تركيا من السيطرة على المجموعات المسلحة جميعها، وهل ستتمكّن من إقامة توازن للسلطة وتجعل المنطقة منخفضة التصعيد، قبل محاولة القوات السورية وحلفائها الزحف نحو إدلب. ليس من الصعب الاستنتاج أن أنقرة، ستُبذل قصارى جهدها لضمان أن تتبنى جماعات مسلحة منتصف الطريق مثل أحرار الشام قواعد خفض التصعيد، مقابل تنازلات من موسكو في عفرين.
تقوم تركيا إذاً بابتزاز موسكو والقوات السورية في هذا الموضوع، لأن مصير إدلب سيؤثر على مصير الشبكات السلفية الجهادية المتطرفة في سورية، وقالت تركيا إنها تستطيع إرسال 300 إلى 500 جندي إلى منطقة ادلب. المشكلة في العلاقة مع تركيا أنها تتناقض في طروحاتها فهي تدّعي الحفاظ على وحدة أراضي سورية وتريد قتال وحدات الحماية الكردية، ومنعها من توحيد الكانتونات وفي الوقت عينه تحاول توسيع حكمها في الأراضي السورية من مثلث جرابلس، الباب، الراي. وما الذي يمنع بأن تقوم بتنظيم وجودها بعد دخولها إدلب من أجل فرز المسلحين، كما تفعل في المناطق التي سيطرت عليها بعد ضرب داعش. لا شك في أن لتركيا طموحات في سورية وهي ترى أنه لا بد لها من مناطق نفوذ داخل هذا البلد.
لذلك يكتسب القرار الذي اتخذ خلال المفاوضات في أستانة، كازاخستان، نشر قوات من قيرغيزستان وكازاخستان في بعض مناطق التصعيد في سورية أهمية، ففي إدلب جماعات سلفية جهادية من هذه البلدان ومنهم الايغور من الصين والعديد من المتطرفين من آسيا الوسطى الذين استجلبوا الى سورية عن طريق تركيا، وهم يشكلون في الوقت الراهن تهديدات لبلدانهم ومن مصلحة هذه البلدان القضاء عليهم.