التفاهم الروسي الأميركي يطغى على جنيف: وفد واحد للمعارضة واستعداد لانضمام الأكراد الجرود تنتظر المعركة… والحريري لدعم غير مشروط للجيش… بدلاً من تهديدات عقاب صقر
كتب المحرّر السياسي
الحدثان مترابطان عملياً ولو بدا كل منهما منفصلاً في سياقه عن الآخر، هما تحرير الموصل والتفاهم الروسي الأميركي، بدءاً من جنوب سورية. فتحرير الموصل أعلن نهاية المرحلة التي أسس لها الأميركيون بديلاً عن الفشل في الانتصار على محور المقاومة بلعب ورقة داعش لاستنزاف هذا الحلف، وإدارة الحرب معها لنقل زمام المبادرة لصالح حلفائهم. ومن الموصل بدأت نهاية المرحلة التي لم يعد ممكناً أن تتسمر منها فصول وقد سقط رأسها، فخرجت إيران والعراق بلا آثار جانبية وفتن أهلية، وتماسك الجيش العراقي وولد الحشد الشعبي وتقدّمت إيران كحليف شريك للعراق في التضحيات وصناعة النصر. وما حدث في العراق سيتكرّر في سورية، وقد تفكّك حلفاء واشنطن، وصار الصراع بين الأتراك والأكراد عنوان أحداث شمال سورية، بينما الحرب الفاصلة مع داعش ستجري في دير الزور ويتولاها الجيش السوري وحزب الله والحشد الشعبي العراقي. وقد نجح السوريون والعراقيون بإسقاط الخط الأحمر الذي رسمه الأميركيون حول الحدود السورية العراقية، وبات الطريق الوحيد المتاح للأميركيين تفادي الكأس الأشد مرارة برؤية انتصار كامل في سورية يقف فيه حزب الله والإيرانيون على حدود سورية الجنوبية والشمالية والشرقية، بكأس أقلّ مرارة هو التسليم طوعاً لسورية رئيساً وجيشاً لتسلّم المناطق التي يسيطر عليها حلفاؤهم من الأتراك والجماعات المسلحة التي تلوذ بهم والأردنيون ومَن معهم و«الإسرائيليون» ومَن يشغلونهم، وكذلك الأكراد، ليدخلها الجيش السوري، وتفتح جنيف وأستانة أبوابهما للجميع تحت عنوان حكومة موحدة في ظل رئاسة الرئيس السوري تمهّد لدستور جديد وانتخابات.
المسار السوري الجديد بترابطه مع مشهد تحرير الموصل عبّر عنه الجنرال قاسم سليماني بالنصر الكبير لشعب العراق وجيشه والحشد الشعبي وشجرته الطيبة، مشيداً بدور المرجعية الحكيمة، وبتضحيات الجميع، ووقفة إيران ودماء أبنائها وأطنان السلاح، وصولا للدور العظيم الذي أداه حزب الله في نصر سورية والعراق، مختتماً بتواضع القادة بقوله «أقبّل من هنا يدَيْ السيد حسن نصرالله».
لبنانياً، تبدو أولى نتائج التطورين العراقي والسوري الاستعدادات لمعركة الجرود التي تتم بالتنسيق بين الجيش اللبناني وكل من وحدات المقاومة والجيش السوري، ويقدم فيها الطيران الحربي السوري التغطية الجوية التمهيدية منذ أيام باستهداف مبرمج لمواقع جبهة النصرة، بعدما صار الحسم العسكري الخيار الوحيد بعد فشل التفاوض. والجيش الذي يتعرّض لهجمة مخطط لها للنيل من معنوياته وإرباكه عشية المعركة حاز التغطية الشعبية التي أحرجت خصومه، فأنتجت تراجعاً من رئيس الحكومة عن نيته التحدث عن تحقيق حول ظروف وفاة الموقوفين، ودعوته ليكون التحقيق مدنياً وعسكرياً، هي تشكيك في تحقيقات الجيش، كما هدّد النائب في كتلته والمتحدث باسمه عقاب صقر قبل يومين على قناة العربية السعودية، متحدّثاً عن عزم الحريري توبيخ قيادة الجيش بعد استدعائها، قائلاً لا ثقة إلا بتحقيق مدني عسكري، فجاء كلام الحريري عن دعم غير مشروط للجيش وعن الثقة بقيادته وتحقيقاته، إقفالاً لسواد أريد له أن يُربك الجيش. تقول مصادر مطلعة إن الأميركيين منعوا الحريري من مواصلة ما بشّر به معاونوه المقرّبون، وخصوصاً الوزير معين المرعبي والنائب عقاب صقر.
الحريري بعد اجتماع السراي: الدعم الكامل للجيش
لم ينجح رئيس الحكومة سعد الحريري بحرف الأنظار والتعمية على الحملة التي شنّها فريقه السياسي والإعلام التابع له على المؤسسة العسكرية ومساءلتها على إنجازاتها في مكافحة الإرهاب طيلة مدى أيام، وإن أعلن أمس بعد لقائه وزير الدفاع يعقوب الصراف وقائد الجيش العماد جان قهوجي في السراي الحكومي، بأن «القرار السياسي موجود والدعم السياسي الكامل للجيش متوافر». فتحت ذريعة التحقيق بوفاة الموقوفين الأربعة المنتمين الى تنظيم داعش، يحاول الحريري ومن خلفه جهات خارجية استباق العملية العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية على الحدود اللبنانية السورية لمنع الجيش من المشاركة فيها، بينما أظهرت الاعترافات المتتالية لموقوفي عرسال أن معظم هؤلاء ينتمون الى تنظيمي داعش وجبهة النصرة ودخلوا خلسة الى عرسال وشاركوا في المعارك ضد الجيش.
وإذ أشارت مصادر قناة «أو تي في» إلى أن «اجتماع الحريري مع وزير الدفاع وقائد الجيش كان جيداً جداً وساده التفاهم»، كشف العماد عون للحريري خلال الاجتماع مضمون إفادات أقارب الموقوفين السوريين الذي توفوا والتي تظهر فعلاً معاناة هؤلاء من مشاكل صحية مزمنة».
وأكد رئيس الحكومة بعد لقائه الصراف والعماد عون أن «القرار السياسي موجود والدعم السياسي الكامل للجيش متوافر»، وجازماً بأن «قيادة الجيش تقوم بتحقيق شفّاف في مسألة وفاة السوريين الأربعة». ودعا الى «عدم التشكيك في الموضوع، لأن الجيش حريص على المواطنين والمدنيين أكثر من أي فريق آخر، لذلك فإن محاولة زرع أي توتر مع الجيش أو مع القيادات العسكرية في لبنان التي تعمل ليل نهار لتجنيب لبنان أي إرهاب لن تمرّ»، مشدّداً على «ان الدعم السياسي للجيش غير مشروط، والمؤسسة العسكرية لا تشوبها شبهات، ولمن يحاول الاصطياد بالماء العكر نقول «فـليخيّطوا بغير هالمسلّة». وقال «لستُ مع «حزب الله» في فتح معركة في جرود عرسال، نحن يد واحدة أمام أي محاولة لضرب أمن البلد».
وفي توقيت لافت، أجرى رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط اتصالاً هاتفياً بالرئيس الحريري تناولا خلاله عدداً من القضايا.
وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إن «تحميل الجيش مسؤولية وفاة الموقوفين الأربعة يهدف الى منعه من القيام بواجباته ضد الإرهابيين»، ولفتت الى أن «البيئة الحاضنة للارهابيين تضغط على رئيس المستقبل عبر قنوات عدة لثني الجيش عن المشاركة في أي عملية عسكرية واسعة يشنها الجيش السوري وحلفاؤه على الحدود». لكن المصادر جزمت بأن «العودة الى الوراء في العملية العسكرية لإنهاء الحالة الداعشية والنصرة على الحدود شبه مستحيلة».
وقالت مصادر عسكرية لـ«البناء» إن «الجيش لا ينتهج أسلوب التعذيب كما تفعل التنظيمات الارهابية وقوات الاحتلال «الاسرائيلي» بل يملك الأخلاقيات الانسانية في الحرب وبالتالي اتهامه بتعذيب الموقوفين لن يثنيه عن دوره في مكافحة الارهاب والتصدي له على كامل الاراضي اللبنانية».
معركة الجرود خلال أيام
وأشارت معلومات «البناء» من الجرود إلى أن «المعركة ضد الارهابيين قد اقتربت وستبدأ خلال أيام، ويعمل حزب الله على التنسيق بين القوى الموجودة في المنطقة، حيث سيبدأ الجيش السوري وحلفاؤه بالهجوم والتقدم من جرود قارة باتجاه الحدود اللبنانية السورية على أن يكون الجيش اللبناني بالمرصاد ضد أي عملية انسحاب للمسلحين نحو الأراضي اللبنانية».
وأوضحت أنه «في حال تمكّن حزب الله في بداية المعركة من السيطرة على التلال الحاكمة في رأس بعلبك، فإن الموازين ستكون لصالح الجيش السوري حيث ستفقد النصرة مواقعها الأساسية بشكل سريع وتبقى مسألة مخيمات النازحين التي تأوي مئات المسلحين».
وعلمت «البناء» أن «المفاوضات مع النصرة وصلت الى طريق مسدود بعد أن رفض الجيش السوري وحزب الله شروط الجبهة التي تتلخص بالحصول على مبلغ 5 ملايين دولار وانسحاب 300 عنصر الى ثماني قرى في القلمون بدلاً من انسحابهم نحو إدلب».
وأعلنت قيادة الجيش في بيان أنها «أحالت دفعة جديدة من الأشخاص الذين تمّ توقيفهم خلال دهم قوى الجيش بعض مخيمات النازحين السوريين في عرسال، ليصبح العدد: 20 موقوفاً لتورطهم في الأعمال الإرهابية، و152 موقوفاً سُلّموا الى المديرية العامة للأمن العام لتجوّلهم داخل الاراضي اللبنانية بصورة غير قانونية، فيما أخلي سبيل 23 آخرين لعدم ثبوت ارتكابهم جرائم أو مخالفات».
السفير السوري: معالجة الإرهاب بالتنسيق
وشدد السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، على أن معالجة الارهاب الذي نواجهه تتم معاً بالتنسيق. وقال: «هناك تنسيق قائم يجب ان يفعل بين الجيشين والأجهزة الأمنية. وهناك سفارتان تنسقان بنسبة ما، ولكن اقل ما يتطلبه حجم هذا العبء الذي يعانيه لبنان. لذلك التنسيق قائم بين الحكومتين، ولكن يجب أن يفعّل أولاً من أجل احترام الاثنين لبعضهما البعض ومن أجل احترام المؤسسات والمسؤولين والعلاقة بين الشقيقتين. وثانياً من أجل الوصول لأسرع طريق لمعالجة هذه المشكلة. ولكن الاهم الخروج من المكابرة والكلام غير المسؤول»، وتساءل: «الرهانات سقطت فلماذا لبنان يدفع ضريبة وهو غير مضطر الى دفعها».
وعن ضمان أمن العائدين من اللاجئين السوريين، قال السفير السوري: «يجب الا تنوبوا عن الدولة السورية وسورية تحترم مواطنيها. فالرقة لا تزال تحت سيطرة الإرهابيين او نسبة كبيرة منها، ومع ذلك لم يُحرم مواطن من أبناء الرقة الموجودين في مؤسسات الدولة رواتبهم. وحتى الذين ارتكبوا او أجرموا وحملوا السلاح فقد صدرت مراسيم عفو من خلال المصالحات التي تحدث وهناك استيعاب حتى لهؤلاء».
الحجيري: عرسال محاصرة
وقد حذر رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري من الظروف الأمنية والاقتصادية القاسية في المدينة، مجدداً دعم أهالي البلدة برمّتها للجيش، وقال: «عرسال محاصرة ووضعها الاقتصادي صفر».
وفي تصريح كشف الحجيري أن «عدد النازحين في عرسال بلغ 100 الف نازح وتعداد سكان البلدة 30 الفاً بينما البنى التحتية مجهّزة لـ 20 الفاً»، معتبراً أن «المراحل التي مرت بها عرسال نعتبرها صفحة سوداء من تاريخ عرسال وقد ظلم الكثير من أبنائها».
لا حلول لأزمة النازحين
وفي سياق ذلك، تعقد اللجنة الوزارية المكلفة بحث ملف النازحين اجتماعاً اليوم، برئاسة رئيس الحكومة للبحث في تطورات الملف وكيفية معالجة الأزمة. وأشارت مصادر «البناء» الى أن «لا حلول في الأفق في ظل رفض فريق رئيس الحكومة ودول خليجية وغربية التواصل مع الحكومة الشرعية في سورية وبالتالي إبقاء النازحين في لبنان»، بينما لفتت أوساط نيابية مستقبلية أن حل الأزمة لا يتم إلا عبر التنسيق بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة التي تلعب دوراً أساسياً في تحديد المناطق الآمنة في سورية»، بينما لم تتضح توجهات بعبدا لجهة تكليف موفدٍ رئاسي للتوجّه الى سورية والتفاوض معها بشأن النازحين». وعلم أن «ملف النازحين لن يُطرح في جلسة مجلس الوزراء الأربعاء المقبل منعاً لأي سجالات وخلافات بين الوزراء تهدّد الاستقرار الحكومي، على أن يبقى الملف في عهدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون».
عون: نسعى لضبط الفلتان الداخلي
وأطلق الرئيس عون مواقف من بعض الملفات الاقتصادية والإصلاحية خلال استقباله أمس في بعبدا، الوفد المشارك في «المنتدى اللبناني للشركات الصغيرة والمتوسطة» الذي يبدأ أعماله غداً في مجمّع «بيال» في بيروت.
واعتبر عون أن «الاقتصاد القائم على الإنتاج يؤمّن الاستقرار ودعم الليرة اللبنانية»، مشدداً على «ضرورة أن يتحوّل لبنان من المجتمع الريعي الى المجتمع الحقيقي المبني على الإنتاج»، لافتاً إلى أن «لبنان يرحّب بمن يريد الاستثمار فيه إلا أنه يتحّفظ على الديون».
وأعلن «أننا نعمل على إصلاح الوضع المالي ومساعدة المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، والمهم ليس الإنتاج فحسب، بل تأمين الأسواق والذي تقع مسؤوليته على الدولة في الدرجة الأولى». وذكّر بـ«الإنجاز الذي تحقق في الجمارك اللبنانية وفي ضبط المعابر الشرعية كالمطار ومرفأ بيروت وما وفّره من زيادة في دخل وارداتها في خلال ثمانين يوماً»، لافتاً الى أن «لبنان الذي انتصر على الإرهاب سيسعى إلى ضبط الفلتان الداخلي وسيتوصل إلى نتيجة في هذا السياق». وأشار إلى أن «لبنان يدرس حالياً التعاون مع إحدى المؤسسات العالمية المشهود لها، لوضع دراسة حول سبل استنهاض الاقتصاد اللبناني».