من الموصل إلى القدس… معركة المصير القومي المعمّدة بالدم
يوسف الصايغ
بعد أيام قليلة على إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أنه سيتعاون مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، «من أجل إحياء مفاوضات السلام»، واعداً بـ«بذل كلّ ما يمكن لإنجاح هذه الجهود»، جاءت عملية باب العمود داخل باحات الحرم القدسي في مدينة القدس المحتلة، والتي نفّذها الشهداء الثلاثة من آل جبارين من قرية أمّ الفحم، ما أسفر عن مقتل شرطيين للعدو وإصابة آخرين، لتشّكل رداً واضحاً على كلام أبو مازن، الذي ضرب بعُرض الحائط آخر ما تبقى من ماء وجه السلطة الفلسطينية، معلناً في اتصال هاتفي مع رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو عن إدانته للعملية. وقد لاقت هذه الخطوة رفضاً واسعاً من قبل أبناء شعبنا الفلسطيني، فهل يُعقل لمن يُفترض أنه يمثل الشعب الفلسطيني أن يستنكر عملية بطولية تأتي رداً على الاعتداءات المتكرّرة للمستوطنين الصهاينة، وتدنيسهم المتكرّر للمسجد الأقصى بحماية شرطة العدو؟
بعيداً عن الموقف الرسمي الفلسطيني المتخاذل تأتي عملية القدس بالتزامن مع ذكرى عملية «الوعد الصادق» وانتصار تموز في جنوب لبنان عام 2006 لتثبت أنّ المقاومة هي صاحبة القول الفصل في الميدان، ففي مارون الراس، وبنت جبيل وعيتا الشعب ووادي الحجير إلى باقي العناوين والأماكن التي تحمل بصمات المقاومين، كان التاريخ يُكتب بأحرف من نور المقاومة ونارها، فأثبتت أنها قادرة على تغيير المعادلة وقلب الموازين، وكانت الأيام الثلاثة والثلاثون كفيلة بإعلان انتصار أولئك المقاومين «المغامرين»، بحسب وصف أنظمة الغاز والعمالة ومشيخات التطبيع، ليبزغ فجر الانتصار في آب معلناً نهاية الخرافة، التي ظنّ البعض أنها لا تُقهر فإذ بها تتقهقر، ليخرج الجنود الصهاينة أذلاء مذعورين، وليثبت تقرير لجنة «فينوغراد» آنذاك، بالوقائع، أنّ الحرب انتهت بهزيمة مدوّية للكيان «الإسرائيلي»، وكان ذلك بمثابة الإقرار العلني بتلك الهزيمة، وفي المقابل تأكيد على تواصل حلقات زمن الانتصارات.
وبالإضافة إلى ما تحمله عملية القدس في طياتها من قيمة معنوية وميدانية، باعتبارها تثبت مجدّداً أنّ المقاومة الفلسطينية قادرة على تنفيذ العمليات داخل المناطق التي يصنّفها العدو «الإسرائيلي» بـ«الآمنة»، الا أنها تكتسب قيمة إضافية لكونها تأتي على بعد أيام من عملية تحرير الموصل من الإرهاب بوجهه التكفيري، وما بين عملية القدس، وإنجاز تحرير الموصل من إرهاب «داعش»، تأتي الإنجازات التي يُسطّرها الجيش السوري والمقاومة ليكتمل جزء آخر من المشهد، وتترافق الإنجازات الثلاثة في العراق والشام وفلسطين المحتلة، مع الإنجازات التي يسطّرها الجيش اللبناني في مواجهة المجموعات الإرهابية في عرسال وجرودها حيث نفّذ مؤخراً سلسلة من العمليات النوعية، والتي أسفرت عن مقتل عدد من الرؤوس الإرهابية وتوقيف عدد آخر، وهو ما يندرج في سياق المعركة المفتوحة بوجه الإرهاب.
لقد بات واضحاً أنّ المعركة واحدة من الموصل إلى القدس والعدو واحد على اختلاف مسمّياته، لأنّ هدفه واحد يتمثّل بضرب الأمن والاستقرار في منطقتنا وتحويلها إلى كانتونات طائفية ومذهبية متناحرة، لكن مشروع «الربيع الأميركي» بثوبه التكفيري سقط مجدّداً في العراق والشام، تماماً كما سقط في تموز 2006 في جنوب لبنان، ومخاض ولادة «الشرق الأوسط الجديد» فشل مجدّداً، لأن إرادة المقاومة والصمود هي التي تثبت مجدّداً، أنها القادرة على إحباط كلّ المؤامرات والمخططات الهادفة للنيل من مناعة وصمود واستقرار منطقتنا. وبات واضحاً أنّ معركة المصير القومي التي تمتدّ من العراق الى الشام وصولاً الى فلسطين مروراً بلبنان في طريقها الى النصر بعدما تعمّدت بالدم.
ناموس عمدة الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي