كيف ستتصرّف جماعة الرياض السورية؟
ناصر قنديل
– يبدو واضحاً أنّ التفويض الذي مُنح للسعودية بإدارة التفاوض حول سورية عبر واجهة مؤتمر الرياض قد نزع كلياً منها أميركياً، بمجرد الإعلان عن التفاهم بين الرئيسين الأميركي والروسي على خطة لجنوب سورية، بعدما كان نزع جزئياً مع رفض منح أيّ تشكيلات عسكرية تابعة لجماعة الرياض دوراً في معارك الرقة، وحصر الأمر بالجماعات الكردية التي جرى تظهيرها كحليف رئيسي لواشنطن بين الجماعات السورية تليها جماعات منتقاة من العاملين في الأردن الذين أنيطت بهم معارك التنف. وهذا تحوّل كافٍ للقول إنّ جماعة الرياض المعارضة التي بقيت منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تصرّح علناً بأنها تنتظر تبلور الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي تعوّل عليها بالكثير من التغييرات، تكتشف اليوم أنها خارج هذه الاستراتيجية.
– من الضفة التي تقف عليها هذه الجماعة كان صحيحاً أن تنتظر الاستراتيجية الأميركية لأنها جوهر ما يقرّر سياسات الحلف الذي يقدّم لها التغطية والتغذية ويصنع لها الدور ويرسم حدوده، لكن وبعدما تبلورت علامات هذه الاستراتيجية وقوامها التفاهم مع روسيا على حلّ سياسي وأمني هو ما نطق به الرئيس الفرنسي، بحضور الرئيس الأميركي، وأعلنته «واشنطن بوست» كمحور للتغيير الأميركي، يقوم على الاعتراف بشرعية الرئيس السوري والتعامل معه كأمر واقع حتى تتمّ انتخابات جديدة متفق عليها، ضمن الحلّ السياسي وبعد نهاية الحرب على الإرهاب، يصير السؤال، كيف ستتصرّف جماعة الرياض تجاه القضية التي جعلتها محور تعطيلها لكلّ فرصة حلّ سياسي تحت عنوان أولوية البتّ بمصير الرئاسة السورية كشرط لأيّ حلّ؟
– واضح أنّ الأميركيين والروس والفرنسيين وقريباً الأتراك سيتعاونون لبلورة وفد معارض مفاوض يضمّ الأكراد، ويكون موحّداً، يضمن إلغاء خصوصية عسكرية كردية على حدود تركيا، ويضمن تمثيل مَن يهمّ أميركا وفرنسا وروسيا وتركيا تمثيلهم. والواضح أنّ مثل هذا المسعى بسقف سياسي متفق عليه بين اللاعبين الكبار سيُفرز مجموعة اتصال دولية إقليمية تضمّهم مع السعودية وإيران، وسيعرض على السعوديين الاختيار بين السير بهذا الحلّ أو الخروج من دون إحراج، والسعودية مثقلة بملفين كبيرين هما حربها في اليمن وأزمتها مع قطر، وفي كليهما تحتاج أميركا أكثر من حاجتها لجماعة مؤتمر الرياض، فماذا سيفعل هؤلاء؟
– تحدّث المبعوث الأممي وتحدّث السفير الروسي في جنيف عن تغييرات إيجابية بموقف جماعة الرياض. وقال السفير الروسي إنّ عناصر متطرفة لا تزال تعيش في الماضي وتعرقل وحدة المعارضة وواقعيتها، فجاء الردّ من منسق جماعة الرياض، رياض الأول وتأكيد رياض الثاني الناطق باسم الجماعة، بالنفي والتمسك بالموقف من مصير الرئاسة السورية عاملاً مقرّراً للحلّ السياسي، والسؤال هو ببساطة وقد خسرت هذه الجماعة أيّ تأثير عسكري، وآخر فلولها جيش الإسلام وممثلها التفاوضي ورئيس بعثتها العسكرية في أستانة، يعلن حلّ نفسه للانضمام إلى صيغة تتيح قبوله في مفاوضات حلّ للغوطة، وقد خسرت أيّ تغطية دولية لموقفها، بموقفي أميركا وفرنسا، وخسرت نصف الغطاء الإقليمي مع انضمام تركيا ضمناً عبر معادلة أستانة لما يتفاهم عليه الروس والأميركيون والفرنسيون مادام يضمن إنهاء الخصوصية الكردية العسكرية، عبر مشاركة الأكراد في جنيف. فهل يشكل الرهان على التعطيل السعودي سبباً كافياً لموقف لا تملك السعودية معه أكثر من التحفظ أو الانسحاب أو القول بترك الأمر لجماعة الرياض وما تقرّره؟
– الغباء السياسي وصف يبحث دائماً عن أمثلة حسية لأساتذة التاريخ والعلوم السياسية يشرحون عبره لتلامذتهم المعنى بوسائل إيضاح. والأكيد أنّ تاريخ جماعة الرياض المعارضة ورموزها ستُقدّم مثالاً دسماً يفرح به الأساتذة لشرح الغباء السياسي لتلامذتهم من دون عناء.