انضمام مصر للتفاهمات السورية تموضع سعودي
ناصر قنديل
– حرصت الدولة المصرية بمؤسساتها الدبلوماسية والعسكرية والأمنية في ذروة سيطرة الإخوان المسلمين على السلطة، على إبقاء علاقاتها بالدولة السورية خارج لعبة الإخوان، ولم يُخفِ قادة هذه المؤسسات مشاعرهم بالوقوف مع الجيش السوري والرئيس السوري والرهان على سقوط مشروع الإخوان في سورية ليتسنّى إسقاطه في مصر. وبعد سقوط الإخوان استمرّ الموقف المصري على ثباته، لكنه بقي يتفادى الإشهار والمجاهرة، وبقي يقف في منتصف الطريق بين المعارضة التي يحاول أن ينظف صفوفها من الإخوان والنصرة وداعش، ويفتش عمّن يمكنه دعمه من بين صفوفها لتكون منصة القاهرة تشبه السياسة المصرية. وهو ما لم يتحقق بعد، لكن الأصل في السعي المصري لمظهر الحياد كان من جهة لقناعة بأنّ دور مصر يتأتى من ربطه بمسار التسويات وليس الانحياز للدولة السورية، ومن جهة مقابلة وهي الأهمّ، لقناعة القيادة المصرية بالحاجة لضبط الساعة المصرية على توقيت سعودي أميركي مناسب، فلا مبرّر لمجازفة في ظلّ عدم نضج موقف سعودي أميركي داعم للتسويات، لأنّ وجود الرياض وواشنطن خارج التسويات سيؤدّي لفشلها، ولأنّ مصر ستخسر بذلك الكثير سياسياً ودبلوماسياً ومالياً وتضع نفسها في مواجهة لا تستطيع تحمّل تبعاتها.
– في كلّ مرحلة من مراحل التقدّم الروسي نحو خيارات للتسويات كانت مصر حاضرة في الحسابات الروسية، وكانت الأفضلية السورية للأطراف الإقليمية تمنح دائماً لمصر عندما تكون جاهزة. وعندما تبلور مسار أستانة حاول الروس جذب مصر بإغرائها بإقامة توازن مقابل مع تركيا، وتوازن موازٍ مع إيران، والأمران جاذبان لمصر وقيادتها، لكن مصر درست وتحفظت على الاستجابة بعدما لمست غموضاً أميركياً وعدم تشجيع سعودي. فأدركت انّ التوقيت لم يحن بعد، وعندما تبلور التفاهم الأميركي الروسي حول جنوب سورية، قرّرت مصر التحرك لرسم خطة تحرك نحو روسيا عنوانها روزنامة للجنوب السوري تمتدّ حتى ريف دمشق والغوطة تكون مصر الشريك الإقليمي فيها، ويكون الأردن تحت مظلتها، وتتضمّن إنهاء النصرة وداعش وعزل الجماعات التكفيرية المشابهة كفيلق الرحمن، والتشكيلات المرتبطة بالإخوان، وتضمين التفاهمات بعداً إنسانياً ومدنياً، والاستعداد للمساهمة مع تبلور صورته بإرسال مراقبين مصريّين، إذا لقي الأمر ترحيب الدولة السورية.
– الأطراف المعنية بالجنوب السوري تبدأ بأميركا شريك الروس في التفاهم، وتمرّ بـ«إسرائيل» التي تعرف محدودية قدرات الأردن وعجزه عن الحصول على موافقة سورية لدور المراقب داخل الأراضي السورية، وتستدعي قبولاً سعودياً طالما القوة المحورية في الغوطة هي جيش الإسلام المحسوب على السعودية، في زمن الأزمة التي تشترك فيها مصر مع السعودية بوجه قطر وتشترك فيها السعودية مع مصر بالموقف من الإخوان والنصرة وفيلق الرحمن وأحرار الشام ومحاولة تحديد حجم المشاركة التركية كراعٍ إقليمي للتسويات، وإقامة توازن عربي مقابل للحضور الإيراني.
– رعاية مصر بالشراكة مع روسيا للتفاهم حول الغوطة هي بداية ومؤشر لمرحلة جديدة، تتضمّن دعماً أميركياً وسعودياً وعدم ممانعة «إسرائيلية»، وإلا لما أقدمت مصر على التحرك. وفي نهاية هذه المرحلة خلال أسابيع أو شهور قليلة سيكون من ضمن الدور المصري وجود مراقبين مصريين في سورية يكرّسون التعاون السوري المصري الذي تريده دمشق ولا تمانع به طهران ولا يزعج حزب الله، رغم ما يبدو ظاهراً من تنافس أو من ضمانات أو تباين في الأجندات. فنهضة مصر لدور في المنطقة، خصوصاً في سورية بحدّ ذاته علامة إيجابية تلقى الترحيب، وموافقة معسكر خصوم سورية والمقاومة على دور مصر علامة على ضعفهم وليس على تواطئها معهم.