تعديل القرار 1701 خطة أميركية لفصل لبنان عن سورية
العميد د. أمين محمد حطيط
قبل أن يتمّ الوصول الى اتفاق حول وقف العدوان «الإسرائيلي» في العام 2006 على لبنان اجترح فؤاد السنيورة، وكان يومها رئيساً للحكومة اللبنانية، اجترح النقاط السبع التي في رابعتها بند تجريد المقاومة من سلاحها. الأمر الذي جعل العماد إميل لحود رئيس الجمهورية ينتفض بوجهه ويرفض الاقتراح الشيطاني السنيوري جملة وتفصلاً.
وعندما بدأ مجلس الأمن الدولي بتداول مشروع قرار حول وقف العدوان ضغطت أميركا ومَن معها من معسكر العدوان على المقاومة من أجل أن يكون القرار تحت الفصل السابع، وأن تتحوّل قوات اليونيفيل في الجنوب الى قوات متعدّدة الجنسيات ذات صلاحيات كاملة للعمل في لبنان، بأيّ صيغة قتالية تراها سواء كانت دفاعاً عن النفس أو هجوماً واقتحاماً لتنفيذ أهداف القرار الدولي الذي زعمت أميركا أنه جاء بإجماع دولي، بهدف تعطيل سلاح حزب الله ومنع الحزب من إعادة ترميم بنيته العسكرية في أيّ وجه وفي أيّ أسلوب.
لكن المقاومة التي كانت تستشعر الانتصار في الميدان رفضت المسعى الأميركي وأسقطته بعد أن أعلمت كلّ من يعنيه الأمر بأنها لن تلتزم بقرار يعاملها على أساس أنها مهزومة ويحرمها من ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن النفس والتصدّي للعدوان، بينما هي المنتصرة في الميدان بمعايير الانتصار العملاني والاستراتيجي كلّها.
وأمام هذا الرفض أذعنت القوى المعنية بالمشروع وصدر القرار 1701 متراجعاً في خلفيته عن جوهر القرار 1557، وصدر تحت الفصل السادس وحدّد لقوات اليونيفيل مهمة لا تتعدّاها وجوهرها عدم القيام بأيّ عمل عسكري في الجنوب من غير التنسيق مع الجيش اللبناني، وحصر نطاق عملها بين الحدود ونهر الليطاني الذي ألزمت بعدم تخطيه نحو الشمال في أيّ حال. ومع هذا فإننا نعتبر القرار منح «إسرائيل» ما لا تستحق، وقيّد لبنان ومقاومته بما لا يجب، وجعل استثمار الانتصار الذي تحقق محدوداً، وخفف من وطأة هزيمة «إسرائيل».
في ظلّ هذا الوضع كانت العين على التطبيق العملي للقرار، حيث إنّ قوات اليونيفيل وبتوجيه من أميركا وبعد تعزيزها بحوالى 5000 عنصر من الحلف الأطلسي فرنسا واسبانيا وإيطاليا وألمانيا حاولت تخطي منطوق القرار وروحه والتصرف على أساس أنه تحت الفصل السابع، وأنه يعطيها الحق بالقيام بما شاءته أميركا في مشروع القرار الذي رفض. وهنا نذكر كيف انّ القوات الاسبانية أبقت آلياتها العسكرية على لونها العسكري الأساسي لم تطلها بلون الأمم المتحدة الأبيض وتصرّفت كما لو أنها في إطار قوات متعددة الجنسيات تعمل تحت الفصل السابع صرّح لي بهذا قائد الكتيبة الاسبانية بكلّ وضوح، وأبلغني أنهم كانوا في يوغوسلافيا يتدرّبون على هذه المهمة قبل 3 أشهر من العدوان الإسرائيلي . كما نذكر كيف أنّ القوات الفرنسية قامت بمداهمة في منطقة صور خارج نطاق بقعة عمل اليونيفيل مستخفة بالقرار وما فيه.
أمام هذا التصرف كان الردّ اللبناني الشعبي والسياسي باستثناء حكومة السنيورة كان حازماً في رفض هذا الانتهاك، ورفض فرض أمر واقع يتخطى القرار. وأذكر أننا تداعينا في بيروت الى لقاء جمع ممثلي الأحزاب والشخصيات والقوى الوطنية ووجهنا مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة نحذّره فيها من اعتماد قواعد اشتباك جديدة تتخطى القرار 1701، وننذره بأنّ الأهالي في الجنوب خاصة، ولبنان المقاوم عامة، لن يسمحوا بتمرير الانتهاك. ترافق ذلك مع «غضبة الأهالي» في الجنوب التي أدّت الى محاصرة قوات اليونيفيل في جميع مراكزها في الجنوب حتى صدر أمر من الأمين العام للأمم المتحدة بالتراجع عن المحاولة البائسة والتقيّد بمنطوق القرار.
أما المقاومة فقد عملت بأسلوبها الذكي المرن وتعاملت مع القرار بما يضمن وجودها القتالي الفعّال ولا يستفز أحداً منعاً لاتخاذ المزيد من القرارات السيئة في ظلّ اختلال التوازن في النظام الدولي وممارسة أميركا الأحادية القطبية وفي ظلّ اختلال في النظام الإقليمي لصالح «إسرائيل». والأدهى من ذلك في ظلّ وجود فريق لبناني يتولى السلطة بشكل شبه منفرد ومنصاع كلياً للإرادة الأميركية ضدّ المقاومة. وقد نجحت المقاومة في سلوكها وتجلّى نجاحها بشكل واضح اليوم، حيث إنّ قدراتها القتالية وصلت الى حجم يتعدّى كمّاً ونوعاً ونمطاً وأسلوباً وفعالية ما كانت عليه في العام 2006 وهذا ما يرعب «إسرائيل» ويقلق أميركا.
ولهذه الأسباب معطوفة على المتغيّرات الدولية والإقليمية، وبعد خسارة الإرهاب المدوية في عرسال وجرودها وضياع فرصة إقامة المنطقة الآمنة التي تخدم سياسة الفصل بين لبنان وسورية، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية وفي مواجهة هزيمتها في سورية تحاول أن تعود الى لبنان في عمل مركّب عماده سياسياً بقايا 14 آذار، وعسكرياً قوات اليونيفيل من أجل محاصرة المقاومة وتنفيذ ما عجزت عن القيام به في العام 2006، والمدخل الى ذلك كما يبدو هو القرار 1701 والعمل على تعديل مهام القوات الدولية في المضمون والنطاق الجغرافي بما يؤدّي إلى مواجهة مع حزب الله تقود بزعمهم إلى إسقاط أيّ مشروعية لسلاحه، وصولاً إلى تجريده منه كما يظنّ الأميركي بكلّ حماقة وخفة، وبما يعفي «إسرائيل» من القيام بحرب ضدّه على الأرض اللبنانية، حرب لا تقدر عليها في واقعها اليوم وغير مضمونة النتائج في أيّ حال.
هنا، ورغم الصعوبات والتعقيدات المركبة والمتعدّدة التي تواجه السعي الأميركي، ورغم قناعتنا بعدم القدرة على نجاح المسعى الأميركي هذا، فإننا لا نستهين بالمحاولة تلك خاصة أن هناك في لبنان بعض من المتهوّرين الحاقدين الذي امتهنوا العداء للشرف والكرامة الوطنية، واحترفوا العمل خدمة لـ«إسرائيل» والمشروع الغربي في لبنان، وأنّ وجود هؤلاء ومنهم مَن هو اليوم جزء من الحكومة القائمة ويمارس السلطة باسم لبنان، ومع وجود حالة أميركية تصاعدية كيدية ضدّ حزب الله في واشنطن في ظلّ رئيس مهووس بالعداء لحزب الله خدمة لـ «إسرائيل»، في ظلّ هذين العاملين الداخلي والخارجي لا نستبعد الإقدام على المحاولة التي إذا نجحت رغم استبعادنا لذلك – فستؤدّي إلى واقع سياسي وميداني يلحق لبنان في أتون الحريق العربي الذي بقي حتى اليوم بعيداً نسبياً عن لهيب ناره، إلا بعض ما حصل في السلسلة الشرقية.
وعلى هذا الأساس، وتحسّباً لأيّ محاولة أو موقف أو قرار دولي جديد نرى أن يبادر لبنان وبحكم حقه الحصري في طلب التجديد لقوات الأمم المتحدة وحكم الحق الحصري لمجاس الوزراء مجتمعاً بممارسة السلطة التنفيذية من دون أن يكون لوزير مهما علا شأنه بما في ذلك رئيس الوزراء، حق التعهّد أو الطلب باسم لبنان أو الاقتراح على أيّ جهة أجنبية أو منظمة دولية القيام بعمل على أرض لبنان، ومن أيّ طبيعة كانت، أن يقوم مجلس الوزراء باتخاذ القرارات التي تؤكد على ما يلي:
1 ـ طلب التجديد لليونيفيل دونما أيّ تعديل لمهامها، ورفض أيّ مراجعة لقواعد الاشتباك المعمول بها حالياً.
2 ـ إبلاغ الأمم المتحدة رفض لبنان أيّ تعديل للقرار 1701، وعدم التزام لبنان بتنفيذ أيّ قرار لا يحصل على موافقة مسبقة من الحكومة اللبنانية.
3 ـ إشعار الأمم المتحدة وتحذيرها بأنّ الحكومة اللبنانية لا تضمن ردّة الفعل الشعبية ضدّ أيّ انتهاك دولي للسيادة الوطنية.
أما لأصحاب الرؤوس الحامية والذين يسعون إلى خراب لبنان، كما فعلوا في اقتصاده منذ العام 1992، او كما فعلوا بعلاقاته الخارجية منذ العام 2005 أو كما فعلوا بأمنه منذ العام 2012، نقول لهم إنّ مسعاكم فاشل ساقط على أصله، فلبنان وموازين القوى فيه اليوم غير ما كان عليه في العام 2006، والنظام الإقليمي اليوم غير ما كان عليه، والنظام الدولي ومجلس الأمن لم يبقَ على ما كان عليه من أحادية قطبية، فالأفضل لكم ان لا تحاولوا حتى لا تخسروا ليس المحاولة فقط بل تخسروا ما هو أهم منها، وإنّ اللبيب من الإشارة يفهم… فاتعظوا.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية