كيف أعادت معارك الجرود وصل لبنان بسورية؟
رنا صادق
بعد انتصار المقاومة في معركة تحرير جرود عرسال من إرهاب «جبهة النصرة»، اتّجهت الأنظار إلى جرود رأس بعلبك والقاع حيث يستعدّ الجيش اللبناني لتنفيذ عملية عسكرية للقضاء على تنظيم «داعش» واستكمال تحرير الجرود، في ظلّ التفاف شعبي عارم وتأييد سياسيّ علنيّ.
الساعة الصفر لبدء العملية العسكرية حُدّدت، لكنّها بقيت طيّ عدم الإعلان، ويرجّح متابعون أنّها تنتظر إتمام اتفاق خروج «سرايا أهل الشام» من منطقة عرسال والذين تنتظرهم «تسوية أوضاع» في سورية، كما حصل مع آخرين قرّروا التخلّي عن السلاح والعودة إلى كنف الدولة السورية.
المعركة ضدّ «داعش» حاصلة، وهي ستنطلق بالتزامن من الجهتين اللبنانيّة والسوريّة، ما يعني أنّ فرضيّة التنسيق المشترك بينهما واقعيّة، إضافة إلى أنّ هناك أدواراً رئيسة وحاسمة للقوى التي أعلنت عن مساندتها ومؤازرتها الجيشَيْن اللبناني والسوري في معارك تحرير الجرود، وهذا ما أشار إليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته الأسبوع الفائت، وكذلك بيان الحزب السوري القومي الاجتماعي، علماً أنّ المقاومة تشارك من الجهة السوريّة ومن جهة جرود عرسال، في حين أنّ تشكيلات «نسور الزوبعة» في الحزب السوري القومي الاجتماعي ستكون إلى جانب الجيش السوري وستتولّى محاور أساسيّة من الجهة السوريّة، وهذه التشكيلات تضمّ عناصر متمرّسة في القتال، في حماة وريف اللاذقية الشماليّ وحلب وغير منطقة سوريّة، وكذلك سيكون لهذه التشكيلات دور أساسيّ من الجهة اللبنانيّة. وهذه المشهديّة ستوضّح التنسيق الفعّال بين الجيشَيْن اللبنانيّ والسوريّ والمقاومة المؤلّفة من مقاتلي حزب الله و«نسور الزوبعة» في الجرود.
بما خصّ التنسيق بين الجيشََيْن اللبنانيّ والسوريّ للقضاء على إرهاب «داعش»، فهذا أمرٌ حتمي، خصوصاً أنّ الجرود مشتركة والأراضي متداخلة. لكن إنْ حدث ورضخ «داعش» وقبِل التفاوض لإطلاق العسكريّين اللبنانيين المختطفين، فإنّ هناك سيناريوات قد تستجدّ لخروج عناصر «داعش»، لكن المعضلة إلى أين سيذهب هؤلاء وقد باتت معظم المناطق التي يسيطرون عليها مهدّدة، وهذا ما يعزّز خيار مهاجمة «داعش» في الجرود، والقضاء عليه.
التنسيق بين الجيشَيْن اللبنانيّ والسوريّ، يشكّل فاتحة لتنسيق أوسع وأشمل، وقد تشكّل زيارات عدد من الوزراء اللبنانيّين إلى سورية بداية استعادة دفء العلاقة الرسميّة بين الدولتين، وإنعاش الدورة الاقتصادية والاجتماعية.
إذاً، مع إتمام المعركة أولاً، وهذه الزيارات ثانياً، تعود العلاقات السوريّة اللبنانيّة تدريجياً، ولتؤكّد بأنّ المنتصر هو من يُسيّر العمليات على اختلافها بينما المهزوم هو من يقدّم التنازلات ليس إلّا… واتّجاه هذه العلاقات يسير بشكلٍ معاكسٍ للضجيج السياسيّ والإعلاميّ الذي يقوم به المحسوبون على قوى «14 آذار»، لا سيّما «تيّار المُستقبل» وحزب «القوّات اللبنانيّة» وحلفائهما، على اعتبار أنّ هذا التعاون يضرّ بمصالحهما الإقليميّة الخليجيّة في المنطقة، وقد تزعزع استقرارها.
توضيحاً لما ذُكر، فإنّ هذه العلاقات سلكت مساراً رسميّاً دبلوماسيّاً منذ انسحاب الجيش السوريّ من لبنان العام 2005 وإنشاء سفارات كما طُلب. إذاً لمَ هذا الاعتراض، وما الغرض منه؟ وهل يجوز تجاوز مصلحة وطنيّة كفيلة بضمان الأمن الوطنيّ فقط من أجل نأي قوى «14 آذار» بنفسها عن التعاون مع سورية للحفاظ على الرضى الخليجيّ؟ وهل هذا الاعتراض بريء فعلاً أم أنّه خوفٌ متفشّ في صفوف «14 آذار» من قلب موازين القوّة إلى جهات معاكسة لها؟
وفي هذا المضمار، يجب إيضاح وتأكيد أنّ وجود السفارة السوريّة في لبنان هو تمثيلٌ للجمهوريّة، الحكومة والنظام فعليّاً وشرعيّاً، وكلّ مواطن سوريّ يعيش في لبنان هو تحت جناح الرئيس السوري بشّار الأسد وغطائه، ويجب هنا التركيز على أنّ السفارة تتمتّع بحصانة تصونها الاتفاقيات الدوليّة، وهي بالتالي ملكٌ للدولة التابعة لها. واعتراف الدولة اللبنانيّة بدور السفير السوريّ السياسيّ والدبلوماسيّ فيه، يشكّل حافزاً طبيعياً من أجل توطيد العلاقات، في حين أنّ السفير السوري يقدّم أوراق اعتماده في الأراضي اللبنانيّة الموقّعة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لكن ماهيّة العلاقات لا تقضي على تصريف أعمال السفارات فقط، بل ارتباط سورية ولبنان بالمحور الإقليمي نفسه يفرض تعاوناً مشتركاً يقف لمجابهة أيّة عمليات واتفاقيات دوليّة قد تضرّ البلدين.
وعليه، فإنّ صفحة التقسيم والتجزئة انطوت مع تحرير الجرود، وقُلبت أوراق التاريخ اليوم لتعيد معها شبكة العلاقات التي اختزلت حضارة ووحدة الحال بين الدولتين من جديد، والتي ستبرهن إيجابيّتها خلال الأشهر القليلة المقبلة جدواها، عبر المشاريع الاقتصادية، ضمن اتفاقيات تطال كلّ المجالات…