انقلاب المشهد في سورية… هل سيقود إلى حرب؟
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
عن تحرير جرود عرسال اللبنانية وجرود فليطة السورية، من جبهة النصرة الإرهابية، والتي قاتل فيها أبطال حزب الله الى جانب الجيش السوري كتفاً الى كتف وبمساندة وتسهيلات من الجيش اللبناني، قال السيد حسن نصرالله بأنّ ما تحقق نصر استراتيجي ميداني، وهذا النصر ستكون له تداعياته ليس على المشهدين السوري واللبناني، بل على كامل المنطقة، هذا النصر الذي استتبعه قيام الجيش اللبناني بالسعي لتحرير جرود رأس بعلبك والقاع من بقايا فلول عصابات «داعش» وما حققه لاحقاً الجيش السوري من انتصارات مهمة، لا تتمثل فقط في استعادة كامل البادية السورية والتي تشكل ربع المساحة السورية، بل نجح الجيش السوري في استعادة كافة نقاط المخافر الحدودية مع الأردن في منطقة السويداء، وكذلك يجري العمل على توسيع مناطق التهدئة وتثبيتها بقنوات التواصل الروسي- الأميركي، ويبدو انّ الأزمة الخليجية بالذات بين قطر والسعودية، لم تنفجّر فقط في وجه الائتلاف السوري المعارض، والذي تمّ إقصاء رئيسه رياض حجاب ليعلن مجبراً اعتزاله العمل السياسي، والإقصاء والانشقاقات والتصدّعات في صفوف ائتلافات ومنصات المعارضة ستتواصل، وليس بالبعيد اصطفافهم على أبواب دمشق لطلب الصفح والغفران من القيادة السورية.
تداعيات الأزمة بين قطر وما يسمّى بالتحالف العربي الرباعي، وبالذات السعودية انعكست حروباً وقتالاً بين جماعاتها الإرهابية على الأرض السورية، فيلق الشام المحسوب على قطر يخوض معارك طاحنة مع جماعة علوش السلفي المحسوب على السعودية، وكذلك يجري شنّ حرب شرسة من الفصيلين لتصفية جبهة النصرة، حروب مدمّرة بين كلّ هذه الجماعات الإرهابية، صراع على النفوذ والمال والزعامة، والسعودية عازمة على تصفية جماعات قطر وتركيا وإخراجها من قيادة المعارضة، لكي تضمن ان يكون لجماعتها ومنصتها دور مركزي في أيّ محادثات ومفاوضات قادمة، والجبير وزير الخارجية السعودي الذي طالما كان يتشدّق، بأنه لا حلّ سياسي للأزمة السورية إلا برحيل الأسد، فإذا بأسياده يرحّلونه من منصبه، لكنه قبل ذلك كان بقّ الحصوة في وجه الائتلاف السوري المعارض وغيره من المنصات المعارضة الأخرى، بأنّ الحلّ سيكون ببقاء الأسد، وعلى المعارضة السورية أن ترتب أمورها على هذا الأساس.
واضح بأنّ قاعدة التنف العسكرية الأميركية التي كان الهدف منها، منع التواصل البري الإيراني مع العراق وسورية بإتجاه لبنان، قد فقدت قيمتها العسكرية، ولا مناص من تفكيكها حيث الحشد الشعبي نجح بالوصول الى مثلث الحدود العراقية – السورية الأردنية، والجيش السوري قطع أوصال البادية الشرقية مع الأرياف، ويمنع تواصل قوات المعارضة مع قوات سورية الديمقراطية.
المشهد السوري يشهد تطورات متسارعة، وانهيارات متتالية في صفوف قوى المعارضة وقياداتها، وإرباكات في المحور الداعم لها، في كيفية التعاطي مع النتائج المترتبة على استعادة سورية لمكانتها ودورها واستعادة عافيتها وجغرافيتها، أميركا و«إسرائيل» الأكثر قلقاً وإرباكاً من التطورات والتغيّرات الدراماتيكية الحاصلة في المشهد السوري، فـ»إسرائيل» أجرت مباحثات سياسية مع أميركا وروسيا، حول جنوب سورية، والتخوّف من إمكانية بقاء قوات إيرانية وحزب الله في تلك المنطقة، وما يشكله ذلك من خطر على أمنها ودورها ووظيفتها ومستقبلها، وليس فقط التحسّس من هذا الخطر، بل ما حققه حزب الله من نصر استراتيجي كبير في تحرير جرود عرسال في زمن قياسي، والآن تحرير جرود القاع ورأس بعلبك والقلمون الغربي بالتعاون والتنسيق بين الجيشين السوري واللبناني يثبت بأنّ حزب الله بات أكثر قوة وتجربة وخبرة وتدريباً وتسليحاً، ولعلّ مشاهدة اليافطات المرفوعة من قبل مقاتلي الحزب، نحن نتدرّب في النصرة تمهيداً لمعركة الجليل، دقت ناقوس الخطر، عند الإسرائيليين والأميركان، وكذلك العديد من القوى المحلية اللبنانية الدائرة في فلك المحور السعودي – الأميركي الإسرائيلي، فلعلّ الجميع يتذكر جيداً في الحرب العدوانية التي شنّتها «إسرائيل» على لبنان والمقاومة في تموز 2006، سعت أميركا و«إسرائيل»، الى ان يتضمّن قرار وقف إطلاق النار، تشكيل قوات متعدّدة الجنسيات، من حلف الإطلسي، يكون لها مهامّ قتالية وعسكرية تحت الفصل السابع، وان لا يكون انتشارها فقط في منطقة جنوب اللبناني، بل على الحدود السورية اللبنانية لمحاصرة حزب الله وتجريده من سلاحه، وقطع خطوط إمداداته العسكرية، ولكن وقتها رفض حزب الله والرئيس المقاوم إميل لحود هذه الشروط واستعيض عن ذلك بالقرار 1701، والذي يشترط فقط نشر قوات «اليونيفيل» الدولية على حدود لبنان الجنوبية، دون الحدود اللبنانية السورية، رغم انّ فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اللبناني آنذاك وأحد أقطاب 14 آذار كان موافقاً على ذلك، بل كان يطالب بذلك…
أميركا تواصل تحريضها على حزب الله، ودائماً نسمع تهديدات أميركية بتوجيه ضربة لحزب الله، وخاصة بعد استكمال تحرير جرود رأس بعلبك والقاع من دنس وفلول بقايا «داعش»، وضغوط كبيرة تبذل من قبلها ومن قبل «إسرائيل» وقوى الرابع عشر من آذار والمحور العربي الدائر في الفلك نفسه، بالسعي لكي يجري تطبيق القرار الأممي 1701 على الحدود اللبنانية – السورية، بحيث يجري عزل لبنان عن سورية اولاً وقطع خطوط إمدادات حزب الله، ومن ثم السعي لتجريد حزب الله من سلاحه، على اعتبار انه سلاح ميليشيا، وليس سلاح مقاومة.
في عام 2006، رفض محور المقاومة هذه الشروط، ولم يكن بقوته وبعافيته وباتساع شبكة علاقاته وتحالفاته، كما هو الآن، كذلك لم تتوفر له تلك الحاضنة الشعبية المتوفرة الآن، وكيف سيوافق هذا الحلف، وهو يحقق إنجازات وانتصارات متسارعة على كلّ الجبهات…؟
المشروع الأميركي يسقط بامتياز في الشام، وسورية تخرج منتصرة من حرب عالمية ثالثة شنّت عليها، بفضل صمود جيشها وشعبها والتحام القيادة بالشعب، فالقيادة لم تبرح الميدان، ولم تسقط لا في أسبوعين ولا في شهرين ولا في سنتين، بل بقيت تقارع اعداءها، رغم الحجم الكبير من الدمار والتخريب والقتل والتشريد، وحزب الله خرج من الحرب التي خاضها كتفاً الى كتف مع الجيش السوري دفاعاً عن سورية وعن وجوده وعن محور المقاومة، خرج قوّة يُحسب لها ألف حساب، ليس على مستوى لبنان او العالم العربي، بل قوة يحسب لها الف حساب إقليميا ودولياً.
الرئيس الأميركي المتغطرس والمتعجرف ترامب، والمهدّد عرشه بالسقوط نتيجة الاستقالات الكبيرة من إدارته والاعتراضات الواسعة على سياساته الداخلية، وكذلك نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال المثقل بفضائح الفساد والرشاوي، قد يجد ضالته والخروج من مأزقه، ومأزق تنحيته عن السلطة والذهاب المبكر للسجن بشنّ حرب على حزب الله وسورية، وكذلك السعودية التي مشروعها يلقى الهزيمة في أكثر من ساحة من اليمن الى لبنان فسورية، تلتقي مصالحها مع مصالح ترامب ونتنياهو، بأنّ المخرج والمنقذ لهم من تلك الأزمات والفشل والخسارة، هو الحرب، الحرب التي ستتدحرج الى ما هو أبعد من لبنان وسورية، ونتائجها سيتوقف عليها مصير الإقليم والمنطقة، لكي ترسم معادلات وتحالفات جديدة في الجغرافيا السياسية للمنطقة، ونكرّر هنا ما قاله السيد نصرالله، بأنّ عهد الهزائم قد ولى، وبأنّ نصراً كبيراً سيتحقق لكلّ محور المقاومة وحلفائه.
Quds.45 gmail.com