رئيسان قويّان وسيّد مقاوم…
رنا صادق
على وقع المرحلة النهائيّة من معركة الجرود في تحرير سلسلة جبال لبنان الشرقيّة من إرهابيّي «داعش» التي انطلقت السبت الماضي، تبرز أهميّة أداء القائد الأعلى للقوّات المسلّحة الرئيس ميشال عون عبر تمسّكه بثوابت قسمه الذي أدلى به منذ انتخابه رئيساً للبنان، ووعده في مجابهة أيّ نوع من العدوان والإرهاب قد يهدّد أمن وأمان لبنان.
فمنذ بدء عملية «فجر الجرود» وهو على خُطى ثابتة في تقديم العون والعزيمة لجنود وضبّاط الجيش اللبناني، حيث واكب سير المعارك التي يخوضها الجيش في منطقة رأس بعلبك والقاع وتلال السلسلة الشرقيّة عن كثب، من غرفة العمليّات العسكرية في وزارة الدفاع، إلى جانب وزير الدفاع الوطنيّ يعقوب الصرّاف و قائد الجيش العماد جوزيف عون ، حيث أعطى للمعركة شرعيّة سياسيّة وطنيّة غير مسبوقة، وتأييداً على مستوى الجمهوريّة، وعزّز معنويّات الجنود الذين يواجهون الخطر الدامي من أولئك الإرهابيّين، ورفع مستوى الثبات والعزيمة لدى الجيش والشعب على حدٍّ سواء، وبذلك يكون عون برهن مقولة «الرجل المناسب في المكان المناسب» مشاركةً وفعلاً، وشكّل بذلك الروحيّة الوطنيّة التي يجب التمتّع بها خلال مواجهة هذا النوع من التحدّيات والعدوان والظروف.
إلى ذلك، قام الرئيس عون بمتابعة تفاصيل الخطط العسكريّة وسياق تنفيذها بمعنويات عالية بعثت الأمل في قلب لبنان جنوداً وشعباً. فبعد فراغ دام فترة طويلة، جاء اليوم «بيّ الكلّ» ليثبت أنّه باقٍ على العهد الذي عاهد اللبنانيّين عليه أواخر العام 2016، فقد استطاع تشكيل رأي عام موحّد اتجاه عمليّة «فجر الجرود» بين أفراد شعبه جميعهم، باختلافاتهم المذهبيّة والمناطقيّة والحزبيّة.
هذه المرحلة اللافتة تحتاج إلى موازاة في سلسلة القوى، بين العمليّات العسكريّة والدوافع السياسيّة التي من المفترض أن تصبّ أهدافها في المصلحة الوطنيّة البعيدة كلّ البعد عن الشخصنة والمصلحة الفردية والتجاذبات والتجادلات السياسية التي لا معنى لها حالياً، فعلى الجميع مساندة الجيش، وتوسيع «بيكار» العقول والتركيز على النتائج التي سيؤول إليها وضع لبنان أولاً وأهالي البقاع ثانياً، بعد تحرير الأراضي في الجرود.
وطنيّة شبيهة بتلك التي تمتّع بها الرئيس السوري بشّار الأسد، الذي صدّ وصمد في مواجهة الإرهاب الدوليّ إلى جانب شعبه وأرضه منذ العام 2011، فالرئيسان الأسد وعون يقودان محوراً إقليمياً قومياً فاعلاً، ويعملان بكلّ شرف ووفاء للوطن لحماية وصون حدوده.
خلال خطابه الأخير في مؤتمر وزارة الخارجيّة، أشار الرئيس الأسد إلى أنّ سورية قلعة حصينة بتلاحمها، عظيمة بأمجادها الشامخة بشعبها في كلّ محافظة، في كلّ مدينة وفي كلّ بلدة وقرية. وهذا تأكيد واضح أنّ حصانة سورية باقية حتى آخر نفس، وعين حارسها بالمرصاد على أيّ نوع من العدوان والإرهاب. كما أنّ السياستَيْن الداخليّة والخارجيّة لسورية محصّلتهما كوّنت حالة من «الوحدة الوطنيّة في سورية غير المسبوقة» كما لفتَ الأسد، الأمر الذي تؤكّده مجريات الأمور في المنطقة على أحقّية الهدف السوري وحقيقته.
تُترجم خطى الأسد أرضاً وواقعاً منذ بدء الحرب على سورية، خصيصاً في هذه الآونة بعد أن باتَ الإرهاب يتفشّى في غالبيّة مناطق العالم، والمسؤول واحد ومعروف. وبات تعزيز الوعي الشعبيّ السوريّ الوطنيّ هو الرصيد الذي يحمي سورية في كلّ مفاصلها، الأمر الذي يستوجب التصالح مع الذات والعودة إلى حقيقة الأمور، ورؤيتها بعين الوطن خلف ظلال نظامها ودستورها، لأنّها هي الرادع الأول والأساسي لأيّ مخطّط دامي هادف لتفكيك سورية.
إلى ذلك، إنّ البُنية السوريّة كدولة، أرضاً وشعباً ومؤسّسات، قادرة اليوم أكثر من قبل على صدّ المؤمرات السياسيّة التي فشل الخصوم في تحقيقها من خلال الإرهاب، خصوصاً من خلال رفض أيّ تعاونٍ أمنيّ، وفتح سفارات مع الدول الداعمة للإرهاب.
فشل هذه المخطّطات يتّضح شيئاً فشيئاً، وينفتح رويداً باب الإصلاح والإعمار من جديد، وكلّ الأزمات التي مرّت بها سورية هي مصدر قوّة لا ضعف، وقف خلفها، وسيبقى دائماً، رئيسٌ من الطراز الأول… إلى جانب شعبه في كلّ المحن.
لسورية أهداف وتوجّهات مستقبليّة للسياسة العامّة للبلاد القائمة على تدعيم الوطنيّة، من خلال سحق الإرهاب المتبقّي أولاً، ثمّ العمل توازياً على الإعمار الاقتصاديّ الثقافيّ والمجتمعيّ ثانياً.
وبالانتقال إلى التنسيق بين الجيشَين اللبنانيّ والسوريّ في عمليات الجرود، فقد كانت تسيطر «داعش» على حوالى 296 كلم مربع من الجرود، منها في لبنان 141 كلم مربع تقريباً، وفي سورية 155 كلم مربع تقريباً، هذه النسب كفيلة بأن تطرح تنسيقاً ميدانياً في الخطوات، أولاً من أجل سلامة الجنود من الجهتَين اللبنانيّة والسوريّة، ثانياً للسيطرة على المناطق سريعاً بالتوازي ثمّ تمشيطها.
المقاومة متمثّلةً بشخص أمينها العام السيد حسن نصرالله مدركة فعلياً صواب القرار السياسي والدور الذي يقوم به عون منذ لحظة انتخابه رئيساً حتى اليوم، بعد أن حصدت ثمار رئاسته اليوم، كما تعلّق آمالاً كبيرة على وجود مثل العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة.
السيد، استطاع بقدرة رؤيويّة للمستقبل أن يرسم عهداً جديداً للبنان وسورية عبر خوض مجاهديه معارك السيادة والكرامة، إنْ كان في معركة جرود عرسال أو المعركة الحاليّة.
وقفت المقاومة جنباً إلى جنب مع الجيش اللبناني، ووضعت كافة إمكانيّاتها اللوجستيّة والعسكرية بمتناوله، وحاربت معه، من أجل لبنان، ومستقبل شعبه. أجنحة المقاومة الصامدة تنزف شهداءً، وتزرع بذور الوطنيّة لتحصد وطناً سالماً آمناً، وحدوداً محفوظة.
وبذلك، فإنّ تشكّيل ثالوث الرئيسَين القويّين والسيد المقاوم، كوّن رافعة خلاص لواقع الإرهاب من خلال رؤية استراتيجيّة أدركت استحقاقات الوضع، فتصرّفت حيالها بحنكة مبطنة وظاهرة في آنٍ.
المرحلة السابقة تبسط اتّجاهاتها أمام المرحلة المقبلة، وتفرض دوليّاً قوة إقليميّة وقوميّة قادرة على أداء تجربة صون الكرامات والسيادة المتمثّلة بهذا الثالوث، مع الإشارة إلى أنّ التعاون القائم يصبّ بالدرجة الأولى في مصلحة اللبنانيّين، خصوصاً مع انطلاق مسيرة إعادة إعمار سورية، وفتح سوق العمل، فما هو عندها رأي أصحاب سياسة النأي بالنفس؟ وهَل سيُمنع اللبنانيّون من الحصول على فرص واعدة لتحسين أوضاعهم المعيشيّة، فقط إرضاءً لبعض الذين يكابرون ويستمرّون من باب الكيد والنكد السياسي في معارضتهم للنظام القائم والمستمرّ في سورية…؟