انهيار خرافة دولة الخلافة… بعد الموصل تلّعفر… والتحرير الثاني كلمة الفصل نصرالله يُطلّ الليلة لوضع النقاط على حروف الحرب… داعياً إلى احتفال النصر
كتب المحرّر السياسي
فجر أمس، كانت الساعة الصفر للهجوم الحاسم للجيش اللبناني من جهة الجرود والجيش السوري والمقاومة من جهة القلمون لتصفية آخر معاقل داعش في الجيب الحدودي الأخير بين لبنان وسورية، فتجمّعت الحشود وتقدّمت وحدات النخبة من المواقع الأمامية وبدأت النيران التمهيدية، ليصل إلى المعنيين في قيادة المقاومة وإلى المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم ما يقول بأنّ الشروط المعروضة للاستسلام تمّ قبولها من قيادة داعش في الرقة، بناء على طلب قيادة القلمون، لتبدأ الترتيبات بتسلّم خرائط تدلّ على مكان دفن جثامين شهداء الجيش والمقاومة، ويُعلن وقف النار الساعة 7 صباحاً، وتسير الخطوات المتسارعة لنقل الجثامين، وتحضير الناقلات لتأمين انسحاب ما يقارب خمسمئة مسلّح وعائلاتهم بما يقارب الألف ومئتي شخص كمجموع للذين يغادرون اليوم منطقة الجرود والقلمون. وتنتهي مساء اليوم بمغادرتهم الصفحة السوداء التي افتتحها تجاهل فريق لبناني لخطر الإرهاب انسجاماً مع أوهامه بالمشاركة في حرب إسقاط سورية وضرب المقاومة معرّضاً سلامة لبنان وأمنه واستقراره لمخاطر كلفت الكثير، وكانت خاتمتها الحزينة شهادة العسكريين المخطوفين، الذين أُخذوا ذات ليل، والبعض يصرّح أن هؤلاء الخاطفين حلفاؤنا وأصدقاؤنا وهم ثوار وليسوا إرهابيّين، ويقول آخر إنّ داعش كذبة، ليقفوا اليوم وكأنّهم بلا ذاكرة أو يفترضون أنّ اللبنانيين بلا ذاكرة يذرفون دموع التماسيح على شهداء تسبّبوا هم بمقتلهم وباعوا معهم كرامة وطنهم وأمنه لحساب أوهام وتبعية مشروع تخريب سورية، وهم يتشدّقون بأكذوبة النأي بالنفس.
انهارت خرافة دولة الخلافة، فمن الموصل إلى انتصارات تلعفر القياسية يُطلّ التحرير الثاني، الذي استعاد فيه لبنان وسورية ما يعادل مساحة لبنان من يد تنظيمات الإرهاب التي أرادت الشرّ للبلدين ووقف لها الجيش السوري والجيش اللبناني والمقاومة بالمرصاد، وكانت الخاتمة اليوم برحيل هؤلاء المهزومين مستسلمين، بعدما صُنعت لهم أسطورة القوة التي لا تقهر، كما صُنعت من قبلهم لـ»إسرائيل»، وتكفّلت المقاومة في المرتين بتظهير بيوت أوهن من بيت العنكبوت. وها هم الأميركيون الذين خرج رئيسهم السابق باراك أوباما يبشّرنا بالاستعداد للتعايش لعشر سنوات على الأقلّ، يستعجلون إخلاء «دواعشهم» الثمينة بإنزالات كومندوس لسحبهم عبر المروحيات من منطقة دير الزور، إيذاناً بقرب نهاية الخرافة.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله رمز المقاومة التي كانت القيمة المضافة في كلّ حروب المواجهة على مساحة المنطقة مع المشروع الأميركي «الإسرائيلي» مباشرة، أو بنسحته التكفيرية الإرهابية، يُطلّ مساء اليوم ليضع النقاط على حروف النصر الكبير، معلناً الاحتفال بعيد التحرير الثاني، داعياً اللبنانيين، كما كلّ مرة، ليكونوا رغم الانقسامات السياسية شركاء في هذا النصر.
«وقف النار» حيّز التنفيذ و«داعش» إلى دير الزور
انتهت العملية العسكرية في جرود القاع ورأس بعلبك والقلمون الغربي بعد أسبوع من المواجهات الميدانيّة، وأجبر الجيش اللبناني بالتعاون مع الجيش السوريّ وحزب الله تحت النار مسلّحي «داعش» في الجرود على الاستسلام والرضوخ للتفاوض وقبول اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ أمس، حيث تمّ العثور على رفاتات العسكريين المختطفين لدى «داعش» في إحدى المقابر في «دار الدب» في جرود عرسال، بينما وصلت سيارات الهلال الأحمر السوري الى منطقة قارة في القلمون لنقل المسلحين وعائلاتهم الى منطقة البوكمال في دير الزور.
وقد تولّى حزب الله مسألة التفاوض مع «داعش» بالتنسيق مع الدولة السورية، بعد أن انسحب مسلحو «التنظيم» الى داخل الأراضي السورية إثر ضربات الجيش اللبناني، وباتوا محاصَرين في بقعة ضيقة جداً وتحت حصار قاسٍ من حزب الله والجيش السوري.
ويُسجَّل للجيشين اللبناني والسوري والمقاومة أنهم أجبروا هذا «التنظيم» الإرهابي الذي يرفض منطق التفاوض والاستسلام ويقاتل حتى الموت، على التفاوض بالقوة. وقد تكون المرة الأولى الذي يحصل ذلك، ما يثبت بالميدان مرة أخرى نجاح المعادلة الألماسية التي أعلنها قبل أيام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي يُطلّ مساء اليوم للحديث عن آخر تطوّرات معركة الجرود في لحظاتها الأخيرة. وشرح تفاصيل عملية التفاوض وبنود اتفاق وقف النار وإعلان الانتصار ونهاية تنظيم «داعش» في الجرود الحدودية اللبنانية السورية.
ويتضمن الاتفاق النقاط التالية: وقفاً نهائياً لإطلاق النار بين طرفَيْ القتال حزب الله والجيش السوري والجيش اللبناني من جهة وداعش من جهة أخرى، وكشف مصير جثامين العسكريين اللبنانيين الثمانية وإرشاد موفد حزب الله للمكان، وتسليم جثامين خمسة شهداء للحزب كانوا استشهدوا في القلمون الغربي منذ بداية العام الحالي، وتسليم أسير آخر للحزب كان أُسر في البادية السورية بداية الصيف الحالي، في مقابل تأمين انسحاب المسلحين مع سلاحهم الفردي الخفيف مع عائلاتهم والبالغين 1777 وتأمين خطّ انسحابهم عبر أحد معبرَي ميرا أو مرطبيا إلى البوكمال في دير الزور السورية وضمان وصولهم بموافقة القيادة العسكرية الميدانية السورية وحزب الله».
ووصلت أمس، 17 حافلة و10 سيارات للهلال الأحمر السوري إلى منطقة قارة في القلمون الغربي لإخراج مسلحي داعش من جرود القلمون، إلى البوكمال في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، حيث ستبدأ مرحلة المغادرة في ساعات متأخرة اليوم وفق ما تمّ الاتفاق عليه.
.. والعسكرّيون رفاتات بانتظار الـ «دي آن آي»
وكان المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم قد كشف أمس، عن «استخراج 8 جثث يُعتقَد أنّها تعود للعسكريين المخطوفين ». ووفق المعلومات المتوافرة، فإن الجنود اللبنانيين الثمانية استُشهدوا في شباط 2015 الماضي، والمسؤول عن مقتلهم هو مَنْ يُسمّى «أمير داعش الشرعي» ولقبه «أبو بلقيس» يرافقه أبو طلال الحمد أمير التنظيم حينها في الجرود اللبنانية. وهو الذي نفـّذ خطف العسكريين، وعقب عملية التصفية التي نفّذها غادر إلى الرقة وبرفقته مجموعة خاصة به تتمثل بقيادات داعشية شاركت في خطف الجنود اللبنانيين. وتفيد المعلومات أنه عقب وصولهم إلى الرقة نشب خلاف قويّ بينه وبين مجموعته تلك على خلفية تصفية الجنود اللبنانيين، عمد إلى تصفية المجموعة بواسطة تفخيخ السيارة التي كانوا يستقلّونها، كي لا يبقى أثر يمكّن من المتابعة لهذا الملف بشكل مباشر لهذه القضية سوى القيادة المركزية للتنظيم الإرهابي داعش».
وتأكدت جميع المعطيات عن المقبرة الجماعية والتي تضمّ ثمانية رفاتات، حيث وجد في أقدامها جميعاً بقايا الحذاء العسكري البوط ، ما يدلّل على أنها عائدة الى العسكريين الثمانية الذين تمّت تصفيتهم على أيدي داعش».
وقال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إننا «ننتظر نتائج الحمض النووي في موضوع العسكريين المخطوفين، ولكن الأمر شبه محسوم للأسف استناداً الى مؤشرات كثيرة».
وأفادت قيادة الجيش في بيان أنه «في إطار متابعة العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش الارهابي تمّ العثور في محلة وادي الدّب جرود عرسال على ثمانية رفاتات لأشخاص، وقد تم نقلها الى المستشفى العسكري المركزي لإجراء فحوص DNA والتأكد من هوية أصحابها. وسيصار الى إصدار بيان فور ورود نتائج فحوص DNA».
ونقلت ثماني سيارات تابعة للصليب الأحمر اللبناني جثامين شهداء الجيش الثمانية إلى وادي حميد في جرود بلدة عرسال اللبنانية، ثم إلى المستشفى العسكري في بيروت لإجراء فحوص الحمض النووي، بمواكبة أمنية من الجيش والأمن العام اللبناني، بالتزامن مع بدء طلائع عودة قوافل مؤللة للجيش من القتال إلى ثكناتها في وادي البقاع اللبناني.
وفي تصريح له من خيمة أهالي العسكريين المخطوفين من ساحة رياض الصلح ، أشار إبراهيم إلى أنه كانت لدينا معلومات عن استشهاد العسكريين منذ شباط 2015، لكننا لم نستطع أن نؤكد ذلك»، مشيراً إلى أنه «كنتُ أتمنى أن تكون نهاية هذا الملف كغيره من الملفات السابقة».
وأعلن أنه «ننتظر نتائج اختبار الحمض النووي لنتأكد من الشكوك التي لدينا، لكننا شبه متأكدين من أن الجثث هي للعسكريين المخطوفين».
وأوضح اللواء إبراهيم أن مَن استسلم من «داعش» هم من أخبرونا بعد التحقيق معهم بمكان العسكريين والباقون من داعش سيتمّ ترحيلهم إلى سورية .
ورداً على سؤال، شدّد اللواء إبراهيم على أننا «لم نساوم. ونحن في موقع المنتصر والفارض للشروط».
إبراهيم موفد رسميّ إلى سورية
وقالت مصادر مطلعة على المفاوضات لـ «البناء» إن «اللواء إبراهيم كان الممثل الرسمي للدولة اللبنانية في المفاوضات مع داعش. وقد تم تفويضه رسمياً من قبل وزير الداخلية نهاد المشنوق في احتفال الأمن العام وبحضور رمز وممثل الدولة رئيس الجمهورية. وهذا يعبر عن موافقة الحكومة على هذا التفويض وقد اكتفت الحكومة السورية بهذا التكليف وأبدت تعاونها للتنسيق لإنجاح المفاوضات وإخراج المسلحين عبر أراضيها إلى دير الزور».
وأشارت المصادر إلى أن «قيادة داعش أصرّت حتى اللحظات الأخيرة على رفض انسحاب المسلحين، لكن وعندما تحدّدت الساعة الصفر لهجوم الجيش السوري والمقاومة لبدء الهجوم الأخير والحاسم، هدّدت قيادة المسلّحين في الجرود قيادة داعش في سورية بتسليم أنفسهم إلى الجيش السوري والمقاومة، لكن قيادة الرقة فضّلت انسحابهم إلى دير الزور للاستفادة منهم في معارك التنظيم هناك، فوافقت على انسحابهم ضمن تسوية».
وكان الجيش اللبناني قد أوقف إطلاق النار إفساحاً للمجال أمام المرحلة الأخيرة للمفاوضات المتعلقة بمصير العسكريين المختطفين. وتزامناً أعلن الجيش السوري وحزب الله وقف إطلاق النار ابتداءً من الساعة 7 صباحاً أمس الأحد في سياق اتفاق شامل لإنهاء المعركة في القلمون الغربي ضدّ تنظيم «داعش».
وقالت مصادر عسكرية لـ «البناء» إن «وقف إطلاق النار حصل بعد انهيار المسلحين وقبولهم التفاوض وتحقيق الأهداف التي وضعتها قيادة الجيشين اللبناني والسوري والمقاومة للعملية. وبالتالي تحقيق انتصار ميداني على التنظيم»، ولفتت الى أن «الانهيار المتدحرج والمتسارع لداعش أتى قبيل وقت قصير من بدء الهجوم الذي حدّدت له الساعة الصفر فجر أمس. كما أن عدد المسلحين الذين بقوا في الميدان لا يسمح لهم بخوض معركة واسعة النطاق والجبهات ومع ثلاث قوى، فكانوا أمام خيارات ثلاثة، إما القتال حتى الموت وعائلاتهم وإما الاستسلام مع الاعتقال والسجن وإما الاستسلام مع الانسحاب ضمن تسوية، فاختاروا الخيار الأخير».
وأوضحت المصادر أن «داعش اعتمد منذ بداية المعركة الاسبوع الماضي استراتيجية القتال التراجعي مراهناً على تبدّل في الموازين الدولية لمصلحتهم، لكن عندما تيقّنوا أن كل العالم تركهم رضخوا للتفاوض والانسحاب».
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد بحث مع السيد حسن نصرالله ، في اتصال هاتفي، ملف العكسريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش» الإرهابي ما يؤكد التنسيق بين المقاومة والدولة في معركة الجرود وملف التفاوض لاسترجاع رفاتات الشهداء العسكريين.
وكان عون قد أكد في كلمته بمناسبة العيد الـ72 للأمن العام أنه «كما تحرّرت جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك، نتطلع كذلك إلى تحرير ما تبقى من أرض الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، ليكتمل فرحنا ونكمل ما نقص من سيادة لبنان». ونوّه بـ «الدور الأمني والوطني الكبير الذي يضطلع به المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والنجاحات المتتالية التي حققها بمهمات حساسة وملفات أمنية دقيقة».
توقيف إرهابي
وفي حين واصل الجيش قصفه مراكز المسلحين في الجرود تابعت استخباراته في الداخل ملاحقتها الخلايا الإرهابية النائمة، حيث أوقفت مديرية المخابرات المدعوّ حسن حمد الحسن لانتمائه إلى «داعش» وقد كُلّف من قبل التنظيم بالتحضير لاغتيال أحد كبار ضباط الجيش بواسطة عبوة ناسفة أو عملية قنص، وقد قام بمراقبة محيط منزل الضابط العام المذكور. كما عمل على تحضير عبوات ناسفة لتنفيذ تفجيرات تستهدف آليات ومراكز للجيش وقرىً شمالية، كما قام بتزويد أحد قياديي «داعش» بمعلومات حول استعدادات الجيش اللبناني لمعركة «فجر الجرود».
قرار عقوبات مخفّف
على صعيد ملف العقوبات الأميركية المالية على لبنان، أفادت وكالة «رويترز » نقلاً عن مصادر سياسية ومصرفية، بأن السلطات الأميركية قرّرت تخفيف العقوبات المتوقع أن تُفرض على « حزب الله » اللبناني». وأكدت المصادر أن «المشروع المعدل الذي أحيل إلى الكونغرس في أواخر تموز الماضي لا يحتوي على نقاط كانت تستدعي بالغ قلق بيروت» ، موضحة أن «المشروع، مقارنة مع صيغته السابقة، يركز الاهتمام على اختيار أهداف العقوبات، ولا يستهدف اللبنانيين الشيعة» .
وأوضحت المصادر أن التعديلات الأخيرة تمنح الرئيس الأميركي الحق في اختيار أهداف العقوبات، وتتطلب استهداف شخصيات تقدّم «دعماً مالياً ومادياً وفنياً هاماً» لـ «حزب الله» ولن تشمل رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري و حركة «أمل».
وفي موازاة ذلك، وبعد سقوط مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن الدولي بتعديل القرار 1701 وتوسيع صلاحية القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، دعا مندوب «إسرائيل» لدى الأمم المتحدة ، داني دانون ، مجلس الأمن الدولي لـ «تعزيز تفويض قوات اليونيفيل في لبنان لتكون قادرة على التعامل مع التهديدات التي يشكّلها حزب الله »، مشيراً إلى أن «المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي على حق، وقوات اليونيفيل لا يمكن أن تبقى عمياء لا ترى تكديس حزب الله الأسلحة في جنوب لبنان ، وعليها أن تضع حداً لانتهاكات حزب الله، لضمان استتباب الهدوء في المنطقة وتعمل «إسرائيل»، وبالتنسيق مع الإدارة الأميركية ، في أروقة الأمم المتحدة من أجل إحداث تغييرات في مهام قوات اليونيفيل ، بغية منحها المزيد من الصلاحيات التي تخولها مواجهة حزب الله عسكرياً».