دعم الإرهاب رسمياً.. استراتيجية سافلة
لور أبي خليل
يُعدّ الخطاب السياسي منظومة فكرية تحتوي الكثير من المفاهيم التي تفسّر الواقع الاجتماعي في حقبة زمنية معينة. إلا أنّ للخطاب السياسي ثلاث ركائز يعتمدها الخطيب. وهذه الركائز هي مفاهيم تمّ تفسيرها من باحثين عديدين، وهي «الهوية والانتماء والسلطة»، أما الدور الذي يؤدّيه الخطاب السياسي يهدف الى إيصال رسالة محدّدة الى بيئة محدّدة عادة ما تُعرَف بـ»البيئة الحاضنة»، كما أنّ للخطاب وظيفة استقطابية يسعى من ورائها الخطيب الى إقناع الجماعة بما يقوم به، أو بما يريد القيام به، ولكي يكون كلامه مقبولاً يجب أن يكون الفعل الإجرائي صادقاً ومستنداً الى مجمل الخطاب.
وهنا يُطرح السؤال التالي: ما الفرق بين الخطاب السياسيّ البناء المقاوم والخطاب السياسي الهدّام التحريضي؟
إنّ الخطاب السياسي هو شكل من أشكال الخطاب يكون تقدّمياً عندما يُبنى على أسس تستهدف الوحدة الاجتماعية
والتماسك الاجتماعي، ويكون اعتباطياً عندما يؤدّي إلى التوجيه الهدام. ففي الخطاب البنّاء يتناول الخطيب مفهوم «الهوية» التي يفترض على السلطة الحفاظ عليها، لأنها وحدها تساعد الفرد في الانصهار داخل محيطه. أما التحضير للخطاب البنّاء المقاوم فيجب أن يستند الى قيمتين «الحق العام والخير العام»، لأنه بإرساء معايير الحق العام المرتبطة ببناء دولة القانون والمؤسسات يمكن إقناع أكبر شريحة من المجتمع بالقبول والتسليم بصدقية الخطيب فيصبح الخطيب محطّ ثقة من الجميع وحتى من الأعداء والخصوم السياسيين. وهنا أقصد خطاب المقاومة الذي يؤكد ثباته مع الجيش والشعب، والذي سوف يؤدّي حكماً الى الوحدة الاجتماعية والانصهار الوطني. أما الخطاب السياسي الهدام التحريضي فيبنى على التحريض المذهبي وعلى وظيفة إخفاء الحقائق، بل والمراوغة في سرد الوقائع.
وهذا النوع من الخطاب التحريضي تستعمله الدولة الصهيونية منذ نشأتها لتضليل الحقائق وإخفائها. وهذا النوع من الخطاب أباح للقادة الصهاينة أن يستعملوا جميع الوسائل الممكنة من قتل وإبادة وتدمير تحت ذريعة أحقية لمّ الشتات اليهودي والاستيطان. وهذا هذا النوع من الخطاب أدّى الى ولادة الأخطبوط السرطاني الصهيوني الذي يتحرك في قلب أمتنا للسيطرة على حقنا وأرضنا. وهنا نستطيع القول إنّ الخطاب السياسي يتلوّن بحسب الموقع الذي يصدر عنه، فيمكن أن يمدح أو يدافع عن الخيارات السياسية المرتبطة بالخارج، والتي غالباً ما تكون خيارات فئوية تحريضية مذهبية تصبّ في مصلحة العدو الصهيوني وتضعه في خانة الدفاع عن النفس، وكلّ هذا لجذب الرأي العام العالمي لمصلحتها وللدفاع عن أهدافها. إن هذا الفرق بين الخطابين ظهر بشكل واضح في لبنان وسورية والعراق عبر استعمال الخطاب التحريضي الذي يضعف من الأفعال ومن العمليات البطولية التي تقوم بها المقاومة. إنّ الانتصارات التي تحققها المقاومة في لبنان وسورية والعراق ما هي إلا إنجازات فعلية تثبت القوة الفاعلة لمقاومتنا وتؤكد النصر الآتي لشعبنا وأمتنا، وتغيّر خارطة الطريق التي رسمتها غونداليسا رايز وتمنع «إسرائيل» من تحقيق مخططاتها ومآربها في السيطرة على ثرواتنا وأرضنا. وهنا طبعا نكون نحن في خانة الدفاع عن النفس. أما ما قامت به الجماعات الإرهابية في سورية ولبنان والعراق ما هو إلا عدوان على الحق العام ومسّ بالخير العام يخدم فقط العدو «الإسرائيلي».
أما الحدث الذي حصل في لبنان في جرود عرسال فهو عدوان على سيادة لبنان، والخطاب السياسي التحريضي الصادر من بعض القادة اللبنانيين يندرج ضمن ردة فعل مرتبطة بالخارج فريدة مباشرة وعبثية. وهي شكل من أشكال التمييع والضعف المتصاعد. فبعض من المسؤولين اللبنانيين وجّهوا عبر وسائل الإعلام رسائل مبطنة يطلبون فيها من الإرهابيين أن يستأنفوا عملهم، وكأن بين أيديهم المفتاح وطريقة استعماله. هذه الرؤية الاستبدادية هي استراتيجية سافلة غير قابلة للتخيّل. فهذا الحدث غير قابل للتصديق والخطابات السياسية الصادرة عن هؤلاء ممتلئة بالتضليل مصحوبة بتبعات يمكن وضعها في خانة العمالة.
استطيع القول هنا إنّ الواقع صورة مرعبة وواقعية بامتياز وإنّ تآمر بعض زعماء الطوائف على المقاومة هو وظيفة استقطابية لا تخدم الا العدو الصهيوني. فالصورة التآمرية أمر يتجاوز الخيال والعنف الإرهابي الذي طال الجيش والشعب والمقاومة لا يمكن أن يكون مدعوماً الا من الصهاينة. فكيف يمكن لقائد لبناني أن يتآمر مع العدو لإلغاء المقاومة؟ وأن ينتظر أن ينتصر الإرهاب ضدّ الحق العام وضدّ المقاومة التي تدافع عن بقائنا وشرفنا؟ هذا الحدث أظهر نية العملاء وحقدهم وتعصّبهم وردود فعلهم الانتقامية التي تحوّلت إلى حقيقة مخزية سمحت للإرهابيين أن يتصرّفوا تحت مبدأ الهيمنة على المجتمع اللبناني، لذا رأينا أن الإرهابيين لم يتراجعوا في مشروعهم إلا عندما شعروا بالهزيمة، خصوصاً أن الخطاب السياسي التحريضي بدا وكأنه يطالب الإرهابيين ان يستأنفوا عملهم ببطء. وإذا غافلنا هذه اللحظة نرى اننا نفقد كل إمكانية لفهم ما حدث في الآونة الأخيرة من تآمر على لبنان وعلى المقاومة وحتى على الجيش وأمام حدث فريد كهذا لا بد من ردة فعل مباشرة وفاعلة تستخدم المقاومة فيها الطاقة الكامنة للحدث وتؤكد التضامن بين ثلاثية المثلث الإيجابي الذي يجمع بين الشعب والجيش والمقاومة. فلا يمكننا إلا أن نؤكد ان افعال المقاومة يفترض أن تكون ثقافة شعبية تدخل بواسطة التربية الاجتماعية. ولا بد أن تصبح حماية الذات الوطنية واجباً مقدساً تفرض على كل مواطن، فالمقاومة فعل نبيل وحق مكرّس في القانون الدولي ولا يمكننا إلا أن نحني رؤوسنا احتراماً وإجلالاً لكل ما قامت وما تقوم به.
دكتورة في العلوم السياسية والإدارية
باحثة وخبيرة في شؤون التنمية الاجتماعية
ومكافحة الفساد