اجتماعات سبقت حزب الله و«بيانه»
روزانا رمّال
انشغل الداخل اللبناني ببيان حزب الله الصادر منذ أيام والذي يتعلّق بموقفه من عائلات داعش بعد انتهاء عمليات الحدود مع سورية والذي دعا فيه المجتمع الدولي للتدخّل تحسباً من حصول مجزرة بشعة مع توضيحه أنه قد وفى بالتزاماته والدولة السورية تجاه ما تمّ الاتفاق عليه بعبور الحافلات التي تضمّ إرهابيين من مناطق النظام دون التعرض لها، في وقت يعتبر الجزء المصنف على الجانب النقيض لسياسة حزب الله ومحوره الإقليمي إيران وسورية بدون أخذ موقف مصطف من روسيا أن ما صدر عن الحزب يدينه ويؤكد تعامله مع النظام السوري الذي كان يحمي عناصر داعش أصلا في سجونه. وهي الرواية التي واظب أصدقاء الولايات المتحدة في لبنان الحديث عنها منذ بداية الأزمة السورية على وسائل الإعلام كافة لدى السؤال عن الأفضلية لمستقبل سورية بين النظام السوري او التكفيريين في محاولة لتشبيه النظام بالإرهاب ولجمع الاثنين ضمن التصنيف نفسه. ومسألة التصنيف بحد ذاتها أخذت حيزاً كبيراً من الأخذ والرد في الاروقة الدبلوماسية الدولية بما يتعلق باللاعبين كافة على الأرض السورية أخصهم الإرهاب الذي حاول البعض تبرئته وتحويله فصيلاً سياسياً قادراً على الوجود في أي عملية سياسية مقبلة بسورية، وكان من بينها محاولة اعتبار مقاتلي جبهة النصرة «ثواراً»، لإضافة الى مقاتلين مدعومين من المملكة في وقت مبكر من الأزمة.
مسألة تصنيف الإرهاب كانت أيضاً جزءاً لا يتجزأ كعنوان عريض يعمل عليه المجتمع الدولي ليطال حزب الله، حتى أن المعلومات تؤكد أن فكرة التصنيف بحد ذاتها خرجت من أجل تصنيف حزب الله «إرهاباً» كحليف لإيران وسورية تماشياً مع تسمية النظام وكل من يسانده عملياً، وبهذا الإطار فإن تشويه صورة حزب الله وتصنيفه إرهاباً هو احد العناصر المطلوبة من اصل اللعبة السياسية والعسكرية الدائرة في سورية كيف بالحال وأن التمويل الأميركي الذي صبّ محلياً السنوات المقبلة تمحور حول فكرة تشويه صورة حزب الله بعيون اللبنانيين. وهو ما كان قبل بزوغ الأزمة السورية ابان مرحلة تواجد السفير الأميركي جيفري فيلتمان الذي عبر عن ذلك مباشرة بكلام عن دعم حلفاء بلاده في لبنان بما يعادل تخصيص 500 مليون دولار من اجل هذه القضية.
مع صدور بيان حزب الله الدقيق حول داعش تتمظهر قدرة منظمة بحجم حزب الله بالالتزام بما تنصه القوانين الدولية بخصوص حماية أمن المدنيين في الحروب والنزاعات. وهو ما لا تلتزم فيه دول كبرى وتصبح مسألة تشويه صورته ضرورة أكثر من أي وقت مضى كيف وبالحال أن حزب الله نفسه هو من فسح بالمجال ببيانه الواضح الأهداف؟ وعلى أن هذا ليس هو الواقع فأن الحقيقة تأخذ الى ما قبل هذا البيان توضيحاً وإجراء. فقبل توصيف المشهد الذي اخذ اليه حزب الله ومطالعة المواقف المحلية من البيان، فإن مصادر خاصة لـ«البناء» اكدت انه وعلى مقربة من عملية تحرير عرسال التي تقدم فيها حزب الله من الحدود اللبنانية الى الداخل السوري محرراً الجزء الأكثر دقة من تلك المنطقة، فإن «اجتماعاً خاصاً جمع شخصيات لبنانية من قوى مقربة من السفارة الأميركية سياسياً بين إعلاميين ونواب سابقين ووزراء تمركزت حول كيفية مواجهة المرحلة المقبلة إعلامياً وسياسياً بما يتعلق بمواجهة انتصارات حزب الله «المتوقعة» التي ستنعكس إحباطاً على فريق القوى المؤيدة لرحيل النظام في سورية والمشروع الاميركي في المنطقة. وكان من بين الحضور أسماء تكثف منذ بدء عمليات تطهير الجرود اللبنانية من الإرهابيين من مواقفها تارة للإعلام، وأخرى على مسائل التواصل الاجتماعي وهي اسماء حضرت من بين المجتمعين ليتبين أن تكثيف الهجوم على حزب الله بهذا الوقت بالذات لا يتعلق فقط ببيان حزب الله، بل هو ضمن المطلوب والمعول عليه في فترة انتصارات متتالية لحزب الله وحلفائه في سورية والعراق.
لكن، بالرغم من استغراب الداخل وريبته من بيان حزب الله، إلا ان توقيت هذا البيان وطريقته سبكه وصوغه تؤكد ان الحزب الذي يعرف سلفاً انه مستهدف بأقل من هذا البيان حساسية، أنه منشغل بحسابات أبعد مما بين سطور هذا البيان وهي تحمل أبعاداً استراتيجية تؤثر على سير المعارك والتبادلات المقبلة في سورية. والبيان الذي أثار غضب بعض الداخل كشف ازدواجية الأميركيين وفضح القلق من نجاح حزب الله بالتحرير والتبادل واسترداد أسراه وتخطيطه لما هو أبعد في صفقات مقبلة. كل هذا جرى في مشهد «إخضاع داعش له» مستسلمين بالصوت والصورة أمام عدسات الكاميرات… رسالة حزب الله من البيان تقول للأميركيين إنه لن يسكت وهو غير محرج في مرحلة تفوق ميداني من هذا النوع، بل هم مَن يشعرون بالحرج والقلق.. ولو أن حزب الله انتظر ردود الأفعال لما كان قد أطلق بيانه، وكشف التعاطي الاميركي المزدوج في وقت يتبنى حماية داعش في امكنة محددة ويستعرض بحصاره من اجل قطع الطريق على حزب الله مستقبلاً، وهو الذي تكفل بإخراج داعش بهذا الشكل المهزوم.
بيان حزب الله الدقيق، أبعد من هذه المرحلة وأعمق من بيانات فتحت جدالات يعرف أنه كان بالغنى عنها.