في افتراض الحرب بين حزب الله و«إسرائيل»
مالك موسى
تثار منذ فترة فكرة اندلاع حرب بين حزب الله و»إسرائيل»، افتراض تناقلته عدد من الصحف ووسائل الإعلام والمواقع الأجنبية والعربية وتناولت سيناريواتها وتأثيراتها على كلّ من لبنان والكيان الصهيوني، معتبرة أنها توفر مواد لزيادة التوتر في جنوب سورية والجولان وشمال فلسطين المحتلة، متوقعة تكثيف الكيان الصهيوني خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، غاراته على مواقع لحزب الله إن في الداخل السوري أو على الحدود اللبنانية السورية. والسعي كلّ السعي «الإسرائيلي» هو تحجيم الدور الإيراني ودور حزب الله في الداخل السوري لا سيما في الجنوب. وعلى الرغم من اعتبار إدارة ترامب إيران عدواً استراتيجياً، هل ستدعم الولايات المتحدة «إسرائيل» في حرب جديدة ضدّ حزب الله وإيران؟ وهل ستجرؤ «إسرائيل» على خوض هذه المغامرة؟ وهل ستكون المواجهة مقتصرة على حزب الله؟ وهل سيكون لبنان مسرحاً للعمليات العسكرية بين الطرفين أم سيتعدّاه ليشمل دولاً أخرى في المنطقة؟
تراهن «إسرائيل» في حال شنّها للحرب على الأصوات اللبنانية الداخلية المناوئة لحزب الله، وتفترض انقسام المجتمع اللبناني إزاءه، خصوصاً إنْ طاولتهم يد الاعتداءات الصهيونية، بينما يرى حزب الله أنّ المجتمع الصهيوني بات مجتمعاً ناعماً لا طاقة له على الحرب، ولا يحتمل سقوط عشرات آلاف الصواريخ على مستوطناته ومفاعله ومواقعه وبناه التحتية، وفي المقلب الآخر يجد الحزب أنّ الضربة «الاسرائيلية» لو حدثت ستوحّد اللبنانيين وتجمعهم حول خيار المقاومة، وتضامنهم معها ومؤازرتها.
لا يمكن بوجه فصل المشهد السوري عن حالة الترقب الحاصلة بإزاء نشوب الحرب أو عدمها، فالدولة السورية اليوم تسجل انتصارات متتالية على الإرهابيين وداعميهم الصهاينة وغيرهم، مع حلفائها وأبرزهم حزب الله وإيران. وعلى الرغم من أنّ الأزمة السورية لم تحلّ كلياً إلى اليوم، فأمام «إسرائيل» مروحة من السيناريوات المتناقضة، منها سيناريو تروّجه بعض المواقع اللبنانية المدعومة من السفارات، وله من التهافت الشيء الكثير وخلاصته أنّ الحرب في سورية قد أنهكت حزب الله وكلفته عدداً كبيراً من الشهداء، وقد تكون قد دقت إسفيناً بين الحزب وجمهوره للكلفة العالية التي تكلفها، ومنها وهو أحق أنّ الحرب السورية نفسها قد منحت حزب الله مزيداً من الخبرات القتالية ورفدته بالتجهيزات ومزيد من الصواريخ التي قدّمتها له سورية وإيران، وبالتالي فمعمودية النار التي خاضها الحزب ويخوضها في سورية قد شدّت من عضده وزادت من تماسكه، وأيّ محاولة «إسرائيلية» ضدّ الحزب قد تورّطها بمفاجآت غير مسبوقة في الميدان إنْ على صعيد الخبرات القتالية لمقاتلي الحزب أو على مستوى العتاد والتجهيزات وكثافة الصواريخ. ثم هناك سيناريو آخر، يتمثل بالمكاسب التي أحرزها حزب الله من الحرب على الأراضي السورية وهي مكاسب لمحور الممانعة بعمومه – قد كرّسته كرأس حربة إقليمية في الأحداث الجارية، ووفّرت له دعماً لوجستياً وعينياً يشمل في ما يشمل آلاف المقاتلين الأجانب إنْ عمدت «إسرائيل» لمثل هذه المغامرة. وهو الأمر الذي أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في وقت سابق. ثم يتمثل بانتشار حزب الله على أراضٍ واسعة ليس فقط في جنوب لبنان بل في سورية أيضاً، ما يفسح بالمجال لافتراض اتساع الجبهة إن قرّرت «إسرائيل» خوض المغامرة لتشمل أكثر من جبهة في وقت واحد. بعدها هل ستبقى القوى الفلسطينية في غزة، إنْ كانت حماس أو الجهاد الإسلامي بمنأى عن الحرب إنْ نشبت هذه المرة؟ ثم إن جرت حرب على حزب الله فستفقد المشكّكين المأجورين من لبنانيين وعرب حجتهم أنّ الحزب لم يعُد مقاومة وتعزز له تلك المكانة في مواجهة العدو الأول أيّ الصهاينة، وهي البوصلة التي لم يتغيّر اتجاهها يوماً.
أمام كلّ هذه السيناريوات يُطرح السؤال: في حال وقعت الحرب بين حزب الله و»إسرائيل» فمن سيكون أول مَنْ يشعل الفتيل بين الطرفين؟ بغضّ النظر عن الغارات الصهيونية في الداخل السوري، والتي تعتبر أبرز دليل على الضيق الذي تعانيه «إسرائيل» أمام انتصارات محور المقاومة، يبدو أنّ حزب الله يعتمد على سياسة الردع للعدو الصهيوني، والتي آتت أكلها في لبنان، بحيث ندرت بشكل ملموس بل اختفت الاعتداءات «الإسرائيلية» على المواقع اللبنانية، ومن ثم فالإرهابيون حلفاء «إسرائيل» الذين تعاونهم بالغارات كلما تخاذلوا تحت ضربات الجيش السوري وحزب الله، لم يعُد لهم وجود داخل الحدود اللبنانية، بعدها فانتشار القوات الإيرانية وحزب الله في الداخل السوري والانتصارات التي يحققها الجيش السوري تمهّد لإيجاد أرضية لتوازن رعب ثانٍ بين «إسرائيل» والدولة السورية مع مرور الوقت.
أمام هذا كله وإنْ أضفنا موقف الإدارة الأميركية وأمراء الخليج من انتصارات محور المقاومة في المنطقة وعلى رأسها إيران، هل يدفع هذا الكيان الصهيوني لشنّ حرب على حزب الله، على الرغم من الكلفة العالية والمغامرة غير المحسوبة، ظناً أنّ هذه الحرب ستبيد حزب الله، وتمهّد للإعلان عن التطبيع المباشر مع السعودية؟ وبالتالي هل تضمن أن تقتصر الحرب مع حزب الله وحده من دون أن تشتعل المنطقة بحرب شاملة تكون أكلافها عالية جداً. ثم إنْ أخذنا الحسابات الواقعية لموازين القوى الجديدة التي استطاع حزب الله ومعه حلفاؤه في محور المقاومة أن يقلبوها لمصلحتهم، فهل تضمن «إسرائيل» أن تبقى هي نفسها بحال شنّت مثل هذه الحرب؟
Moussamalek02 gmail.com