هل يجرؤ ترامب على الانسحاب من التفاهم النووي؟
ناصر قنديل
– يتفادى الكثيرون الخوض في الإجابة عن هذا السؤال كي لا تأتي التطورات عكس توقعاتهم، ويخسرون بعضاً من المصداقية والثقة التي راكموها لدى قراء ومتابعين، خصوصاً في ظلّ المواقف التصعيدية التي يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه إيران والتفاهم حول ملفها النووي، مبشّراً بنهاية عهد هذا التفاهم الذي دأب على وصفه بالأسوأ. وفيما لا يستبعد كثيرون أن يقدم ترامب على هذه الخطوة واضعاً العلاقات الدولية والإقليمية أمام ما أسماه بالعاصفة المقبلة، يستبعد كثيرون أن يكون لدى إيران النية والقدرة على ردود قوية تصعيدية، سواء إذا أقدم ترامب على إلغاء الاتفاق أو على وضع عقوبات على الحرس الثوري الإيراني، واضعين التهديدات الإيرانية في دائرة عضّ الأصابع والحرب النفسية.
– الأكيد أنّ ترامب لن يجرؤ على الإعلان عن إلغاء الاتفاق أولاً، لأنّ صلاحيته لا تطال هذا الإعلان، وما يملكه هو الطلب للكونغرس إبطال قانون التصديق على الاتفاقية إذا أراد الانسحاب منها. وهذا يخضع بالنتيجة لتوازنات لا يتحكم بها ترامب وفريقه المنقسم حول الموقف أصلاً، ورغم هذه الصلاحية التي تقع دون مستوى الإلغاء، لكنها تضع ترامب في موضع المنسحب من الاتفاق ملقياً المسؤولية على الكونغرس، فترامب لن يستعملها، بل سيبحث عن مناورة تظهره كغاضب من الاتفاق من دون التورّط بالدعوة للانسحاب منه، وذلك عبر التقيّد بحدود ما ينصّ عليه قانون تصديق الكونغرس على الاتفاق، من طلب تقرير سنوي من الإدارة يشير إلى درجة تقيّد إيران بموجباتها بالاتفاق، فيقول إنّ إيران تتقيّد بالموجبات الحرفية التي نصّ عليها الاتفاق لكنها لا تطبّق روحيته، وهو لا ينسحب من الاتفاق بل يسحب ثقته بقدرة الاتفاق على منع إيران من امتلاك سلاح نووي، داعياً الكونغرس لمناقشة سبل تحسين الاتفاقية وتحقيق المزيد من الضمانات. وهذا يعني الدخول في مناقشات تمتدّ لمدة ستين يوماً يخرج بحصيلتها الكونغرس بتوصيات لإدارة ترامب، ستتضمّن دعوات من نوع السعي مع الشركاء في الاتفاق وهم الدول الخمس، روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، والأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والاتحاد الأوروبي، لصياغة تفاهمات أشدّ قوّة وقدرة على إلزام إيران بموجبات جديدة، وبالتوازي السير بنظام عقوبات منفصل لا يخرق منظومة التفاهم النووي، لكنه يلاحق ما تسمّيه واشنطن البرنامج الصاروخي الإيراني، وما يتحدّث عنه ترامب وفريقه تحت عنوان تدخلات إيران في المنطقة، واتهامها بالتسبّب بزعزعة استقرار أنظمة حليفة لواشنطن، وسيحظى حزب الله هنا بالحصة الرئيسة من العقوبات.
– هل سيجرؤ ترامب على الذهاب لعقوبات على الحرس الثوري كمؤسسة بعينها، بعدما كان قد خصّصها لفيلق القدس ضمن الحرس الثوري؟
– لن يجرؤ ترامب على ذلك، بل سيختار منظومة الصواريخ في الحرس، أسوة بما فعله مع فيلق القدس، ويتفادى تحدّي إيران بوضع تهديداتها التي صدرت عن أعلى المستويات الحكومية والعسكرية وصولاً للمرشد الأعلى للجمهورية، كما في حال التفاهم النووي والتهرّب من خسارة أوروبا والوكالة الدولية للطاقة النووية، بإيجاد الالتفاف المناسب الذي لا يؤدّي لإشعال المواجهة الكبرى، ويحفظ لترامب أوراق التوتر والضغط واللعب بها، تحت سقف مواجهات صغيرة ضمن التفاوض الكبير، لأنّ القرارات على مسرح العلاقة مع إيران هي قرارات بحجم الدولة الأميركية وليست من هوامش حركة الرئيس. والدولة الأميركية التي تهرّبت من مواجهة كبرى عنوانها منع حزب الله من الوجود في سورية، خصوصاً على الحدود الجنوبية والشرقية، وهي ترى خطوطها الحمراء تداس، تعلم أنّ فرص مواجهة عنوانها حزب الله أكبر من فرص مواجهة عنوانها الملف النووي الإيراني، والإحجام عن الأقلّ بسبب الضعف يؤكد عدم الإقدام على الأكثر بوهم القدرة، فمن لا يستطيع الأقلّ لا يستطيع الأكثر.
– للموهومين بالقوة الأميركية نقول فلننتظر ونرَ، ومَنْ يعِش يرَ، وإن غداً لناظره قريب!
– كم يشبه موقف ترامب موقف رئيسَيْ إقليمي كردستان وكتالونيا، بالدعوة للاستفتاء على الانفصال ثم استبدال إعلان الاستقلال بالدعوة للحوار، هي الحسابات الخاطئة تورّط أصحابها، مع فارق أنّ ترامب يعيش رئاسته كمعلّق تلفزيوني لا كصانع قرار.