المأزق الأميركي في الملف النووي الإيراني
ناصر قنديل
-اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أضعف حلقات قوته وأقوى حلقات القوة الإيرانية ساحة للنزال بينه وبين إيران، فجعل الملف النووي الإيراني وعاء يتسع لملفات الخلاف مع إيران حول برنامجها الصاروخي وأمن «إسرائيل» ودور إيران الإقليمي، وصولاً لمستقبل حزب الله ومقاومته. كان الدعسة الناقصة التي ستتكفّل بتظهير الضعف الأميركي على الساحة الدولية. فالاتفاق على الملف النووي الإيراني معاهدة دولية لا تتسع لاستيعاب المقاربة الأميركية للملفات الخلافية الثنائية مع إيران، وبعدما صرّح مسؤولو إدارة ترامب بالتمسك بالاتفاق والسعي لتعديله كما قالوا، يدركون أن التعديل بشروطهم مستحيل، لأن مطالبهم تصطدم بخلاف على التوصيف مع شريكين أساسيين على الأقل، هما روسيا والصين وإيران حكماً، سواء حول البرنامج الصاروخي لإيران أو حول دور إيران الإقليمي أو حول دور حزب الله، وإذا كان هذا التعديل مستحيلاً، ولا تعديل سواه، فيصير مصير الحركة الأميركية هو الفشل.
-مشكلة أميركا الثانية في الاختيار السيئ، أوروبية. فأوروبا التي قد تشارك واشنطن بتحفظاتها على البرنامج الصاروخي لإيران وقلقها على أمن «إسرائيل»، وتطلعها لتقليم أظافر حزب الله، لا تريد المساس بالاتفاق النووي ولا تعريضه للاهتزاز، لأنه طريقها للتشارك الإيجابي مع إيران اقتصادياً وسياسياً في تحقيق الاستقرار في سورية والعراق خصوصاً، منعاً لنمو الإرهاب وتجذره من جهة. وقد صار ثابتاً أنه لا أمن لأوروبا من دون إطفاء الحروب في سورية والعراق، ولا إطفاء لهذه الحروب من دون إيران، بل ومن دون حزب الله. ومن جهة ثانية الاستعانة بإيران لحفظ الاستقرار وإعادة دورة الحياة كطريق لمنع تدفق المهاجرين والنازحين نحو أوروبا. وقد صار استقرار أوروبا الديمغرافي طريق الحفاظ على وحدة كياناتها، بعدما تكفل الاهتزاز الناجم عن النزوح بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويتكفّل مسلسل النزوح بنمو متقابل مزدوج، لعنصرية اليمين النازي، والبيئة الحاضنة للتطرف بين النازحين والمهاجرين، ومن دون وقف النزوح تجد أوروبا التهديد لتفتت مجتمعاتها، وتهديد وحدة كياناتها. ولهذا تضع جانباً تحفظاتها، وتتجه لحماية الاتفاق مع إيران، لا بل تراه طريقاً للخروج من الكساد، وقد احتكرت واشنطن مال الخليج لحل أزماتها، وما بقي لأوروبا إلا إيران وسورية والعراق.
-مشكلة أميركا الثالثة في فتح ملف الاتفاق النووي مع إيران، آسيوية، لجهة مستقبل التجاذب مع كوريا الشمالية، من زاويتين متقابلتين. فإذا كانت الرسالة الموجهة لإيران مضمونها أن لا جدوى من التموضع تحت سقف القانون الدولي، الذي لا تلتزمه الدول العظمى أصلاً التي تدّعي حراسته وترفض تطبيقه على أنفسها. والرسالة لإيران هنا هي أن طريق كوريا الشمالية هو المجدي بالتمرّد والتهديد، وإيران إن تمردت وهددت تملك في الجغرافيا والمقدرات والسكان ما لا تملكه كوريا الشمالية، ورغم ذلك ارتضت طريق التمسك بملف نووي سلمي وقدّم ما يلزم من ضمانات لذلك، وتأتي الدولة العظمى الأولى في العالم وتقول لها المعاهدات لا قيمة لها، والالتزام بالقانون لا يقدّم ولا يؤخّر، بينما الردع النووي العسكري لكوريا الشمالية يحميها، وبالمقابل تقول اللغة الأميركية لكوريا الشمالية أن مثال الالتزام الإيراني يدعو لتجنب الوقوع في فخ القبول بالتفاهمات المؤدية لعدم
امتلاك السلاح النووي، لأن الالتزام لا يضمن تعاملاً بمقاييس القانون، والمعاهدات. فالقوة وحدها هي التي تفهمها واشنطن، وبالتالي، نتيجة الحركة الأميركية تشجيع دعاة امتلاك السلاح النووي بين الإيرانيين، وإضعاف دعاة الذهاب للتفاهمات، وكذلك تعقيد الحوار والتفاوض مع كوريا الشمالية. وهذا ما جعل اليابان وكوريا الجنوبية تتجنّبان ضم صوتيهما لمؤيدي الموقف الأميركي، وسيول وطوكيو تدركان أن الاتفاق النووي مع إيران هو النموذج الوحيد الذي يمكن عبره إقناع بيونغ يانغ بالتخلّي عن السلاح النووي، شرط أن يكون مثالاً مغرياً ومشجّعاً.
-لم ينجح ترامب بجذب مؤيدين إلا «إسرائيل» والسعودية. ولو كان التحالف الأميركي السعودي «الإسرائيلي» كافياً لتشكيل ميزان قوة بوجه إيران، لكان، رغم الفوارق الكبيرة بين حال الاتفاق النووي وسواه، كافياً لحسم سورية، وعندها لكان اتفاق غير الاتفاق الذي نعرفه.