القوات والفشل الحكومي
ناصر قنديل
– تستطيع القوات اللبنانية أن تتحدّث ما شاءت عن التداول بفكرة الاستقالة من الحكومة، لتخلص للقول إن ليس هناك ما يستدعي الاستقالة، لأنها تعلم سلفاً أنها دخلت لعبة السلطة وما عاد قرار الخروج سهلاً، بقدر ما تعلم أن لا مردود لوجودها في الحكومة على مستوى الشعارات والأهداف التي بشرت بها لتميّز في الأداء يغيّر وجهة بوصلة الدولة، وأداء مؤسساتها، بينما صار المردود على مستوى الحضور السلطوي آسراً، وصار التوازن في مقاربة المسار الانتخابي المقبل يستدعي الجمع بين بقاء بلا معنى سياسي وبرامجي في الحكومة، لكنه مطلوب للتحالفات الانتخابية وبعض الخدمات الانتخابية، وبين لغة سياسية انتقادية تصل حدّ الحديث عن الاستقالة لضبط قواعد حزبية رفعت سقف تطلعاتها بسبب وعود وردية بأداء حكومي مختلف.
– تصادمت القوات مع حليفيها القديم والجديد، تيار المستقبل والتيار الوطني الحر في قضيتين أساسيتين ترسمان صورة اليوميات الحكومية خلال ما مضى وما سيأتي، في ملفي التلزيمات والتعيينات، ولم تحصد أكثر من حق التحفظ. فلا أخذ باعتراضاتها تحت شعار اعتماد معايير تُسهم ببناء الدولة وفق ضوابط تمنع الفساد وتُبطل فعل المحسوبية، ولا نالت نصيباً تحت الطاولة يضمن ترضية مناسبة، تُشعرها بالشراكة وتجعل عبء الدفاع عن البقاء في السلطة معادلاً للمكاسب المترتبة على الوجود فيها، بينما في القضايا المحورية الهامة في العمل الحكومي كقانون الانتخابات النيابية والموازنة العامة للدولة وسلسلة الرتب والرواتب، فقد تأكّدت القوات أنّ معادلة الحكم يقودها رباعي المستقبل والوطني الحر وحزب الله وحركة أمل، وأنّ ترضية الخاطر التي حصل عليها الشريك الخامس النائب وليد جنبلاط، لم تحصل على مثلها، وأنّ الدور المتاح للقوات هو شريك الغرم لا شريك الغنم.
– شريك الغرم لا شريك الغنم هو دور ارتضاه حزب الله، في علاقته بمؤسسات الحكم ضمن معادلة يستطيع الاقتناع بها وإقناع قواعده بضرورتها. فهي ليست حاصل الضعف والتهميش كحال القوات، بل نتيجة فائض القوة، فحزب الله يضع في أولوياته حربه في سورية واستعداده بوجه «إسرائيل»، ولهذا يهتمّ داخلياً بضبط إيقاع السياسة لمزيد من الاستقرار والابتعاد عن مخاطر الفتن، ويرى زهده بالسلطة مصدر جذب للطبقة السياسية عن منازعته على الموقف من ملفاته الكبرى، ويحصر مداخلته السلطوية بمحاور يديرها بالتعاون والتنسيق مع حليف وشريك استراتيجي لا منافسة معه هو الرئيس نبيه بري. وهذه المحاور تتصل بالخدمات والتعيينات، بينما تدخلاته المباشرة تحضر في المحطات الفاصلة التي ترك بصماته واضحة فيها، خصوصاً قانون الانتخابات النيابية واعتماد النسبية فيه.
– القوات لا تستطيع ادّعاء دور شبيه بدور حزب الله، وهي من جهة، تقف على ضفة الخاسرين والمهزومين في خياراتها ورهاناتها الإقليمية، وأبرزها الحرب لإسقاط سورية، بينما يقف حزب الله في طليعة حلف الانتصار. ومن جهة مقابلة تعيش القوات أزمتها مع حليفيها الرئيسيين، التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، عكس حزب الله الذي يعيش حال الثقة بحليفيه الرئيسيين، التيار الوطني الحر وحركة أمل، ولذلك تجد القوات الحاجة للحديث عن الاستقالة ولا يجد حزب الله الحاجة لذلك، ولذلك تتحدّث القوات عن الاستقالة من موقع الضعف ولا تستطيع ممارستها، بينما مارسها حزب الله عندما وجدها ضرورية، من موقع القوة ومن دون الحديث عنها.
– قد لا ينتبه قادة حزب القوات أنّ محطة الشراكة في الحكم هذه المرة مختلفة عن سابقاتها في مسيرتهم السياسية، لكنهم سيكتشفون ذلك في الانتخابات النيابية وعشية رسم التحالفات، فقد بانت نقاط ضعفهم لحلفائهم وخصومهم.
– عندما يستقيل وزراء القوات، فذلك يعني أنّ هناك قراراً أميركياً سعودياً بالضغط على رئيس الجمهورية وربما بتطيير الحكومة ويترك للقوات توظيف الاستقالة بتجميع بعض المزاج المعارض انتخابياً.