السياسات الصينية والشرق الأوسط
أسامة العرب
يتوقّع الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، بأن تصبح الصين عام 2025 خطراً على بلاده. أما ريكس تيلرسون وزير خارجية أميركا، فيعتبر أن الصين تقوّض سياسات الولايات المتحدة وأصدقائها في العالم. وفي مداخلة على هامش منتدى دافوس، قال المدير العام لإدارة الاقتصاد الدولي في وزارة الخارجية الصينية تشانغ جون «إن بلاده لا ترغب في زعامة العالم، لكنها قد تُضطر إلى لعب هذا الدور إذا تراجع الآخرون»، الأمر الذي ينبئ، بأن الصين بات يخطر في بالها وللمرّة الأولى تبوّء مسؤولية الزعامة العالمية، أي أننا سوف نشهد في الأيام المقبلة نقلة نوعية في التفكير الاستراتيجي السياسي الصيني، وانتقالاً تدريجياً من دور القوة الاقتصادية الأولى، إلى دور القوة السياسية المنظورة عالمياً. في حين تحاول الولايات المتحدة الانكفاء الانعزالي أو الخروج من قطار العولمة التي أسستها، أو تقويضها لضمان بقاء رخائها الاقتصادي.
ومما لا شك فيه أن الاستدارة الصينية نحو الشرق الأوسط بعد إغفالٍ أميركي نسبي لها، ذات أبعاد وحسابات جيوسياسية كبيرة، انطلاقاً من مبدأ أن مَن يتمكّن من ترسيخ نفوذه في الشرق الأوسط سوف يتمكّن من قيادة العالم. والدبلوماسية الصينية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط ستقوم في إطار التعاون مع جميع الأصدقاء، بما يحقق المصالح المتبادلة بين مختلف الأطراف الفاعلة في المنطقة.
كما ستبادر الصين مستقبلاً لأخذ زمام الأمور من خلال تشكيل نمط سياسي ودبلوماسي جديد يكفل لها الانتقال من الاستجابة الحيادية الدبلوماسية، وسياسة الانتظار، إلى استجابة أكثر إيجابية، مع بناء توجّهات وخطابات جديدة تبرز دورها المحوري في المنطقة. إلى جانب التوسّع في مجال الاستثمارات وإعادة بناء الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي في الدول العربية والإسلامية، والذي من شأنه أن يبرز قوتها الناعمة ويدافع عن مصالحها الاستراتيجية في هذه الدول.
غير أن رؤية الصين في هذه المرحلة الجديدة، لن تتجه إلى التصادم مع الولايات المتحدة وإنما لحلحلة أمور المنطقة، كالمشاركة في الحرب على الإرهاب، وتعزيز دورها في إعادة بناء الشرق الأوسط، والدفاع عن الدول الصديقة لها في الهيئات الأممية، وتعزيز حجم التبادل التجاري معها، علماً بأن هذا التبادل ارتفع بنحو 600 في المئة في العقد الماضي، وبلغت الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط أكثر من 160 مليار دولار خلال العام الماضي، ومن المنتظر أن يرتفع هذا المبلغ بقيمة 55 مليار خلال الأعوام المقبلة.
واللافت على صعيد السياسات الصينية الخارجية الشرق أوسطية، أن القضية الفلسطينية تحتل دعماً وتأييداً رسمياً كبيراً جداً، وذلك بسبب الروابط التاريخية والعلاقة التقليدية التي تربط الصين مع العالمين العربي والإسلامي. كما دفع التأييد «الإسرائيلي» للأميركيين في الحرب الكورية وابتزاز تل أبيب لبكين في موضوع مقعد تايوان في الأمم المتحدة، لأن تتخذ الصين مواقف سلبية عديدة من «إسرائيل» وتعتبرها قاعدة استعمارية وأداة إمبريالية. وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن الموقف الصيني من القضية الفلسطينية على مر العقود تركّز على قاعدة التزام الصين نهج السياسة المعادية للسياسات الاستعمارية.
كما سعت وتسعى الصين لإيجاد حل سلمي عادل للقضية الفلسطينية، خصوصاً بعدما ازدادت قناعتها بضرورة إنصاف هذا الشعب المظلوم، الذي ما تزال تنتهك حقوقه على الصعيدين الوطني والعالمي، ومن أجل مساعدته على استعادة حقوقه الوطنية المشروعة كافة، بما في ذلك حقه في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة التي تكون عاصمتها القدس، وحقّه بالمساعدات الاقتصادية والمالية التي حُرم منها من القريب والبعيد، وحقه في مقاومة الاحتلال والعدوان.
وفي المسألة السورية كانت الصين وما تزال تدعو لاحترام سيادتها ووحدة أراضيها وعدم التدخل بشؤونها، وإلى سرعة إعادة الأمن والاستقرار إليها، ولمواجهة الجماعات التكفيرية، داعش وأخواتها، التي عاثت فساداً ودماراً في أراضيها. أما بالنسبة للمسألة العراقية، كانت الصين تدعو بالسابق إلى سرعة انسحاب القوات الأميركية والأجنبية من العراق، والى سرعة تسليم السلطة للعراقيين. كما كانت وما تزال اليوم ضد المشروع التقسيمي للأراضي العراقية، ومع عودة الاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي إليها. أما على صعيد إيران، فما تزال الصين تدعم الاتفاق النووي الإيراني المبرم مع الدول الكبرى كحل سلمي ناجح وسليم لهذا الملف، وهي ما تزالنأنها م تبذل جهوداً دبلوماسية نشطة في إطار الوكالة الدولية للطاقة النووية وعبر الهيئات الأممية للمحافظة على هذا الاتفاق، مؤكدة على حق جميع الدول بالاستخدام السلمي للطاقة النووية. فضلاً عن دعم الصين لطهران في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، ولترفيعها من مرتبة مراقب إلى رتبة عضو بكامل الصلاحيات.
إن ما يميّز السياسات الخارجية الصينية عن السياسات الأميركية، أنه في الوقت الذي تعمل فيه أميركا على إضعاف الدول التي تتعامل معها لتمرير سياساتها في المنطقة، فإن الصين تعمل وفق مبدأ ننمو معاً، أي أنها لا يمكن أن تنمو من دون أن يكون شركاؤها أقوياء، معتبرةً أن استقرار الوضع الأمني والاقتصادي للدول الصديقة يصبّ مباشرةً في استقرار الصين، وهو ما يجعلها قطباً مهماً في معادلة العلاقات الخارجية. وبالتالي، فإن الدبلوماسية الصينية تنبض بالمزيد من الحيوية والنشاط، إذ تتخذ من خدمة بناء مجتمع ميسور متكامل مهمة أساسية لها، وتسعى الى خلق بيئة سلمية ومستقرة على الصعيدين الدولي والإقليمي، وإلى خلق بيئة تعاون قائمة على أساس المنافع المتبادلة تسودها روح الموضوعية والصداقة. كما تسعى الصين لتحقيق أهدافها في منطقة الشرق الأوسط من خلال استخدام سياسة التوازن في علاقاتها مع الجميع واستخدام سياسة الصدق والانفتاح على الآخر.
إن الصين تجمعها رغبة مع روسيا في تحجيم الدور الغربي على الساحة الدولية، ولإحداث نوع من التوازن بين مختلف الأقطاب، وهو ما كشف عنه مدير مركز أبحاث كونجي في موسكو، المحلّل الروسي المعروف ديميتري تارنين، بقوله إن روسيا والصين، من ناحية سياستهما العالمية، تعملان على تطبيق فكرة عالم ثنائي الأقطاب ضد السيادة الأميركية، كما تدعم كلٌّ منهما الأخرى بصمت من أجل حماية مناطق نفوذها.
ومجلة نيوزويك الأميركية، رأت بأن توسع منظمة شنغهاي للتعاون وانضمام دول وازنة إليها يثير قلق الغرب. معتبرة بأنّ هذه المنظمة ومنتدى البريكس سوف تلعبان مستقبلاً دوراً موازياً للمؤسسات الأممية التي تشكلت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والواقعة حتى الآن تحت الإدارة الغربية. وبالتالي، فإن التحالف الثنائي الروسي الصيني، يمثل في الوقت الحاضر عنصر ضغط قوي لإعادة التوازن الدولي المفقود منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ولإعطاء رسالة واضحة للأميركيين والأوروبيين أن النظام العالمي القديم قد انتهى إلى غير رجعة.
أخيراً، إن عالماً متعدد الأقطاب سوف يكون أكثر أمناً واستقراراً وازدهاراً وبديلاً لحالة الفوضى والتردي والحروب المنتشرة فوق المعمورة، وفرصة لأن يكون هنالك عصر جديد من النمو والازدهار في جميع الدول، وفرصة لتقديم حلول عقلانية وبنّاءة للمشاكل التي تواجه البشرية جمعاء. إذ إن التعاون العالمي هو أمر حيوي وهو السبيل الوحيد لتحقيق السلام وتجنّب أي سباق تسلّح جديد، وأية حروب لا فائدة منها، كما من شأنه أن يمنع العبث في سياسات الدول المستضعفة، ويمكّن الإنسانية من مواجهة التحديات العالمية الأمنية والاقتصادية، وأن يخلق حالة من الاستقرار المستدام.