بين تقدّم الجيش السوري نحو البوكمال وإعلان أميركا الاستعداد لمهاجمتها بالبشمركة
حسن حردان
بدأت الولايات المتحدة الأميركية تستشعر القلق من تداعيات قرب وصول الجيش العربي السوري وحلفائه إلى مدينة البوكمال المحاذية للحدود مع العراق لتحريرها من تنظيم داعش الإرهابي آخر معاقله الهامة التي لجأ إليها ما تبقى من قيادات وكوادر هذا التنظيم، وملاقاة الجيش العراقي والحشد الشعبي الذي يتقدّم باتجاه مدينة القائم العراقية المقابلة لتحريرها.
القلق الأميركي مصدره الأمور التالية:
الأمر الاول: الخوف من تمكن الجيش السوري من اعتقال بعض قيادات داعش الذين لهم صلة بالاستخبارات الأميركية وتقديمهم معلومات تكشف طبيعة علاقتهم وارتباطاتهم بأميركا منذ نشوء داعش.
الأمر الثاني: وضع حدّ للمخطط الأميركي الذي استهدف من خلال تمكين داعش من السيطرة على المناطق الحدودية السورية العراقية إقامة حاجز يمنع التواصل المباشر بين البلدين وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وباقي أطراف محور المقاومة وبالتالي خسارة واشنطن ورقة أساسية وهامة راهنت على الإمساك بها لمنع هذا التواصل وسلخ الشرق السوري عن الدولة السورية عبر فرض مشروع التقسيم في هذه المنطقة الممتدّة من دير الزور مروراً بالرقة وصولاً إلى الحسكة وعين عرب.
الأمر الثالث: تعزيز وتقوية موقف الدولة الوطنية السورية وحلفائها في رفض أيّ صيغ لحلول سياسية تمسّ بسيادة واستقلال ووحدة سورية مثل السعي الأميركي لدعم إقامة كونفدرالية كردية أو غيرها من سلطات الأمر الواقع التي تشكل مناطق نفوذ استعماري أميركي.
ولأجل محاولة قطع الطريق على سورية وحلفائها في تحقيق هذه الأهداف الثلاثة التي تضعف موقف واشنطن في المفاوضات للخروج من الأزمة على الأسس التي تتمسّك فيها سورية منذ بداية تفجر الحرب الإرهابية الكونية عليها، أعلن الناطق باسم التحالف الدولي الذي تقوده أميركا الجنرال رايان ديلون قبل أيام أنّ قوات التحالف تعدّ هجوماً على مدينة البوكمال التي تتواجد فيها أغلبية قيادات تنظيم داعش الإرهابي، وطبعاً وفق كلام ديلون فإنّ من سيقوم بالهجوم ما يسمّى «قوات سورية الديمقراطية» وليس قوات أميركية، زاعماً أنّ الأمر متروك لـ»قوات سورية الديمقراطية» في مسألة شنّ الهجوم بعد أن تكون قد أمّنت كامل السيطرة على منطقة حقل العمر النفطي ومحيطه، وما إذا كان باستطاعة «قوات سورية الديمقراطية» تأمين الموارد البشرية الكافية للزحف نحو البوكمال.
هذا التصريح الأميركي يأتي بعد أن نجح الجيش السوري والحلفاء في تحرير العديد من البلدات والقرى والاقتراب من الوصول إلى مدينة البوكمال.
على أنّ ذلك يؤشر بوضوح إلى أنّ استحقاق المواجهة بين الجيش السوري وقوات البيشمركة التي تعمل تحت اسم «قوات سورية الديمقراطية»، تقترب، فسورية لا يمكن أن تقبل التسليم بأيّ سلطة أو قوة مسلحة خارج سيطرة الدولة السورية وبالتالي هي ستعمل بعد القضاء على داعش من أجل استعادة السيطرة على بقية المناطق غير الخاضعة بعد لسيطرتها أن كانت تحت سيطرة البشمركة أو جماعات مسلحة أخرى مدعومة من أميركا أو تركيا، ولن يحول دون ذلك أيّ خطوط حمراء أميركية، لا سيما أن الجيش السوري والحلفاء كسروا الكثير من هذه الخطوط التي حاولت واشنطن فرضها على الأرض السورية، ولم تنجح أميركا في تكريسها، وفي الأيام والأسابيع المقبلة سوف يتكرّر مشهد مثل هذه المحاولات لرسم خطوط حمراء عبر قوات البيشمركة وغيرها وستسقط هذه الخطوط مجدّداً أمام إصرار القيادة السورية والجيش السوري مدعوماً من الحلفاء، ويتمّ وضع نهاية لآخر أحلام أميركا في سورية، وعلى حزب الاتحاد الوطني الكردي أن يدرك هذه الحقيقة ويتوقف عن الاستقواء بالمستعمر الأميركي الذي يستخدمه لإطالة عمر الحرب ضدّ سورية ومحاولة انتزاع مكاسب على حساب سيادتها واستقلالها، لكن أميركا في نهاية المطاف لن ترسل جنودها للقتال وحماية قوات البيشمركة من هجوم الجيش السوري وحلفائه لاستعادة السيطرة على المناطق التي سيطرت عليها بدعم الطيران الأميركي، وإنهاء أوهام إقامة كونفدرالية كردية في شمال سورية، أو أيّ شكل للحكم الذاتي باعتبار ذلك ليس حقاً لهم في سورية كما هو حال شمال العراق، حيث يحظون بالحكم الذاتي، لأنّ أكراد سورية ليس لديهم وجودا صافيا في شمال سورية، وهم لا يشكلون سوى نسبة 20 إلى 25 بالمئة من السكان، في حين أنّ الدولة السورية أقرّت للأكراد بمطالبهم المحقة التي لا تتعارض مع وحدة واستقلال سورية وسلطتها المركزية على كامل أراضيها.
ويجب أن يأخذ حزب الاتحاد الوطني الكردي العبرة مما جرى في إقليم كردستان العراق إثر الاستفتاء على الانفصال عن العراق كيف أنّ أميركا لم تحرك ساكناً لحماية حليفها مسعود البرزاني عندما قام الجيش العراقي بالسيطرة على كلّ المناطق المتنازع عليها والتي سيطرت عليها قوات البيشمركة بعد عام 2003 على إثر الاحتلال الأميركي للعراق، لا سيما مدينة كركوك الغنية بالنفط.