وظيفة إقليمية لاستقالة الحريري هل تقاتل سورية والمقاومة على جبهتين؟
د. عصام نعمان
تزايدت، منذ نحو شهر، عمليات «إسرائيل» العدوانية في سورية وفلسطين ولبنان.
في سورية، ضرب سلاح الجو «الإسرائيلي»، من أجواء لبنان، مؤسّسةً صناعية عسكرية في مصياف تبعد نحو 40 كيلومتراً عن قاعدة جوية روسية في حميميم بجوار اللاذقية. قصف بعدها قاعدةً جوية في القلمون تبعد نحو 50 كيلومتراً عن دمشق. أخيراً، ضرب مؤسسة صناعية في محيط حمص بعدما كان قصف بالصواريخ مواقع مدفعية سورية في جوار الجولان المحتلّ.
معظم اعتداءات «إسرائيل» على سورية يقوم بها سلاحها الجوّي من سماء لبنان. معظم صواريخ الدفاع الجوي السوري تتعقب الطائرات الحربية الإسرائيلية وتُصيبها أحياناً في أجواء لبنان. سماء لبنان أضحت في الآونة الأخيرة مسرحاً مفتوحاً للصراع.
غير أنّ ثمة تطوّراً بالغ الدلالة حدث مؤخراً. سلاح «إسرائيل» الجوي كان يستبيح أجواء لبنان في مهمات استطلاعية، غالباً، لرصد تحركات المقاومة حزب الله . اليوم لا تقتصر مهماته على الاستطلاع بل تتعدّاها إلى القيام بعمليات تستهدف مواقع سورية بالقصف والتدمير من مسافات بعيدة. نتنياهو سارع إلى توظيف استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة وذرائعها في دعوة العالم إلى تصعيد مواجهة إيران والمقاومة «الإرهابيتين».
في فلسطين، كانت «إسرائيل» وما زالت تستخدم سلاح الجو في اعتداءاتها شبه اليومية على قطاع غزة. ازدادت هذه الاعتداءات ضراوةً مع إعلان المصالحة الوطنية بين «فتح» و»حماس». بلغت، قبل أيام، ذروة وحشية بتدمير نفق في جنوب القطاع لحركة الجهاد الإسلامي أودى بحياة أكثر من عشرة مقاتلين ناهيك بالجرحى والمتضرّرين.
هذه الاعتداءات المتصاعدة على سورية وفلسطين جاءت نتيجةَ ضائقة سياسية واستراتيجية متنامية تعانيها «إسرائيل» منذ إقرار الاتفاق النووي بين إيران وستّ دول كبرى من جهة، ومن جهة أخرى انكسار رهانها وأميركا على دورٍ فاعل لـِ «داعش» في وجه سورية، وتواتر أخبار عن وجودٍ متنامٍ لوحدات مقاومة ناشطة في محيط الجولان المحتلّ تدعمها إيران. باختصار، «إسرائيل» قلقة جداً من مفاعيل وجود إيران في سورية، فماذا يمكنها أن تفعل؟
يُستفاد من دراساتٍ لمؤسسات الأمن القومي ومقالات لمعلّقين عسكريين «إسرائيليين» أنّ المنظومة السياسية والعسكرية الحاكمة تتجاذبها تصوّرات ومقاربات مختلفة في مسألة الخروج من الضائقة السياسية والاستراتيجية الراهنة. ثمة فريقان، على ما يبدو، يتصدّران مجهودات البحث والتخطيط الآيلة الى التنفيذ: فريق تقليدي يلتزم نهج التحالف الكلاسيكي المزمن مع الولايات المتحدة والتقيّد بمتطلباته في شتى ساحات الصراع، وفريق راديكالي يعي محاذير الانفراد بشنّ حربٍ على إيران أو حزب الله. غير أنّ كِلا الفريقين يلتقيان في الوقت الحاضر على اعتماد خيار «القوة الناعمة» Soft Power حيال إيران وسائر أطراف محور المقاومة. في سياق هذا النهج، يجري تشغيل تنظيمات إرهابية، وتنفيذ عمليات تخريب استخبارية، وتدبير فتن طائفية ومذهبية، وفرض عقوبات اقتصادية، كما اللجوء إلى حروب محدودة لتقويض قدرات العدو في مختلف الميادين.
«إسرائيل» تعتمد دائماً نهج «القوة الناعمة» في مواجهة أعدائها. لكن لوحظ في الأشهر الثلاثة الماضية أنها ضاعفت ووسّعت من اعتمادها العمليات العسكرية المباشرة والمدمِّرة ضدّ أعدائها ولا سيما سورية والمقاومة. والظاهرة اللافتة هي ازدياد استخدام «إسرئيل» أجواء لبنان لضرب القوات والمواقع السورية وما تستطيع تحديده من مواقع للمقاومة. هذا التطور يمكن أن يؤدي الى إفراز أخطار ثلاثة:
أولها دفعُ سورية إلى القتال على جبهتين: واحدة في الشرق البوكمال ضدّ «داعش» المدعوم ضمناً من الولايات المتحدة عبر «قوات سورية الديمقراطية قسد»، والأخرى ضدّ «قسد» تحديداً في الرقة والحسكة وشمال حلب الشرقي حيث للقوات الأميركية قواعد ومطارات، والجبهة الأخرى في الغرب على مدى أجواء لبنان التي يستخدمها سلاح الجو الإسرائيلي للاستطلاع وللقصف من مسافات بعيدة ضدّ قواعد سورية عسكرية وصناعية.
ثانيها دفعُ حزب الله إلى القتال بصورة متزامنة على جبهتين: واحدة عسكرية في مواجهة «إسرائيل» على طول حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وفي سورية حيث تساند وحداته المقاتلة الجيش السوري في ميادين عدة، والأخرى سياسية نتيجةَ الحرب الجوية التي تدور في أجواء لبنان بين سورية و»إسرائيل» وتداعياتها السياسية على حلفاء سورية اللبنانيين في علاقاتهم مع خصومهم من حلفاء أميركا والدول العربية المحافظة.
ثالثها إحراجُ روسيا الملتزمة دعم سورية عسكرياً ضدّ «داعش» و»النصرة» وأخواتهما من جهة والمنهمكة سياسياً، من جهة أخرى، في توليف مبادرات ومؤتمرات للحوار والتوفيق بين مختلف أطراف المعارضة السورية الموزعين في ولائهم بين أميركا وتركيا والسعودية.
كيف يمكن أن تواجه سورية والمقاومة هذه التحديات المستجدة، خصوصاً بعدما أعطى الحريري أعداء محور المقاومة ذرائع طازجة لتوسيع دائرة العدوان؟
ثمة مساران للمواجهة: واحد للمدى الطويل وآخر للمدى القصير والمتوسط.
في المدى الطويل، لا بدّ من أن تتكامل جهود سورية وإيران وروسيا، سياسياً وعسكرياً، في مسار يؤدّي إلى طرد التنظيمات الإرهابية والأخرى الموالية لأميركا وتركيا والسعودية، والى إعادة توحيد سورية تالياً وبسط سيادتها على كامل ترابها الوطني.
في المدى القصير والمتوسط، لا بدّ من تطوير قدرات سورية الذاتية على نحوٍ يمكّنها من الدفاع عن نفسها من جهة، وردع «إسرائيل» بتحقيق توازن استراتيجي مع العدو الصهيوني من جهة أخرى.
ليس من المتوقع ولا من المنطقي أن تتولى روسيا ردع سلاح الجو «الإسرائيلي» باستعمال طيرانها أو قواعد صواريخ دفاعها الجوي في مطار حميميم. كما ليس من المنطقي أن تقف روسيا مكتوفة اليدين حيال الطائرات الحربية «الإسرائيلية» وهي تقصف من أجواء لبنان قواعد عسكرية وصناعية سورية تقع على مقربة من مطار حميميم أو قاعدتها البحرية في طرطوس.
المخرج من هذه المعضلة هو في تزويد سورية منظومةَ دفاعٍ جوي قوي، S-400 مثلاً، كفيلة بردع «إسرائيل» ومنعها من الاعتداء عليها عبر أجواء لبنان.
في وسع روسيا، سياسياً وعسكرياً، تبرير تزويد سورية منظومة الدفاع الجوي المطلوبة. لكن في حال تلكّأت، لسبب او لآخر، فلا يبقى إلا أن تقوم إيران بتزويدها أقوى وأفعل ما تمتلكه من منظومات دفاع جوي تفي بحاجتها. ذلك أنّ لديها منظومة S-300 روسية الصنع، كما تمتلك منظومة مماثلة مصنّعة محلياً وتضاهيها في القوة والفعالية.
هل من مسارٍ آخر وأفعل لتجنيب سورية القتال على جبهتين؟
وزير سابق