السعودية الجديدة… RECYCLING أميركي!
نزار سلّوم
الحدث غير المسبوق الذي يجري في السعودية تحت عنوان غاوٍ هو مكافحة الفساد ليس مسألة عائلية يُصار إلى تسويتها وفق تقاليد العائلة وعاداتها، وتبعاً لمراكز القوى الحاكمة فيها.
الحدث، برمّته، بما فيه استقالة رئيس وزراء الحكومة اللبنانية سعد الحريري يرتبط عضوياً بالرؤية الأميركية وتالياً الإسرائيلية لـ السعودية الجديدة التي يفترض إنتاجها على النحو الذي يحرّر واشنطن تحديداً من أوصافها القديمة وأهمّها: اقتران اسمها بالإرهاب وتنظيم القاعدة وأحداث 11 أيلول. هذه الأوصاف التي استحالت إلى عبء ثقيل ومن غير الممكن احتماله في عالم بدا من خلال ما يجري في سورية، مكشوفاً على نحوٍ غير مسبوق، في علاقاته وقواه ومواقعه، بحيث لم تعد هنالك أية التباسات يمكن أن تحجب اعتماد الدول الغربية، وأولها الولايات المتحدة، على التنظيمات الإرهابية واستثمارها في المجال الجيوسياسي في مختلف مناطق العالم وغبّ الطلب. تنظيمات لا يمكن أن يكون لها قوام لولا استخراجها من المناجم السعودية الغنية بها ليُصار إلى إعادة إنتاجها وفق حاجات الاستثمار السياسي وأولوياته وضروراته.
السعودية الجديدة المطلوب إنتاجها أميركياً تفترض إحداث تغييرات رئيسية كي يتمّ إنجازها، تغييرات تطاول الأشخاص والرؤية وتتقدّم في أسلوب التوظيف الجيوسياسي. غير أنّ العامل الحاسم، في نظام أسروي مغلق، سيكون الشخص وسيكون اختياره نموذجياً بقدرته على الانعتاق من عبء تاريخ مثقل بالمعطّلات وغير قادر على الاستمرار، وقدرته أيضاً على التبشير برؤية مختلفة تشي بحداثة ما!
يوفر الأمير محمد بن سلمان في شخصه، الصفات اللازمة والضرورية التي جعلت منه خياراً نموذجياً لتولي مسؤولية برنامج إنتاج السعودية الجديدة والذي هو شخصياً أوّل منتجاتها.
عندما وقعت أحداث 11 أيلول 2001، والتي تشير القراءة الأميركية الرسمية الأخيرة لها إلى مسؤولية سعوديين عن تنفيذها وتمويلها والتخطيط لها، ما أدّى إلى اجتراح قانون جاستا المسلّط فوق رأس العائلة السعودية المالكة.
عندما وقعت هذه الأحداث كان الأمير محمد شاباً يافعاً في إحدى المدارس الثانوية في مدينة الرياض. على نحو جازم هو لا ينتمي إلى العهد السعودي الجهادي القاعدي الذي ابتدأ في مطلع ثمانينيات القرن الماضي والممتدّ إلى الآن، فهو منعتق من تبعات هذا العهد وقادر على وضع حدّ له.
يمكن الانتباه خصوصاً إلى موقفه، بهذا الخصوص، من خلال مشاركته في الجلسة الحوارية في مبادرة مستقبل الاستثمار التي عقدت في الرياض في 24 تشرين الأول 2017، وجاء في أقواله التالية: لن نضيّع 30 عاماً أخرى في التعامل مع الأفكار المتطرفة… سنعود إلى ما كنا عليه من الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح… مشروع الصحوة لم يظهر في المملكة إلا بعد العام 1979. يمكن ملاحظة أنّ هذا التاريخ الذي يحدّده الأمير هو التاريخ نفسه الذي دخل فيه الجيش السوفياتي إلى أفغانستان، وتالياً تمّ تأسيس تنظيم القاعدة وبداية العهد السعودي الجهادي – القاعدي.
موقف محمد بن سلمان ليس نقداً مجرّداً، بل هو انقلاب كامل، تمّ التأسيس له منذ تولي الأمير مسؤولية ملف السعودية الجديدة ويتمّ استكماله على مراحل متتالية، كانت إحداها إلقاء القبض على أمراء ومسؤولين واحتجازهم والتحقيق معهم بتهم متعلقة بالفساد.
جاءت الأزمة المفتوحة مع دولة قطر، في أحد جوانبها كمؤازرة مرموقة داعمة لبرنامج إنتاج السعودية الجديدة، وذلك من خلال عنونتها بكونها ناتجة عن دعم قطر للتنظيمات الإرهابية، ما يؤدّي افتراضاً إلى انزياح التركيز عن السعودية ودورها، وانتقال ذلك كله إلى مركز آخر قطر يفترض وضع حدّ له ولدوره في إطار مقتضيات جيوسياسية مستجدة. على التوازي يشكل الموقف السعودي من إيران والتطرف فيه نحو الأقصى، العقيدة الاستراتيجية القادرة على امتصاص فعالية الأيديولوجية الوهابية في إطار صراع خارجي إقليمي هو المجال المشترك المفتاح الإجباري مع الاستراتيجية «الإسرائيلية» والأميركية في آن. في هذا المجال تقدّم الولايات المتحدة مؤازرة داعمة إعلامياً وسياسياً لمحمد ين سلمان، حيث وصلت أعمال التنقيب الاستخباري الأميركي، في وثائق أسامة بن لادن مؤخراً إلى اكتشاف اتفاق بين تنظيم القاعدة وإيران يقضي بأن تقوم القاعدة بضرب استقرار دول الخليج وأولها السعودية! ومن المؤكد أنّ أعمال التنقيب هذه ستستمرّ واكتشافاتها ستتوالى وفق مقتضيات الاستراتيجية المعتمدة راهناً.
على المستوى الإقليمي ليست المسألة بمثل هذا التبسيط بل تدخل في جملة من التعقيدات، فبمقدار ما يمكن للسعودية الجديدة من رسم ملامحها الاجتماعية والاقتصادية بيسر قيادة المرأة للسيارة، إنشاء مدينة نيوم… وفق رؤية 2030 لبن سلمان فإنّ هذا اليسر على مستوى الصراع الإقليمي وتالياً العالمي لا يبدو واضحاً، ويمكن التقدير هنا أنّ الموقف السعودي هو بمثابة الثمن الكبير أو الكلفة التي يجب أن تدفعها مقابل انعتاقها من تاريخها الجهادي الذي يلاحقها إلى هذا الوقت. لكن مَن يعرف طبيعة وقيمة هذه التكلفة في إطار صراع استقطابي كبير بين محور روسيا، إيران، العراق، سورية، لبنان في نسخته المقاومة، ومحور الولايات المتحدة، إسرائيل، السعودية…؟
من تمّ إلقاء القبض عليهم في السعودية، بالتغاضي عن حقيقة أدوارهم ينتمون إلى السعودية القديمة، ومن غير المؤكد ما إذا تمّ تقرير إنْ كان الرئيس سعد الحريري ينتمي إلى السعودية القديمة فيتمّ احتجازه، أو إلى السعودية الجديدة لتتمّ إعادة إنتاجه؟
المؤكد أنّ برنامج تدوير السعودية القديمة ماضٍ، رغم المسحة التراجيدية العائلية الشكسبيرية التي تخيّم عليه راهناً.