لبنان.. وتقاطع المفترقات
هتاف دهام
ثمّة الكثير من الغبار السياسي الذي يشوّش الرؤية اللبنانية، حيث تختلط الحسابات المضطربة بالمواقف الغامضة، لكن الانقشاع الحقيقي للرؤية يرتبط بمحطات عدة لعلّ أبرزها عودة الرئيس سعد الحريري من الرياض إلى بيروت. عودة لا يمكن أن تطول، يقول المعنيون في قصر بعبدا وعين التينة لـ «البناء». وتجمع مصادر الرئاسة الأولى والثانية على أنّ ثمة غضباً حقيقياً في الشارع السني. غضب قيد التفاقم.
ما يبدو إيجابياً في ضوء هذه المعمعة هو أنّ جميع المكوّنات اللبنانية تدرك خطورة المرحلة الراهنة وتتعاطى بموقف غير تصعيدي، حتى كتلة المستقبل نفسها بدأت تخفض من منسوب تصعيدها. ففي بيانها الأخير بدت هادئة وأقرب إلى الخطاب اللبناني السائد. في حين بدا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وحده ناشزاً من حيث التصعيد.
لا بدّ للشيخ سعد أن يعود ليعلن موقفاً. موقف لا يمكن التنبّؤ بمضمونه أقله حتى رجوعه المتوقع, بحسب مصادر رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ «البناء» في مهلة لن تتجاوز بداية الأسبوع المقبل لتقديم استقالته دستورياً، وفق النصوص والأعراف والآليات، ليُبنى على الشيء مقتضاه. إذ إنّ المسار الدستوري سيفتح بعد ذلك مشاورات لتسمية رئيس جديد لتشكيل الحكومة المرتقبة.
وتعوّل مصادر نيابية في كتلة التحرير والتنمية لـ «البناء»، في هذا السياق على المساعي الفرنسية لجلاء الصورة. تتوافق هذه المصادر مع تأكيد )مصادر قيادية في تيار المستقبل لـ «البناء»، أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (الذي سيلتقي غداً سفراء الدول الخمس الكبرى بناء على رغبتهم طلب المساعدة الدولية للاستكشاف حيال مآل الأزمة. ومن المرجح بحسب هذه المصادر، أن يكون للفرنسيين دور أساسي وناشط.
وسط هذه الأجواء برزت أمس حركة نشطة قام بها السفير الفرنسي فرنسوا فوشيه شملت رئيس المجلس النيابي والرئيس نجيب ميقاتي. وأتى تحرك السفير الفرنسي بعد تأكيد الخارجية الفرنسية أنها ستبقى على اتصال وثيق مع جميع اللاعبين السياسيين اللبنانيين، ودعوتها الأطراف اللبنانية للعمل بروح من المسؤولية والتوافق، وتجنيب دخول لبنان في مرحلة عدم استقرار جديدة.
في هذا السياق، تتحدّث مصادر عين التينة عن إجماع غربي على ضرورة تحلي اللبنانيين بالهدوء، والالتزام بأهمية المحافظة على استقرار لبنان ووحدته والعمل على إنجاز الانتخابات النيابية في موعدها المحدّد. وتشير أوساط سياسية بارزة لـ «البناء» إلى أنّ الفراغ الحكومي هو تمهيد لتسوية تقوم عليها حكومة تكنوقراط لا يشارك فيها حزب الله ولا يشارك فيها أيّ حزب أو تيار سياسي آخر. حكومة تتولى على نحو أساس التحضير للانتخابات النيابية المقبلة. وإذا قدّر لهذا الخيار أن توافق القوى السياسية عليه، فإنّ إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية سيصبح ممكناً وإلا فإنّ البلد قد يدخل في فراغ حكومي في ظلّ العجز عن تشكيل حكومة سياسية فراغ ستكون له تبعات اقتصادية، لا سيما أنّ خبراء اقتصاديين، يبدون خشية من انعكاس التطورات لاحقاً على الليرة اللبنانية وقد يكون ذلك أخطر ما يصيب الوضع اللبناني الهش. بيد أن أوساطاً سياسية أخرى تبدي جزماً بأن لا مستقلين غير حزبيين في لبنان. وتقول «من المبكر بعد الحديث عن شكل أو لون الحكومة»، فرئيس الجمهورية لم يقارب الملف بعد، سواءٌ من زاوية سياسية أو تكنوقراطية».