رئيس بحجم وطن!
روزانا رمّال
ربما لا يصلح الخروج عن المهنية الصحافية التي تطلب مقاربة الأمور بموضوعية في أغلب محطات التوتر والأزمات السياسية، ولا يصلح معها الانحياز الى مواقف زعماء عرفوا بتوجهات سياسية وانتماءات وحتى اصطفافات، الا ان الذي يتوقف عنده المتابع لذلك الذي «يحرس» قصر بعبدا و «الجمهورية» هو أكبر من واجب رئيس، لأن واجب رئيس الجمهورية يفرض عليه النزول عند رغبة الإجراءات التنفيذية او الدستورية بحال استقالة حكومته ليستكمل سير العملية السياسة وليكمل عهده وينقذه من الانتقادات عن تجاوزات بدأت تتحضر للردّ على رفضه استقالة الرئيس سعد الحريري ليصبح ما يقوم به محطة تاريخية من عمر إنقاذ البلاد وصيغته وتركيبته السياسية متخطياً كل ما يجعل منه رئيساً تنفيذياً في البلاد بدون «الحس» الوطني الذي يفتقده كثر ممن وضعوا في سدة المسؤولية.
إنها المرة الثانية التي ينقذ فيها عون قوام الجمهورية ومصير الوطن و«الطوائف» التي يتغنى بها اهل هذا البلد والتركيبة الاستثنائية الهشة. إنها المرة الثانية التي يتوقف فيها الرئيس المسيحي عند مسؤولية تحمل ما لا «يطيق او يُطاق» تجاه الشريك المسلم في البلاد وتشعبات الصراعات التي تغذّى من اجل الانظلاق لفتنة بين مذاهبه تنسحب على المنطقة كلها، لأنه يبدو انه لا ينظر للطائفة بل الى شريك وطن. إنها المرة الثانية التي يثبت فيها أن الوقفة الشجاعة تحمي مصير وطن. إنها المرة الثانية التي ينقذ فيها عون الجمهورية من الظلام..
المرة الاولى كانت عندما مد يده للشريك الشيعي في البلاد في حرب تموز من عام 2006 يقول له إننا لن نتركك في هذه المحنة، وإن ما يجري هو اعتداء مباشر على لبنان، وإننا معك وبيوتنا لكم وعائلاتنا اهلكم واخوانكم نتقاسم معكم الأكل والملبس في هذه الحرب والمصير، لأن ما يجري يستهدفنا جميعنا ويبتغي الانقضاض على لبنان عبر زرع الشقاق بين اهله وطوائفه على اساس ان الطائفة الشيعية مسؤولة عن دمار هذا البلد وليس «إسرائيل»..
المرة الثانية هي اليوم! بكل ما تحمل الشجاعة من معنى يقف الرئيس عون عند حقوق الطائفة السنية وكرسيهم ويرفع قضية احترام مقعد مجلس الوزراء إلى أعلى أولويات أجندته السياسية. يحمل عون وزر الالتفات الى عدم تخطي الأكثريات ورغبة الشعب واصول الحياة التي تقاسمها مع شركائها. يقول عون اليوم ان السنة شركائي في هذا الوطن وإن ما يجري يستهدف لبنان بكل مفاصله. مع العلم ان اكثر من يستهدف اليوم هو «العهد» على يد القرار الذي أخذه الحريري بدون شرح للرئيس ما يجري، إنها المرة الثانية التي يعذر فيها عون شركاءه في الوطن ويتحمّل الأمرّين من اجل وضوح الحقائق..
قائد «بحجم وطن» هو الرئيس اللبناني ميشال عون حيث لا يحتمل الحياد الصحافي التغاضي عن كيفية إدارة السياسة أبعد من المصلحة الخاصة، لا بل استطاع عون ان يلملم الشارع السياسي ويضع المتطرفين بالموقف عند حدهم بحكمة استثانية أدت إلى إعادة النظر بمواقفهم و«الخجل» من حكمة هذا الرجل ورفعة تقديره للموقف وتوافقه مع رجالات دولة يشاركونه المسؤولية كرئيس مجلس النواب ومسؤولي أحزاب قرروا رفع صوت العقل.
كان يراد لعون الانزلاق الى المجهول والتصرف بانفعال. وإذا به ينسف المخطط برمته بالموقف الرسمي للبلاد. كل الذين تابعوا مواقف عون سألوا سؤالاً واحداً «ماذا لو كان في قصر بعبدا رئيس آخر؟».
اللبناني الذي صار سريع الاستنتاج وواسع الخبرة بتداعيات الأزمات على بلده يعرف انه لو كان هناك رئيس آخر غير عون لا يتمتع بالصلابة المطلوبة في هذا الوقت، فإنه كان ليضيع ويرتبك ويضيع معه البلد ومصيره عبر التبعية لهذا الرأي والتمسك بذاك. لقد أنصف اللبنانيون رئيسهم الذي استطاع ان يقلب المزاج السياسي ويحوله طاقة ايجابية تبتغي فقط الوصول الى الحقيقة «اين هو رئيس حكومتنا؟ نحترم رغبته، لكن علينا ان نراه يستقيل وهو بيننا».
عون يدخل التاريخ بهذه المواقف. وهذا ليس خياراً مقصوداً منه فهو الذي تصرف بالحكمة الجامعة نفسها ابان حرب تموز، يتصرف اليوم عند هذا الاعتداء. المشكلة أن عون يؤكد لخصومه في كل مرة انه «رجل وطني» لا يبتغي المكاسب المادية والسياسية لا في السلطة ولا خارجها. يستذكر أولئك الذين أرادوا تقليب عون على حلفائه مرحلة انتخاب الرئيس ميشال سليمان ويقولون لفريقه «لماذا لم ينتخبكم حلفاؤكم حينها، ولماذا لا تزالون مصرين على التحالف معهم؟ يجيب عون لأن تحالفنا وطني وعابر للمصالح ورغم الخسارة تمسك بحليفه الشيعي. واليوم رغم الخسارة يتمسك بحليفه السني. لأنه لا يمكن عزل الذي جرى عن نيات استهداف العهد المبيتة منذ اول يوم بل منذ لحظة التصويت التاريخية تلك لانتخابه رئيساً للجمهورية قبل سنة.
ميشال عون.. رئيسٌ قديرٌ بحجم وطن …