عودة في تأزّم وضع الحريري سعودياً
ناصر قنديل
– تبدّد الكثير من عناصر موجة التفاؤل التي أعقبت الحوار التلفزيوني للرئيس سعد الحريري، الذي أوحى بنيّة سعودية بالتراجع عن حجز حرية الحريري والسماح بعودته إلى بيروت، بعد التيقّن من فشل خطة احتجازه في تحقيق أهدافها، وكان الحوار بذاته، رغم ما فيه من إشارات عديدة معاكسة لما أعلنه الحريري عن حريته، تعبيراً عن نية سعودية بالحلحلة، لكن ما حدث بعد الحوار أعاد إشاعة انطباعات معاكسة.
– مضى يومان على الحوار، وقد قال الحريري في الحوار إنه سيعود خلال يومين، ولم يعلن موعداً محدّداً للعودة، بل ظهرت تغريدة يتيمة للحريري ليس هو بالضرورة مَن كتبها ووزعها على حسابه، تقول إنه من جديد «بعد يومين ثلاثة» سيكون موعد العودة، ما يعني تأخيراً إضافياً، في لحظة لا يفترض أن يتقدّم عنده شيء على هذه العودة، إلا إذا كان القرار بالتأخير خارجاً عن إرادته.
– حظيت زيارة البطريرك الماورني بشارة الراعي للرياض بتغطية تلفزيونية وإعلامية جيّدة، حرمت منها زيارة الحريري للبطريرك كلياً، لتتمّ بصورة سرية غامضة، لم يُتح للوفد المرافق للبطريرك وللإعلاميين ضمنه، ملاحظة وصول الحريري وخروجه، ولا التقاط صور وإدخال كاميرات، بل قام السعوديون بتوزيع صورة للزيارة أسوة بما يفعلونه منذ عشرة أيام مع ما ينشرونه عن أنشطة للحريري يقولون عبرها إنه بكامل حريته.
– عادت كتلة المستقبل في بيان جديد لشعار «الأولوية لعودة الحريري»، الذي تخلّت عنه في بيانها الثاني واستبدلته بمبايعة السعودية بما بدا نوعاً من التطمين تمهيداً لحرية الحريري، بعدما رفعت في بيانها الأول شعار الأولوية لعودة الحريري، يوم كانت في ذروة القلق على مصير الحريري، فهل تشكّل العودة لشعار الأولوية للعودة ومعها التنصّل من بيانات النائب عقاب صقر، بالقول «إنّ بيانات الكتلة تعبّر عن موقفها»، عن عودة القلق على مصير الحريري؟
– تزامن ذلك مع تبدّل في خطاب حزب القوات اللبنانية وكلّ الذين دعوا للتعامل مع الاستقالة كاستحقاق دستوري، والذين اتهموا كلّ دعاة «الأولوية لعودة الحريري»، بالقفز على جوهر المشكلة والتي رأوها بالمواجهة مع إيران وحزب الله، فبعدما اصطفّ هؤلاء مع الدعوة لأولوية عودة الحريري لأيام مؤيدين تعامل رئيس الجمهورية مع الأزمة، عادوا للنغمة الأولى، ومضمونها اتهام المتمسّكين بأولوية عودة الحريري، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية، بالقفز عن جوهر المشكلة، وهي برأيهم المواجهة مع حزب الله. وهذا هو بالتالي مضمون الموقف السعودي، ولا داعي له لو كان الحريري سيعود قريباً، لأنه سيتكفل عندها بطرح ما يسمّونه جوهر الموقف.
– الحدث اللافت الذي منح هذه الشكوك جرعة من التزخيم وزاداً من القلق، ما تداولته مواقع أوروبية من تقارير بدا واضحاً أنها بتوقيع سعودي، تقدّم رواية لربط مصير الحريري بالأمراء ورجال الأعمال السعوديين المحتَجزين، تتحدّث عن تمرّد الأمراء والمتموّلين على طلب ولي العهد بالمساهمة في تمويل حروبه من ثرواتهم، وتكليفهم للحريري التوسّط مع إيران، للوصول إلى عناوين تسوية، ترتبط بإطاحة الأمير محمد بن سلمان، وانكشاف المسعى والمتورّطين بعملية تتبّع وتنصّت ومتابعة مخابراتية أميركية، وضعت حصيلتها عبر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جاريد كوشنر، بتصرّف بن سلمان عشية ليلة القبض على الأمراء واستدعاء الحريري، ويخشى أن يكون توزيع هذه التقارير مقدّمة لتوجيه اتهامات سعودية رسمية علنية للحريري تتوّج قضائياً بإجراءات تجعل احتجازه رسمياً وعلنياً.
– يزيد من القلق بوجود تأزّم في وضع الحريري، التعامل الفظّ لولي العهد السعودي مع رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بلقاء الحريري، فلو كان القرار بالإفراج عن الحريري قريباً، لما تردّد بن سلمان في إتاحة اللقاء لماكرون، ولا كان ثمة سبب لتجديد الحريري مهلة اليومين «بيومين ثلاثة».