هل نجح لبنان في تأمين سلامة الحريري؟
روزانا رمّال
كشفت مصادر رفيعة لـ «البناء» أن البحث جارٍ منذ الـ 48 ساعة الماضية لإيجاد مخرج لوضع الرئيس سعد الحريري الملتبس في الرياض وإيجاد صيغة تنقذ السعودية من الضغوط التي بدأت تتعرّض لها من المجتمع الدولي، مشيرة الى ان الحريري في وضع صعب اليوم، لكن بات يمكننا القول إن الضغط اللبناني الرسمي استطاع تأمين سلامة الحريري بعد أن تمّت الموافقة على الدعوة الفرنسية له ولعائلته بالسفر إليها. وهو مخرج يخلّص المملكة العربية السعودية من الموقف المريب الذي وقعت فيه جراء إعلان الحريري لاستقالته من الرياض بدلاً من لبنان، وسواء سافر اليها قبل لبنان أم العكس، فإنه بات يمكننا القول إن الضغط اللبناني نجح في تأمين مخرج آمن للحريري وعائلته وهو بحد ذاته إنجاز. فالوسيط الفرنسي والمساعي المصرية نجحت في وضع الأطراف أمام مسؤولياتها «الشكلية». فبين مَن يعتبر أن الحريري بخطر في لبنان، هناك مَن يعتبر أن الحريري هو بخطر في المملكة العربية السعودية. وبين هذا وذاك فإن الأكيد حسب المعلومات أن الفرنسيين أبلغوا السعوديين، عبر مصادر دبلوماسية، وزير الخارجية الفرنسي أمس، أن الوضع لم يعد يحتمل الانتظار اكثر في هذا الوضع المريب، وأن الحذر من ان يلجأ لبنان الى تدويل الأزمة وطرحها امام مجلس الامن هو جدي. وهو امر مقلق بالنسبة للأطراف الدوليين ولا يخدم السعودية في المرحلة المقبلة.
ويختم المصدر «أن العيون تتجه نحو يوم الاحد واجتماع وزراء الخارجية العرب الذي دعت اليه السعودية، والموقف اللبناني الذي يبدو انه سيكون تصعيدياً، اذا لم تنجح الوساطات من اليوم حتى عقد الاجتماع. وبالتالي فإن الموقف الفرنسي وهو المخرج الأمثل للطرفين ينطلق من هذه الحسابات مجتمعة وسواء كان الحريري قد اعتزم الذهاب لفرنسا قبل العودة الى لبنان ام العودة الى لبنان فالاستقالة ثم مجدداً الى فرنسا، فإن نجاح التحرك اللبناني في الأروقة الدولية تكفّل في إرساء هذا الواقع».
وإذ يتمنى ماكرون أن يؤكد الحريري استقلاله من لبنان يؤكد فيما يحكيه أن الوضع غير قويم وأن هناك مخالفة دستورية حصلت. وهو بحد ذاته موقف يحمل السعودية مسؤولية أخلاقية باتجاه لبنان أولاً والمجتمع الدولي ثانياً والحريري الذي يحمل الجنسية الفرنسية تنظر إليه فرنسا أولاً وأخيراً على انه رئيس وزراء لبنان الذي يجمعه وفرنسا الكثير من علاقات الاخوة والصداقة، وهي التي لا تزال «الأم الحنون» بعيون البعض صارت أكثر عرضة للانتقاد، بعد أن رفض طلب الرئيس ماكرون في مقابلة الحريري وصار التشكيك في الخطوة الفرنسية موضع أخذ ورد لدى بعض الذين وجدوا في التنسيق السعودي الفرنسي جزءاً من الخطة لعدم إحراج السعودية بدلاً من السعي الفرنسي لإعادة الاستقرار في لبنان الذي بدا ولأول مرة واقعاً إثر الصفقة الرئاسية الحكومية. وبالتالي فإن المطلوب من فرنسا يتطلّب أيضاً بذل جهد مباشر على صعيد مسعى لثني الحريري عن الاستقالة او اعلان نية إطلاق مبادرة فرنسية جامعة تعيد لملمة الوضع السياسي بدلاً من الترقب الذي يسود المشهد والذي يتجه نحو توقع الدخول بأزمة سياسية لحظة يعلن الحريري استقالته من قصر بعبدا.
تنسيق سعودي فرنسي أوروبي لحفظ ماء الوجه منتظر أن يُترجم واقعاً في عودة جدية للحريري الى لبنان بموعد جدّي ونهائي يعلنه هو، لأن الذهاب الى فرنسا يحمل بالنسبة للبعض تساؤلات تجعل الخطوة الفرنسية مريبة لجهة مراعاة الأسباب السعودية التي قد تكون داخلية من دون مراعاة ضرورة الحفاظ على الاستقرار السياسي في لبنان. وبالتالي فإن الأنظار التي تتوجه اليوم نحو الثماني والاربعين ساعة، إذا صحت معلومات تيار المستقبل وبعض المقرّبين من الحريري ووصوله الى فرنسا ستكون بمثابة خطوة غير مكتملة المعالم على طريق إسكات لبنان الذي يطالب المجتمع الدولي بالتحرّك وإنقاذ الرياض من الإحراج، لكن من دون إعطاء الحريري حق العودة الى لبنان وممارسة العمل السياسي فيه، خصوصاً أنه لم يعلن عن أي رغبة بالانسحاب من المشهد السياسي برمّته ما يعني أن هذا يتوجب إعلاناً مباشراً منه قبل الانتخابات النيابية المقبلة. وهو ما يجب على السعوديين والفرنسيين الالتفات اليه.
الحل الفرنسي حسب الأوساط السياسية قد يكون هو الحل الأمثل حتى اللحظة. وهو ما يبدو أنه طوق النجاة وسط العاصفة التي تعصف بالسعودية، لأن أحداً لم يكن ليعرف مصير الحريري في ما لو لم تتدخّل الوساطات الأوروبية ولم تتحرّك الدبلوماسية اللبنانية بشرح الموقف اللبناني قبل أي قرار يصدر عن مؤتمر وزراء الخارجية العربي المنتظر يوم الاحد. وهو المحطة المرتقبة للبناء أكثر عليها. وبالرغم من هذا فإن التوقع الذي يسود في الوقت الراهن هو طغيان الأجواء التي تتحدّث عن تصعيد باتجاه رئيس الجمهورية اللبنانية وهو تصعيد متمثل بلهجة عالية النبرة، بدأها الإعلام السعودي اليوم. ومن غير المعروف اذا كانت الرياض مستعدة لتحويلها أزمة سياسية مع رئاسة الجمهورية في ظل تأييد غربي واسع للرئيس ميشال عون واختلاف الظروف الدولية التي سادت مرحلة 2005 ورئاسة إميل لحود وهو سيناريو «العزل» المطروح من دون أفق غربي أو دولي.