ماكرون لوساطة بين طهران والرياض… وأيزنكوت يطلّ من الإعلام السعودي! الحريري غداً في باريس… سيناريوات ما بعد الاستقالة… وانتظار مطلع العام
كتب المحرّر السياسيّ
بينما شهد الميدان السوري مبادرة جبهة النصرة للهجوم على مواقع للجيش السوري في منطقة حرستا بغوطة دمشق مسقطة اتفاق خفض التصعيد هناك، لتندلع مواجهات عنيفة بقيت مستمرة طيلة يوم أمس، كان التفسير يأتي من نيويورك، حيث تقدّم الأميركيون للمرة الثانية بمشروع لتجديد لجنة التحقيق بالسلاح الكيميائي التي وضعت تقاريرها واختارت شهودها بتوجيه أميركي، ما جعل الروس يلجأون لحق النقض مرة ثانية، بينما كانت رسالة النصرة في الغوطة تقرأ كتهديد أميركي بإسقاط تفاهمات خفض التصعيد، إذا واصلت موسكو استعمال الفيتو، وجاء الرد الروسي متعمداً باستعمال الفيتو لوظيفة مزدوجة وفقاً لمصادر مطلعة، إسقاط المشروع الأميركي بذاته، وتأكيد الاستعداد للتعامل مع المشاغبة على مناطق خفض التصعيد بما يتناسب من القوة عند الضرورة.
الحدث الأبرز بقي مصير رئيس الحكومة سعد الحريري مع تتبّع مسار المسعى الفرنسي الذي توّج بالإعلان عن وصول الحريري إلى باريس غداً واستقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون له في الإليزيه، بسيناريو أنقذ السعودية من مواجهة محتومة في مجلس الأمن لن تكون بنهايات سعيدة، لكنه أصاب الرياض بنكسة كبيرة في مكانتها الإقليمية ودورها في لبنان، بعدما تحوّلت محاولة أخذ الحريري رهينة للمواجهة المفتوحة مع حزب الله وعبره مع إيران، صارت السياسة السعودية في لبنان والمنطقة رهينة السقوف الفرنسية التي أنقذت السعودية ورسمت معادلة جديدة.
الرئيس الفرنسي وفقاً لما تداولته الأوساط الباريسية المتابعة كان يستعدّ لوساطة بين إيران والسعودية تواكب مشروعه للوساطة بين أميركا وإيران انطلاقاً من معادلة الفصل بين التمسك بالتفاهم النووي مع إيران ومنع تعريضه للاهتزاز، وبين معارضة السياسات الإيرانية في المنطقة والسعي لتقييد برنامجها الصاروخي، وقد وجد ماكرون في الأزمة التي ولدت مع احتجاز الرئيس الحريري الفرصة لهذه المبادرة، خصوصاً أن زيارته المقررة لإيران مطلع العام تمنحه فرصة بلورة مبادرة متكاملة يعرضها على القادة
الإيرانيين بعدما يستقبل ولي العهد السعودي قبيل زيارته لطهران بأيام، يتقدّم خلالها بالتطمينات التي تريدها طهران حول برنامجها النووي وحمايته، وبرؤية للعلاقات الثنائية يجد فيها ماكرون فرصة للشركات الفرنسية للإفادة من رفع العقوبات عن إيران ولا يريد خسارتها، وبالمقابل يصيغ تصوّرات وسطية يمكن التفاوض حولها بصدد البرنامج الصاروخي الإيراني وأزمات المنطقة.
المصادر المتابعة قالت إن هذه الروزنامة ستقطعها لقاءات لماكرون مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا مركيل الشهر المقبل، ولذلك فإن التجميد والتهدئة سيكونان عنوان المرحلة الفاصلة عن إطلاق الوساطة الفرنسية مطلع العام، لتظهر بعد ذلك مشاريع الحلول.
المصادر استبعدت سيناريوات واضحة لما بعد وصول الحريري إلى باريس وموعد عودته لبيروت رغبة بتمديد المهل التي ستعقب قدومه وتقديم الاستقالة ومن ثم الاستشارات النيابية وتسمية الحريري مجدداً لرئاسة الحكومة وبدء التفاوض على الدور السياسي للحكومة الجديدة، التي لا يرد عند أحد التفكير باستبعاد حزب الله عنها، بل بتضمين التفاهم حولها صيغة لموقف لبنان الإقليمي، الذي يستحيل تبلور تفاهم حوله لا يحصّنه تفاهم أو قبول إيراني سعودي.
على خط معاكس، كان رئيس الأركان «الإسرائيلي» يطل من الإعلام السعودي عبر موقع «إيلاف»، مؤكداً العلاقة الثنائية بين السعودية و«إسرائيل» والعداء المشترك لإيران وحزب الله، لكن دون تورط «إسرائيل» بحرب، في تلميح خطير لدعوة السعودية لتقديم المعلومات الاستخبارية لحساب «إسرائيل» وما يعنيه ذلك من تعرض الجماعات التابعة للسعودية من ضغوط تكليفات جديدة عنوانها التجسس على المقاومة لحساب «إسرائيل»، ويستدعي وضع هذه الجماعات تحت الرقابة.
فرنسا أنقذت «المملكة» من مأزق احتجاز الحريري
نجحت المبادرة الفرنسية في إنقاذ النظام السعودي من مأزق احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بعدما وجد «نظام الانقلاب» نفسه في مواجهة لبنان الرسمي والمجتمع الدولي برمّته. وأفضت المفاوضات الشاقة التي خاضتها الرئاسة ووزارة الخارجية الفرنسية على مدى أسبوع كامل مع المسؤولين السعوديين الى انتقال الحريري الى باريس في زيارة خاصة، كما وصفها الفرنسيون كمخرجٍ دبلوماسي للأزمة.
وقد جاءت محصلة المفاوضات، بحسب مصادر «البناء» بعد أسبوع من المشاورات على خط بيروت – باريس الرياض، وتقضي بأن ينتقل الحريري وعائلته الى باريس لأيام عدة ويعود بعدها الى لبنان لتقديم استقالته رسمياً الى رئيس الجمهورية ويطلعه على أسباب الاستقالة، ويبقى في لبنان لتصريف أعمال الحكومة في حين تبقى عائلته في باريس .
وقد أشار الإليزيه مساء أمس، الى أن «الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيجتمع مع الرئيس الحريري يوم غد السبت المقبل في باريس».
ما يعني أن طائرة الحريري ستقلع من مطار الرياض مساء اليوم أو صباح الغد وتصل الى باريس ظهر اليوم نفسه»، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن دبلوماسي فرنسي قوله إن «ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيزور فرنسا في كانون الثاني المقبل».
وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن «الدور الفرنسي في قضية الحريري أبعد من تأمين انتقال آمن للحريري من الرياض الى باريس، بل تتعداه الى إنجاز تسوية هامة كانت هي الرابحة الأولى فيها والسعودية هي الخاسر الوحيد، حيث اقتنصت باريس الفرصة وانتزعت ورقة الحريري من تحت البساط السعودي وبموافقة الرئيس ميشال عون، وبالتالي باتت فرنسا الدولة الأكثر تأثيراً على السياسة الحريرية في لبنان». وبدأت المفاوضات بحسب المصادر بعد أن طلب الجانب اللبناني تدخلاً فرنسياً في القضية، فطلبت فرنسا من الرئيس عون ارسال وزير الخارجية اللبناني للقاء المسؤولين الفرنسيين. وتم الاتفاق على أن تتولى فرنسا المفاوضات مع السعودية، فهدّدت باريس المملكة بأنها ستكون الخاسرة إذا ما نقل لبنان القضية الى مجلس الأمن الدولي، وأن فرنسا ولا حتى الولايات المتحدّة تستطيع استعمال الفيتو حول أي قرار دولي يدين السعودية».
وأوضحت المصادر بأن «المفاوضات تدور بين الرياض وباريس حول مرحلة ما بعد عودة الحريري الى لبنان والسياسة التي سيتبعها». واستبعدت المصادر أن يعود الحريري الى لبنان بخطابٍ تصعيدي، لأنه سيبقى تحت السقف الفرنسي».
وزار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمس، الرئيس الحريري الذي أكد بأنه «سيغادر الرياض الى فرنسا قريباً جداً». وقال الحريري رداً على أسئلة الصحافيين لدى استقباله لودريان في منزله في الرياض، عن موعد ذهابه الى فرنسا، «أفضل الا أجيب الآن، سأعلن لكم ذلك في حينه»، ثم قال: «قريباً جداً».
السعودية تضع شروطاً وتطلب ضمانات…
وقد بدا التناقض واضحاً بين تصريحات وزيري الخارجية الفرنسي والسعودي عادل الجبير، ففي حين أكد لودريان بأن «فرنسا حريصة على أن يحافظ لبنان على استقراره وسيادته ويكون بمنأى عن التدخلات الخارجية في شؤونه وأن الرئيس الحريري مدعوّ لزيارة فرنسا مع أسرته، وسيلبي الزيارة متى يرى ذلك مناسبا»، موضحاً «أننا سنستقبله خلال زيارته إلى فرنسا كصديق»، ظهرت التهديدات والشروط السعودية على لبنان في تصريحات الجبير الذي ردّدها على مسمع لودريان في مؤتمرٍ صحافي مشترك بعد انتهاء اللقاء بينهما في الرياض، حيث طالب الجبير بإيجاد «وسائل للتعامل مع حزب الله» فهو أساس الأزمة في لبنان وهو منظمة إرهابية من الطراز الأول، بحسب زعمه، مؤكداً وجود «خطوات فعلية في هذا الصدد».
وقد تحدّثت معلومات عن طلب السعودية ضمانات من فرنسا بأن لا يقوم الحريري بإغضاب المملكة وكشف ما حصل له في الرياض بعد عودته الى لبنان.
وتابع الجبير حملة التهديد والتهويل ضد لبنان، وقال: «إذا استمر حزب الله على هذه السياسة والنهج، فهذا الأمر سيجعل لبنان يستمرّ بعدم الاستقرار ويجعل الوضع خطيراً». لافتاً الى أن «هناك تشاوراً جارياً لمحاولة الخروج بخطوات تعيد للبنان سيادته وتقلص العمل السلبي الذي يقوم به حزب الله».
وقد ردّ وزير النظام السعودي على الرئيس عون واصفاً كلامه عن احتجاز رئيس الحكومة بـ «ادعاءات وباطلة وغير صحيحة».
وفي وقت اقتنع كل العالم بأن السعودية تحتجز حرية الحريري، استمرّ الجبير في سياسة التعمية على الحقائق وادعى بأن «الحريري يعيش في المملكة بإرادته ويستطيع أن يغادرها وقتما يشاء وهو مواطن سعودي كما هو مواطن لبناني».
باسيل للأوروبيين: ادعموا الحريري المعتدل
في غضون ذلك، واصل وزير الخارجية جبران باسيل تحشيد الدول الأوروبية لدعم قضية لبنان، وأكد أمس من أنقرة، بعد لقائه نظيره التركي جاويش اوغلو، أن «لبنان يتابع بدقة المبادرة الفرنسية ونرى أنها ستكتمل عندما ينتقل الحريري من فرنسا الى لبنان، حيث يكون بحل من أي قيد قد يقيّده لدى اتخاذ قراره بالاستقالة». ولفت باسيل الى اننا اعتمدنا سياسة ضبط النفس في قضية الحريري ولم نتخذ خطوات تصعيدية أملا أن لا نضطر لتصعيد موقفنا لتأمين عودة رئيس حكومتنا الى بلده».
وأكد وزير الخارجية التركي «أننا نساند الوحدة والتماسك والاستقرار في لبنان ونعارض كل الأمور التي تخاطر به». ولفت الى أنه «تهمنا عودة رئيس الحكومة الحريري الى لبنان ونؤمن بأنه سيتشاور مع رئيس الجمهورية ميشال عون والقوى وسيتخذ القرار السليم ونقدّر موقفه».
وكان باسيل قد أشار من ألمانيا خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الالماني زيغمار غابرييل إزير الى أن «الحريري شريك لبناني فعلي معتدل ويسوّق للاعتدال في لبنان والعالم، ويجب دعمه وليس محاربته، لأن محاربته تؤدي الى تعزيز الافكار المتطرفة والتي تعاني منها اوروبا والتي يعاني منها لبنان والتي تؤدي الى التلاعب باستقراره».
وأشارت مصادر مواكبة لجولة باسيل الدبلوماسية الى أنه لمس تجاوباً كبيراً من كل الدول التي زارها مع المطلب اللبناني باستعادة الحريري ورفض التدخل في الشؤون اللبنانية، وتأكيد دعم أمن واستقرار لبنان وضرورة استمرار عمل مؤسساته».
وينتقل باسيل الى موسكو اليوم، حيث يلتقي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
عون: تصريف الأعمال يفترض وجود الحريري
وبالتوازي، واصل رئيس الجمهورية لقاءاته ومشاوراته في سياق معركة السيادة والكرامة، وأكد أمس، خلال استقباله مجلسي نقابة الصحافة والمحررين، والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام وأصحاب المهن الحرة أنه «سينتظر مجيء الرئيس الحريري الى بيروت للبحث معه في مسألة الاستقالة التي لم تقبل حتى الآن، «وعندما يأتي يقرر ما اذا كان يريد الاستقالة او الاستمرار في رئاسة الحكومة، لأن الاستقالة يجب أن تقدم في لبنان وعليه البقاء فيه حتى تأليف الحكومة الجديدة، لأن تصريف الاعمال يفترض وجود رئيس الحكومة في البلاد».
وكشف رداً على سؤال، أن حكومة تصريف الاعمال يمكن ان تجتمع وتتخذ قرارات إذا طرأت ظروف استثنائية. وقال: «لا تخافوا ، لن يكون هناك أي حل مقفل امامنا وكل شيء سيكون قانونياً».
ما بعد العودة؟
وفي حين خرج نظام الرياض بعد أسبوعين على احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية بخفي حنين وفشل في مخطط تفجير الفتنة في لبنان، بدأ الحديث في الكواليس السياسية والاوساط الشعبية عن طبيعة المرحلة التي ستحكم ما بعد عودة الحريري الى لبنان، فهل ستنجح المساعي المحلية بتراجع الحريري عن استقالته أم سيعلنها رسمياً من قصر بعبدا؟ وهل سيبقى في لبنان ويقبل أعادة تكليفه وتصريف أعمال الحكومة الحالية؟
أكثر من مصدر من كتل نيابية مختلفة أوضح لـ «البناء» أنه من المبكر الحديث عن مرحلة ما بعد عودة الحريري الى بيروت وماذا سيفعل وما لديه من معطيات وكيف سيترجم التسوية الفرنسية السعودية، لكن مصادر سياسية توقعت أن تفرز الأزمة المستجدة واقعاً جديداً مختلفاً عن السابق وتحدث تغييرات على الوضع السياسي الداخلي وعلى أداء رئيس الحكومة في الملفات الخلافية المطروحة وعلى خريطة التحالفات السياسية بين القوى المحلية، وتوقعت أن تهتز علاقة الحريري ببعض حلفائه داخل بيته المستقبلي من جهة، ومع 14 آذار من جهة ثانية، لا سيما مع «القوات اللبنانية» التي حاول نائب رئيسها أمس النائب جورج عدوان استدراك خطأ رئيسها سمير جعجع والتغطية عليه، حيث يعتبر المقرّبون من الرئيس الحريري بأن «الحكيم» طعن «الشيخ» في ظهره، إن كان بالتحريض الذي مارسه رئيس القوات على رئيس المستقبل خلال زيارته الأخيرة الى المملكة والتي ظهرت لاحقاً من خلال مسارعته الى قبول استقالة الحريري. وأشار عدوان في حديث تلفزيوني بأن «الحريري حليف وصديق وأخ ونحن نراهن عليه ليستمر دوره في تحقيق استقرار لبنان ولدينا آمال لتُنجز سوياً».
وما يؤكد ذلك هو سجال أمس، الذي طفا على سطح الخلافات بين مستشار رئيس الحكومة وزير الثقافة غطاس خوري والنائب السابق فارس سعيد، حيث نشر خوري تغريدة تشير الى أن سعيد طعن الحريري في ظهره. الأمر الذي استدعى رداً من سعيد قائلاً: «لا تعنيني تغريدة غطاس خوري لا من قريب ولا من بعيد حتى ولو قصدني بها»، وأتبعها بتغريدة أخرى، قال فيها: «أرجو من جميع «المحبّين» عدم التدخل بيني وبين بيت الحريري. السياسة عابرة».