حزب الله بدأ من القصيْر… ماذا بعد البوكمال؟
هتاف دهام
أنهى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كلمته مساء أمس، متوجّهاً خصوصاً لجمهور المقاومة بالقول «الذي سمعتموه أول أمس في إشارة إلى قرار جامعة الدول العربية انسوا، «طنشوا»، أكملوا في مسيركم وفي مساركم، مسار الانتصارات الكبرى والتاريخية، ولن يكون آخرها البوكمال».
ردّ السيد نصرالله على بيان وزراء الخارجية العرب حول الاتهامات الموجّهة لحزب الله وللجمهورية الإسلامية بإطلالة خُصّصت للحديث عن انتصار البوكمال. أسهب السيد نصرالله في الكلام عن قائد قوة القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني والحضور الإيراني المؤثر في الميدان، إضافة إلى فصائل الحشد الشعبي والزينبيين والحيدريين، وذلك في إطار الردّ غير المباشر عن الاتهامات لأذرع إيران في المنطقة، شدّد بتأكيده أنّ سليماني حضر في الميدان السوري وفي الخطوط الأمامية يقاتل الإرهاب ويحقق الانتصارات. وبالتالي فإنّ مسار الاتهام طبيعي. واللائحة، كما يرى السيد نصرالله، ستتسع لكلّ الفصائل العراقية أيضاً بعدما جرى وضع حركتي النجباء وعصائب أهل الحق العراقية التي تنطوي تحت لواء الحشد الشعبي، على غرار حزب الله، على لائحة الإرهاب في الولايات المتحدة الأميركية.
بدأ تنظيم داعش بالأفول. انتهى عسكرياً في سورية مع تحرير البوكمال. وانتهى تقريباً في العراق مع تحرير راوة. إنّ رمزية البوكمال تكمن أنها آخر مدينة في الجغرافيا السورية العراقية تحكمها دولة «الخلافة». فما حصل من انتصار يمثل انتهاء المواجهة العسكرية بغضّ النظر عن بعض الفلول كـ «جيش خالد بن الوليد» المبايع للتنظيم في منطقة حوض اليرموك غرب مدينة درعا. ذلك كله لا يعني نهاية المواجهة الأمنية. لقد أكد السيد نصرالله أمس، أنه على «القادة والمقاتلين كلهم في المحور الجهادي التاريخي أن لا يعتبروا الانتصار في سورية أو الانتصار في العراق انتهى. كلا، بل في الحماسة نفسها والعنفوان نفسه والقوة نفسها والنشاط والاندفاع نفسهما، تجب مواصلة العمل للإجهاز على بقايا داعش، خصوصاً أنّ الأميركيين سيعملون على نفخ الروح فيه ودفعه لمزيد من استنزاف محور المقاومة في المنطقة، فلا يجوز أن نغفل أو يشغلنا فرح الانتصار عن مواصلة الجهد في الليل وفي النهار على إكمال واستكمال هذا الإنجاز».
مثّل تحرير البوكمال هزيمة لمشروع أميركي. مشروع فشل في منع الربط البري بين سورية والعراق. فشريان حلب – دير الزور – الميادين – البو كمال المترابط أسقط، بحسب حزب الله، تقسيم سورية رغم المخططات الأميركية كلها لإعاقة التقدّم وتحقيق الانتصار.
لقد تأمّنت الطريق البرية التي تصل بيروت بطهران عبر سورية. فمعبر القائم – البوكمال يُعدّ أهمّ المعابر البرية الحيوية الذي يوصل شرقاً مناطق العراق هيت والحديثة حتى مدينة القائم، ويتفرّع منه باتجاه سورية جنوباً إلى معبر التنف الحدودي، وشمالاً باتجاه الميادين ودير الزور وغرباً إلى مدينة تدمر، وإلى الطريق الدولي حمص دمشق حتى الحدود اللبنانية الشرقية.
هذا الربط البري حقّقه حزب الله والإيرانيون والجيش السوري وبغطاء روسي، وبالقاذفات الاستراتيجية الروسية «تو- 22 ام3» التي أقلعت من الأراضي الروسية وحلقت فوق الأراضي الإيرانية والعراقية، ووجّهت ضربة جوية مشتركة ضدّ مواقع مسلّحي داعش في البوكمال، فكانت رسالة مقصودة في المسار الجوي، تؤكد مصادر ميدانية في حزب الله لـ «البناء».
وعليه، فإنّ السياسة الأميركية فشلت في تقطيع أوصال المقاومة وعزل حزب الله في لبنان، خاصة في المعابر الرئيسية التي تصل لبنان غرباً بإيران شرقاً المصنع – القصيْر – البوكمال ، تقول المصادر نفسها.
معركة القصيْر كانت بمثابة المشاركة الأولى الحقيقية لحزب الله في الحرب ضدّ الإرهاب في سورية. شكّل انتصار الحزب في ذلك الحين في القصيْر نقطة انعطاف مهمة في الأزمة السورية. أما اليوم فإنّ المعارك الكبرى انتهت. فتنظيم داعش انعدم كقوة عسكرية. ومن الممكن، بحسب المصادر الميدانية نفسها، أن يخفف حزب الله من قواته في سورية من دون أن يتجه إلى قرار الخروج الكلي منها. تنسجم هذه التلميحات إلى حدّ كبير مع ما أعلنه السيد نصرالله أنه «بانتظار إعلان النصر النهائي سيقوم حزب الله بمراجعة للموقف، وإذا وجد بأنّ الأمر قد أنجز، ولم تعُد هناك حاجة لوجوده، طبعاً سيعود للالتحاق بأيّ ساحة أخرى تطلب منه ذلك قيادة المقاومة». علماً أنّ الأمين العام لحزب الله رفض ربط هذا الموقف ببيان وزراء الخارجية العرب أو بغيره، فكلّ ما في الأمر بالنسبة إليه، أنّ «داعش قد لحقت بها الهزيمة المطلوبة، ولم يعُد هناك حاجة لوجود هذا العدد من قيادات وكوادر حزب الله الجهاديين في العراق».