استقلال لبنان سقيناه بدمائنا سعيد فخر الدين… شهيد أوحد
داليدا المولى
يحتفل اللبنانيون اليوم، بعيد استقلال بلدهم، وهو الاستقلال الذي تحقّق بإرادة شعبية عامة، جرى التعبير عنها بحالة الرفض العارم لهذا الاستعمار، وبالمقاومة التي كانت تحصل في هذه المنطقة أو تلك، وكانت أبرزها المواجهة الشهيرة يوم واجه البطل القومي الاجتماعي سعيد فخر الدين الدبابات الفرنسية، وارتقى شهيداً أوحد للاستقلال الناجز.
صحيح أنّ الاستقلال حدث في ظلّ «سايكس ـ بيكو»، لكن تحقق بفعل الإرادة الحرة، وفي تلك المرحلة، خاض مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده معركة فكرية وثقافية وتعبوية من خلال حزبه، لأنه أراد لهذا الاستقلال بمعناه الأوسع والأشمل أن يكون ناجزاً عن الإرادات الأجنبية كلّها، ولهذا اندفع القوميون الاجتماعيون وكانوا في طليعة المنتفضين ضدّ الاستعمار.
سعاده الذي يدعو لوحدة سورية الطبيعية، أراد لبنان نطاق ضمان للفكر الحر، ودعا القوميين إلى مواجهة المستعمر ودحره عن بلادنا، في حين كان البعض، يعمل لتدجين الاستقلال ووضعه في سياقات خارجية بما يؤدّي إلى الوظائف ذاتها في ظلّ الاستعمار.
ولأنّ تثبيت الاستقلال هو فعل نضال وتضحيات، فإنّ مقاومة الاحتلال اليهودي وإسقاط مشروعه في لبنان، شكل إعادة صياغة صحيحة للاستقلال، بدءاً بتحرير العاصمة بيروت وصولاً إلى دحر العدو من مناطق جنوب لبنان واستعادة السيادة على معظم مدنه وقراه في العام 2000.
عِلمُ السياسة يعرّف الاستقلال كمرادف للسيادة الداخلية والخارجية، أيّ حق الدولة في أن تمارس بنفسها مجموع صلاحياتها الداخلية ضمن إقليمها، والخارجية بدون تبعية لدولة أخرى أو لسلطة دُولية، مع وجوب مراعاتها القانون الدولي واحترام التزاماته وتضمينها في قوانينها الداخلية.
أما في قاموس المقاومة التي هي تجسيد للإرادة الشعبية، فإنّ الاستقلال هو بمثابة استعادة الهوية، والتحكّم بالقرار السيادي وفق المعايير الإنسانية والحقوقية لكلّ أمة تبحث عن حريتها، وتعتبر حريات الأمم عاراً عليها.
المضحك المبكي أنّ البعض في لبنان يذهب دائماً باتجاه المغالاة في المناداة بالاستقلال والسيادة، لكن هذا البعض ينأى بنفسه عن الفعل الذي يؤدّي إلى هذه النتيجة!
المصلحة الوطنية تقتضي التزام خيارات تحمي الاستقلال، لكن المفارقة أنّ البعض في لبنان يُخضع هذه المسألة للتجاذب، حتى بات العداء لـ إسرائيل مجرد وجهة نظر!
ولأننا نحن حماة الاستقلال الحقيقيين، لا ننتظر لمحاربة الإرهاب موافقات من دول إقليمية تموّل هذا الإرهاب وتدعمه. ولسنا بحاجة لمؤتمرات تراضٍ في الإقليم تتعارض مع حاجات لبنان لتحصين استقلاله بالوحدة، وبالمقاومة التي شكلت فعل تحرّر شكل أحد أهمّ موجبات الاستقلال الحقيقي، بحيث أصبح لبنان عصياً على أشكال التسويات الملتبسة كلها التي تحيكها بعض أنظمة الخليج العربي التي تموضعت إلى جانب إسرائيل .
عشية ذكرى استقلال لبنان، لا بدّ أن نعترف أنّ مصالحنا هي مع محيطنا الطبيعي الذي يشاركنا الهمّ الواحد والمصير الواحد، ويجب أن لا يتنكّر أحد لحقيقة أنّ انتصار الشام على الإرهاب هو انتصار للبنان، وأنّ مشاركة أبناء الأمة في الحرب ضدّ الإرهاب الى جانب الشام، هي تجسيد لمبادئ السيادة القومية، وهذا اتجاه لا يمكن التراجع عنه. كما أنّ فلسطين ليست للمساومة، بل مسألة متعلقة بأمننا وحياتنا. وكلنا ثقة بأنّ مَن هزم إسرائيل ويستمرّ في مقارعتها جيشاً وشعباً ومقاومة باستطاعته أن ينجح في أية مواجهة ضدّ إرهاب المجموعات المتطرّفة وضدّ إرهاب الدولة المتمثل بالعدو الصهيوني.
يبقى لهذا الاستقلال أن يحافظ على مَن صانه، وعلى ذكرى مَن سقاه بدمه، شهيد الاستقلال الأوحد سعيد فخر الدين، الذي يغيب اسمه عن برنامج التكريم الرسمي.
وآن الأوان لإخراج هذا الاستقلال من المرويات الطائفية وأن نضعه في سياقه الوطني والقومي، على طريق بناء الدولة المدنية السيدة، دولة القانون والمؤسسات، دولة المناضلين المقاومين… صانعي الاستقلال الحقيقي.
وكيل عميد شؤون عبر الحدود
في الحزب السوري القومي الاجتماعي