استهداف مصر ومحاولات اغتيال في لبنان
ناصر قنديل
– قد يظنّ البعض أن لا علاقة بين الاستهداف الأمني الكبير الذي تعرّضت له مصر، وبين الاستهداف الذي كان لبنان سيعيش تحت وطأته لولا اكتشاف جهاز أمن الدولة له وإحباطه في مهده، لكن الوقائع المتزامنة للعمليتين، في وقت كان لبنان يعرف أصعب أزماته الحكومية المفخّخة والمفتوحة على مشروع فتنة أهلية، تقول إنّ تفجير لبنان الذي لعبت مصر دوراً كبير في منع حدوثه، ليس بعيداً عن تفسير الرابط من جهة وتحديد الجهة التي تقف وراء العمليتين الخطيرتين معاً.
– في مصر مئات الشهداء والجرحى وضرب لهيبة الدولة وأجهزتها، ودفع الناس في سيناء خصوصاً لليأس من وعود الدولة بالقضاء على الإرهاب، لينصاع بعضها للتعاون مع رموز هذا الإرهاب، بقوة المثال الذي يقدّمه الإرهاب على قدرته على التحرّك، والتجذّر والمثابرة، ويدفع بأغلب السكان للنزوح عن سيناء طلباً لأمن مفقود، وشروط حياة الحدّ الأدنى، وهذا يعني الاقتراب من تحويل سيناء مركزاً بديلاً للإرهاب بعد خسارة العراق وسورية، وإعلاناً للاقتراب أكثر من ليبيا، حيث مصر معنية أيضاً، ومن أوروبا حيث الهدف الأهمّ للإرهاب، وأوروبا كانت في الأزمة اللبنانية الأخيرة شريكة مصر في احتواء عناصر التفجير، التي قالت عنها «إسرائيل» إنها فرصة ذهبية لا يجوز تفويتها لجعل حزب الله يدفع ثمن تهديده أمن «إسرائيل» في الداخل اللبناني وعلى أيدي اللبنانيين.
– في لبنان محاولة طازجة لاغتيال وزير الداخلية نهاد المشنوق والوزير السابق عبد الرحيم مراد، كلّ منهما كان يلعب في جبهته عنصر التبريد والتواصل مع الضفة الأخرى، لتشكيل خط وسط يستطيع صناعة تسوية، ولكلّ منهما بالمناسبة علاقته العميقة والوطيدة بمصر، ولو نجحت المحاولة لا سمح الله لكانت أصابع الاتهام ستتجه فوراً، كما جرت العادة في حالات مشابهة لحزب الله، والمحاولة أُجهضت باكتشاف المكلَّف بالتحضير للعملية من الموساد «الإسرائيلي»، وهو مخرج وممثل لبناني، يصعب توقّع قيامه بمهام أمنية على هذه الدرجة من الخطورة، والمحاولة على خلفية مواكبة مشروع تفجير لبنان التي أريد لها أن تبصر النور مع استقالة مفخّخة لرئيس الحكومة سعد الحريري، وقطع الطريق على مشاريع التهدئة، والخاسر الرئيسي من إجهاض التفجير بحلقاته كلها هي «إسرائيل»، وهذا لم يعُد استنتاجاً، بل حقيقة مع بيان الجهاز الأمني اللبناني الذي كشف العملية وأجهضها.
– نجح لفترة بعض المندسّين لحساب «إسرائيل» في الجسم الإعلامي العربي بتسخيف كلّ اتهام لـ «إسرائيل» بالتخريب، ولولا النجاح الأمني اللبناني بكشف المعلومات وتوثيقها لكان اتهامنا لـ «إسرائيل» موضع سخرية من الكثيرين لكن المهمّ الآن هو أن ينتبه المصريون إلى أنّ تنامي دور مصر في التفاهم الفلسطيني ومشروع المصالحة على قاعدة حفظ سلاح المقاومة، مصدر أرق وغضب لـ «إسرائيل»، وأن ينتبهوا إلى أنّ تقدّم موقفهم في سورية ونحوها لا يريح «إسرائيل»، وأنّ دور مصر في وأد التفجير في لبنان فجّر الغضب «الإسرائيلي» لأنه أجهض خطة «إسرائيلية» بالكامل.
– في زمن ينطق فيه ولي العهد السعودي بخطاب «إسرائيلي» في توصيف يشبّه إيران بألمانيا النازية، وهو وصف أطلقه مارتن أنديك، السفير الأميركي الأسبق لدى كيان الاحتلال، يصير تفجير لبنان بيد سعودية لحساب «إسرائيل»، وتدخّل مصر وأوروبا لمنع التفجير، بمثابة وقوف على خط الحرب. ومخطئ مَن يتوقع النظر للأمر بعين السعي لإزالة سوء تفاهم، ففي اللحظات الصعبة التي يعيشها «الإسرائيليون» ومثلهم الحكم السعودي الجديد، تدير «إسرائيل» كلّ شيء، بعين الحرب ولغتها، ولا تملك إلا الذراع الأمنية. وهي في حال إفلاس سياسي وعجز عسكري. والأمن هنا تفجير واغتيالات وإرهاب، والحليف الأقرب والأفعل لهذه المرحلة هو التنظيمات الإرهابية بالواسطة أو مباشرة، وسيناء محور صفقة بين «إسرائيل» والتنظيمات الإرهابية.
– إذا كان تعليق الرئيس المصري على ما استهدف مصر، الغالية على كلّ عربي، أنّ مصر تقاتل وحدها يقصد تجاهل قتال سورية والعراق وقوى المقاومة للإرهاب فهو مخطئ، خصوصاً أنه سبق وأعلن أنّ مصر ستكون وجهة الإرهابيين بعد هزيمتهم في سورية والعراق، لكن إنْ كان قصده أنّ سورية والعراق قاتلا ومعهما حلفاؤهما من المقاومة وإيران وصولاً لروسيا، بينما حلفاء مصر يتركونها وحدها، فهو محقّ، لكن ذلك يطرح السؤال عن السبب، أليس باختيار الحلفاء الخطأ، والسؤال الأهمّ عن: كيف يجب أن تتصرّف مصر؟
– التهديد الضمني للرئيس سعد الحريري في كلام ولي العهد السعودي إن عاد لرئاسة الحكومة، يحمل الكثير من المعاني.