حملة سعودية على الحريري تواكب اتهام الجبير للمصارف اللبنانية بالتبييض الانتخابات في آذار بديلاً للتعديل الحكومي… والناشف يحذّر من العبث بأسباب القوة
كتب المحرّر السياسي
انتهت جولة المحادثات الرسمية بين الوفدين السوريين الحكومي والمعارض في جنيف من دون تثبيت الاستئناف مطلع الأسبوع، وفقاً لدعوة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، بعد أزمة الثقة التي ولدت بين دي ميستورا ودمشق، جراء تغاضي المبعوث الأممي عن الدور التخريبي لبيان الرياض وتعاكس مضمونه مع القرار الأممي 2254، رغم صدور البيان بوجوده في الرياض، وبمبادرته لوصفه بالبنّاء، وفيما أكد رئيس الوفد السوري المفاوض الدكتور بشار الجعفري أنّ العودة من عدمها أمرٌ سيتقرّر في دمشق، وأنّ دي ميستورا يتحمّل مسؤولية التغاضي عن الدور التخريبي لبيان الرياض على مهمّته التي تتجسّد في السهر على إنجاح العملية السياسية، قالت مصادر مطلعة لـ «البناء»، إنّ دمشق تشترط بياناً تصحيحياً من دي ميستورا حول بيان الرياض للعودة إلى جنيف.
لبنانياً تتواصل الاتصالات في باريس وبيروت وبينهما، باريس حيث رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل يناقشان مستقبل الحكومة والانتخابات النيابية، وبيروت حيث يتابع رئيسا الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري مع الأمين العام لحزب الله صيغة التسوية التي سيخرجها للنور مجلس الوزراء في جلسته المقبلة وفيما قالت مصادر متابعة إنّ الأجواء التي خيّم خلالها الودّ وحرارة العلاقة بين الحريري وباسيل أكدت قرار الذهاب للانتخابات النيابية كمدخل لتصويب التحالفات وإعادة ترتيب الوضع الحكومي، فالمناسبة دستورية مناسبة بلا افتعال، ومعلوم لدى شركاء التسوية الرئاسية سلفاً أنّ مفعولها ينتهي بانتهاء عهد الحكومة الأولى في العهد الرئاسي، وأنّ حسابات الانتخابات وما بعدَها شأنٌ آخر، فتصير التحالفات الانتخابية مناسبة طبيعية لا تترك آثاراً جانبية بمثل اللجوء لعملية جراحية ستثير التساؤلات وتضعف الموقع الشعبي للشركاء في الحكومة والتسوية الرئاسية، خصوصاً في ضوء متغيّرات ما بعد الاستقالة وما كشفته عن فريق غير منضوٍ في قواعد التحالفات المحلية يتبع لثنائي صهر الرئيس الأميركي ومستشاره جاريد كوشنر ووزير الدولة السعودي ثامر السبهان، يضمّ سياسيين ونواباً ووزراء وأحزاباً وإعلاميين ورجال أعمال، تجري محاولة فصل التعامل معه عن مستقبل العلاقة، لكلّ من التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، بكلّ من واشنطن والرياض، وفي هذا السياق تجري مناقشة التحالفات الانتخابية وموعدها المقترح تقديمه لشهر آذار بدلاً من شهر أيار المقبل.
لكن كلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي يعبّر مباشرة عن توجّهات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومثله الحملة التي شنّتها قناة «العربية» التابعة لمحمد بن سلمان مباشرة على الرئيس الحريري بطريقة جارحة، طرحا تساؤلات حول إمكانية حصر المشكلة السعودية بالسبهان، ولو من باب مراعاة الوضع السعودي، الذي كما وصفه رئيس الجمهورية لا ينأى عنا ولو نأينا بأنفسنا عنه. وفيما قال الجبير إنّ المصارف اللبنانية متورّطة بتبييض الأموال لحساب حزب الله، ومعلوم أنّ الرئيس الحريري يملك بعضاً رئيسياً من هذه المصارف وأسهماً في بعض مهمّ آخر، بينما تضمّن هجوم قناة «العربية» على الرئيس الحريري التساؤل في معرض الردّ عن تمييزه بين دور خارجي ودور داخلي لسلاح حزب الله، عما إذا كان الحريري قد نسي اتهام المحكمة الدولية لحزب الله باغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، ووصفت مصادر نيابية مقرّبة من تيار المستقبل كلام الجبير وحملة قناة «العربية»، بالمفاجئ طالما أنّ قنوات الاستيضاح متاحة قبل خروج المواقف السلبية إلى العلن، بينما قالت مصادر متابعة إنّ الموقف السعودي يتصرّف على قاعدة اعتبار الحريري عدواً، مهما حاول الحريري مجاراة السعودية وتفادي الخلاف معها.
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف، أكد أهمية تعزيز السلم الأهلي وحماية الاستقرار، أثناء لقاءاته أمس، لهيئات أهلية ومؤسّسات إعلامية، محذراً من كلّ عبث بمصادر قوّة لبنان تمثلها وحدته الوطنية ومقاومته وسلمه الأهلي.
رئيس «القومي»: كلّ طرح يَمسّ الثوابت مشبوه
أكدّ رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف، أهمية دور الهيئات الوطنية والجمعيات الأهلية في حمل القضايا الوطنية والاجتماعية، مشدّداً على أنّ لبنان بحاجة ماسة إلى كلّ جهد وعمل يصبّ في خانة تعزيز الوحدة وتحصين الاستقرار وحماية السلم الأهلي، بما يشكّل رداً قوياً على كلّ التحديات التي تواجه لبنان.
واعتبر الناشف، خلال لقائه وفداً من الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي ووفد تجمّع النهضة النسائي ووفد لجنة المتابعة لملف الأساتذة الثانويين وموقع «الكلمة أون لاين»، أنّ كلّ إطار، وطنياً كان أم أهلياً واجتماعياً، يستطيع أن يُحدِث فرقاً من خلال الدور الفاعل الذي يؤدّيه، والعناوين التي يتطرّق إليها، ونحن نرى أهمية قصوى للعناوين الأساسية التي تساهم في عملية التحصين، وفي مقدّمها الطرح الوطني الجامع، الذي يدفع باتجاه بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة والقوية، ويحرّر البلد والناس من الخطاب الطائفي والمذهبي ونتائجه التي تولّد الشرخ والانقسامات.
ولفت الناشف إلى أنّ الاختلاف في الرأي السياسي لا يبرّر لأيّ فريق سياسي تضييع البوصلة الوطنية. فمصلحة لبنان في ثوابته وخياراته، وفي عناصر قوته التي تشكّل عامل ردع بوجه العدوانية الصهيونية. ولذلك، نعتبر كلّ طرح يمسّ بالثوابت والخيارات، وبعناصر قوّة لبنان والمعادلات التي رسّختها، بمثابة طرح نقيض مشبوه يتعارض مع مصلحة لبنان واللبنانيين.
الحريري: حزب الله لا يستعمل سلاحَهُ في الداخل
لا يزال المناخ الإيجابي يُخيّم على المشهد السياسي بانتظار عودة رئيس الحكومة سعد الحريري الى بيروت لاتضاح معالم المرحلة المقبلة وتبلور الصيغة التوافقية للبيان الذي سيعلن عنه في نهاية جلسة مجلس الوزراء المرجّحة منتصف الأسبوع المقبل في بعبدا، حيث سيشكل هذا البيان المخرج لإعلان الحريري عدوله عن الاستقالة.
وفي وقتٍ يُجري الرئيس الحريري مشاورات مكثّفة مع المسؤولين الفرنسيين لاطلاعهم على الاتفاق الذي توصل اليه الرؤساء الثلاثة غداة مشاورات بعبدا حول النقاط الخلافية، تحدّثت مصادر عن انتقال وزير الخارجية جبران باسيل اليوم، من روما الى باريس للمشاركة في حلقة النقاش الدائر على أن يلتقي الحريري لوضع اللمسات الأخيرة على الإخراج النهائي قبيل عودة الحريري الى لبنان والتراجع عن تقديم الاستقالة، بحسب ما أكدت مصادر مستقبلية لـ «البناء» لفتت الى أن ما يجري هو ترميم التسوية القائمة، وليس إبرام تسوية جديدة، مشيرة الى أن «ما يهم السعودية هو أن تتمكّن الحكومة اللبنانية ورئيس الجمهورية ميشال عون منع حزب الله التدخل في اليمن على الصعد كافة، ولا تكترث كثيراً الى تدخله في العراق أو سورية بقدر ما يشكّل اليمن مقتلاً لها».
وواصل الحريري إطلاق المواقف السياسية التي تخفي في طياتها مؤشرات العودة القريبة والآمنة الى السراي الحكومي، وأشار الى أن «اللبنانيين اختاروا الحوار من أجل مصلحة لبنان واستقراره، لأن أحداً من اللبنانيين لا يريد أن يعيش حرباً أهلية من جديد، لذلك علينا تنفيذ سياسة جامعة همّها الرئيسي مصالح لبنان». وأن لـ «حزب الله دوراً سياسياً، لديه أسلحة، لكنه لا يستخدمها على الأراضي اللبنانية»، معتبراً أن «مصلحة لبنان ضمان عدم استخدام هذه الأسلحة في أماكن أخرى. وهذه هي المشكلة».
وفي مقابلة مع مجلة «باري ماتش»، كرّر رئيس الحكومة تأكيده أن «استقالته من الحكومة كانت بقصد خلق صدمة إيجابية في لبنان، وأن يفهم العالم أن بلدنا لم يعُد قادراً على تحمّل تدخّلات حزب الله في شؤون دول الخليج».
وأشار وزير الداخلية نهاد المشنوق من عين التينة الى أن «النقاش حول البيان الذي يُفترض أن يصدر عن مجلس الوزراء ويردّ على الأسئلة التي طرحها الرئيس الحريري سواء التي تتعلّق بالطائف او بالنأي بالنفس او بعلاقات لبنان بالدول العربية ستكون صارمة وأكيدة وواضحة وليست خاضعة لأي التباس من الالتباسات التي نسمعها في الإعلام يومياً وتضيّع الجهد الجدّي الذي يجري بين الرؤساء الثلاثة لهذه الصياغة»، معلناً «أن الانتخابات «ماشية»، والوزارة جاهزة لها في موعدها، وكل الأمور موضوعة على طاولة الاجتماعات والمتابعة بشكل جدّي».
عون: الأزمة طُويت
وأكد رئيس الجمهورية الذي اختتم زيارته إلى العاصمة الإيطالية، وعاد والوفد المرافق الى لبنان أمس، أننا «أقوياء ونتكلم بحرية، لأننا لسنا متورطين مع الذين أوجدوا الإرهابيين أو مع شركائهم، مركّزاً خلال زيارته الإيطالية على أهمية الوحدة الوطنية اللبنانية والاستقرار الأمني والمالي فالأزمة التي نشأت بعد إعلان الرئيس الحريري استقالته قد طُويت وهي في طريق المعالجة النهائية، ومشيراً إلى أن «المقصود كان أن يبقى لبنان دولة مطيعة، لكننا تمكّنا من أن نثبت أنه دولة سيّدة تتعاطى مع الجميع من الندّ إلى الندّ».
من جهته أعرب نائب أمين « حزب الله » الشيخ نعيم قاسم عن ارتياح الحزب التام «لنتائج المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية، والتي أثبتت أن اللبنانيين يريدون العودة إلى هذه الحكومة، وإلى ما كانوا عليه ليستمروا في حياتهم بشكل مستقر، وهنا لا بدّ من رابح وخاسر، الرابح كل لبنان الوطني الذي يريد الاستقرار، والخاسر هم دعاة الفتنة الذين خرّبوا على أنفسهم أولاً، وعلى كل حال ستكشفهم إن شاء الله صناديق الاقتراع».
الجبير يهدّد لبنان: نزع السلاح أو لا استقرار
في غضون ذلك، وفي حين تمكن اللبنانيون من التوصل الى شبه اتفاق بالإجماع على تثبيت التسوية الحالية والحفاظ على الاستقرار الداخلي وعلى النأي بالنفس، واصل وزير خارجية النظام السعودي حربه على لبنان وتدخّله في شؤونه الداخلية، مهدّداً لبنان ورابطاً بين نزع سلاح المقاومة والاستقرار الداخلي، واعتبر أن «الحلّ في لبنان هو سحب السلاح من حزب الله وتحويله حزباً سياسياً يعمل في الإطار الوطني اللبناني»، مدعياً بأن «حزب الله يستغل البنوك اللبنانية لغسل الأموال من تجارة المخدرات»، معتبراً أن «لبنان لن يكون قادرًا على البقاء أو الازدهار إلا بنزع سلاح حزب الله».
وتساءل مراقبون: ألا يعتبر كلام الوزير السعودي تدخلاً في الشؤون الداخلية للبنان وتهديداً مباشراً وخرقاً لمبدأ النأي بالنفس الذي يُطالَب حزب الله باحترامه؟ ودعت المصادر الى أن يتضمّن بيان الحكومة عن النأي بالنفس عدم تدخل السعودية بالشأن اللبناني.
ترقّب «مستقبلي» «قواتي» لعودة الحريري
على الصعيد المحلي يترقّب الوسطان «المستقبلي» و«القواتي» عودة الرئيس الحريري الذي سيطرح على رئيس الجمهورية، بحسب المعلومات «تعديلاً في التركيبة الوزارية تطال وزراء من أكثر من طرف سياسي لا سيما على صعيد تيار المستقبل»، غير أن أوساطاً نيابية مستقبلية استبعدت أن يجري الحريري تغيرات في الحكومة لضيق الوقت وعدم جدوى أي تغيير في الوقت الحالي قبيل الانتخابات النيابية بل إن التغيير سيقتصر على الدائرة المحيطة بالحريري فقط»، مرجّحة أن يجري التيار حملة تطهير وتبديل شاملة تطال المستويات كافة في التيار بعد الانتخابات النيابية المقبلة»، كاشفة أن التغيير سيظهر في الانتخابات النيابية لعددٍ من النواب الحاليين ومن ضمنهم مَن يشغلون وزارات محسوبة على التيار واستبدالهم بمرشحين آخرين».
وأكدت المصادر أن «الرئيس سعد الحريري أصدر تعليماته قبيل سفره الى باريس بأنه سيترأس منذ الآن وصاعداً، أي بعد عودته، اجتماعات كتلة المستقبل النيابية كافة، وأنه في إطار تنظيف البيت الداخلي وأن على الجميع الالتزام بقرارات كتلة المستقبل والمكتب السياسي، ومَن يجد نفسه غير قادر على تحمّل مواقف التيار، فيمكنه الخروج من التيار بكل بساطة».
ونفى المشنوق من عين التينة أمس، بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري جدية الكلام عن التعديل الحكومي. معتبراً أن «الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات محدودة لدرجة لا تسمح بالتفكير في هذا الامر أو تنفيذه، لأننا نتكلم عن أربعة أشهر فبين تعيين الوزير الجديد وقراءته للملفات نكون وصلنا الى الانتخابات».
ومع فشل المخطّط «السبهاني» «القواتي» لإطاحة الرئيس الحريري وتفجير الساحة الداخلية، استمر التراجع التدريجي للقوات اللبنانية إزاء التصعيد في وجه حزب الله واستقالة وزرائها من الحكومة وبحسب مصادر «البناء» فإن «القوات» بعثت برسائل الغزل باتجاه بيت الوسط لاسترضاء الحريري والى بعبدا للتخفيف من امتعاض الرئيس عون وقيادة التيار الوطني الحر في موازاة عمل قواتي حثيث لإيجاد المبررات للتغطية على قرارها العودة عن الاستقالة، حيث كان لافتاً تأكيد رئيس «القوات» سمير جعجع أمس، بأن «حزب الله جدّي في ما يتصل بتطبيق النأي بالنفس!». غير أن مصادر المستقبل أشارت لـ «البناء» الى أن موقف القوات خلال أزمة الحريري خلّف ندوباً في العلاقة لن تلتئم بسهولة، لكنها لم تصل الى حد اللاعودة، ولفتت الى أن ترميم العلاقة يحتاج الى لقاء صريح وشفاف بين الحريري وجعجع المطالب بتوضيح مواقفه الأخيرة».