رسائل قيس الخزعلي
روزانا رمّال
قيس الخزعلي اسمٌ يكاد يكون جديداً يُسمَعُ ولأول مرة عند الجزء الأكبر من اللبنانيين، وبينهم جمهور المحور المؤيد له، لكنه نجح بأن يتصدر المواقف الراغبة بتسجيل نقاط بعد أزمة رئيس الوزراء سعد الحريري، حيث يوضع الرجل تحت المجهر لمراقبة كيفية تعاطيه مع كل ما يتعلق بحزب الله وحلفائه، فما كان إلا واصدي مكتب الحريري بيان رداً على زيارة الخزعلي وهو أمين عام الحشد الشعبي العراقي والذي ردّ بدوره على بيان مكتب الحريري وهذا يبقى تفصيلاً بعد أن صار الحدث في مكان آخر فلسطين وفيها وعندها صغُرت الاحداث كلها.
حتى أن مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وبالطريقة التي جاء فيها لم يأخذ حيزاً كبيراً من الإعلام ولم يتخطَّ الثلاثة أيام لتصدّره الخبر رغم حديث شاسع وواسع عن تداعياته. كل ذلك بعد أن أعلن الرئيس الأميركي «القدس» عاصمة أبدية لـ«إسرائيل» ونجح باستقطاب العالم كله نحو الخطوة الخطيرة والتي تعتبر إنهاء كاملاً لعملية السلام. وكل هذا بطبيعة الحال لم يكن وليد قرار ترامب الارتجالي، بل هو محض قرار أميركي عريق واستراتيجي لحماية «إسرائيل» من تقدّم محور بأكمله في المنطقة قوامه تقدم إيراني سوري حزب الله وروسيا من خلفه، مقابل فشل ذريع لحلفاء واشنطن في المنطقة لتقديم ما يمكن الرهان عليه في المرحلة المقبلة لحماية أمن «إسرائيل»، خصوصاً بعد أن فشلت مشاريع متتالية رغم فرص كبيرة وواسعة لسبع سنوات من سورية والعراق واليمن لبدء التقسيم في العالم العربي لتكون «إسرائيل» الأخيرة بإعلان القدس يهودية، واذ بترامب يُضطر للجوء الى هذا الخيار بعد فشل التقسيم في العراق كردستان، وفي سورية واليمن. وهذا يؤكد أن خيار التقسيم الفئوي او الطائفي هو أمر بديهي لا يمكن التراجع عنه أكان أول خطوة أو آخرها في المشروع.
بالعودة للحدود اللبنانية وزيارة قيس الخزعلي، فهي من دون شك واقعة ضمن رسائل واضحة المعالم، لكن يبدو أنه صار من الضروري إيصالها كما هي ويوضوع لـ«الإسرائيليين» بعد الخطوة الأميركية. هكذا يقول مصدر متابع لـ«البناء» ويضيف «كان ممكناً أن لا يتمّ عرض هذا الفيديو المستفز محلياً عند الحدود اللبنانية في هذا التوقيت بعد أزمة الحريري العاصفة، لكن درجة أهمية الموضوع فرضت أن يتم تمرير رسالة بهذا الحجم قرّر حلفاء حزب الله تمريرها، والأهم أنه ليس بالضرورة أن تكون هذه الزيارة هي الاولى من الخزعلي الى لبنان. فقادة المحور يلتقون ببعضهم البعض منذ بداية الأزمة. وهذا طبيعي، فمَن قال إنه لا يزور لبنان أي من القادة الميدانيين؟ وإذا كان الإيرانيون يزورون أمين عام حزب الله، فلمَ العجب من زيارة قيادي عسكري عراقي؟ واضح ان الزيارة الى الجنوب كانت استكشافية، كما بدا، لكن الأوضح وهو الأهم أنها رسالة واضحة من الحلفاء لمن يهمه الأمر في تل أبيب».
يقول الخزعلي من الجنوب وعلى مقربة من توقيع قرار ترامب في تهويد القدس. وهو قرار كان متوقعاً بين الأروقة السياسية والدبلوماسية «نحن على جهوزية كاملة بالوقوف صفاً واحداً مع الشعب اللبناني والقضية الفلسطينية أمام الاحتلال الإسرائيلي الغاشم المعادي للإنسانية».
وهذا يعني التالي:
أولاً: إن الحشد الشعبي العراقي جاهز للقتال، كما قاتل في سورية للقتال في لبنان، إذا استدعت الحاجة الى ذلك، ولأن الأمر يتعلق بالقدس، فإن العين عليها وهي أبرز طموحات الحشد مستقبلاً.
ثانياً: إن إعلان هذا من لبنان برفقة عناصر من حزب الله يشرح شيئاً يتعلق بشكل السلطة التي يمثلها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله والمكانة التي يحتلّها عند كل المنظمات العسكرية الحليفة من الحشد الشعبي إلى أنصار الله. وهي مكانة تتجسّد باعتباره قائداً أعلى كما يخاطبونه أثناء الحديث عنه. وبالتالي فإن أحد خطابات نصرالله التي قال فيها مهدّداً «إسرائيل» إن هناك سيلاً من المقاتلين الأفغان والعراقيين واليمنيين مستعدون للقتال من أجل فلسطين وسورية كان كلاماً مبنياً على هذا الواقع.
ثالثاً: كان يمكن للخزعلي الظهور بلباس «مدني» عادي إلا أنه فضّل الظهور بثياب عسكرية، للتأكيد على جهوزية تياره وللباس العسكري معانٍ كثيرة في أرض محرّرة لا يوجد فيها «الآن» قتال. والخزعلي كما هو معروف، هو رجل دين، ويلبس عمامة كشيخ ،و رجل دين مسلم عادة خارج ساحات القتال.
رابعاً: التأكيد على أن «إسرائيل» صارت محاصرة من جهات متعدّدة وأن الخناق قد ضاق، وأن بدلاً من أن يكون هناك حركة واحدة على شكل وطريقة العمليات العسكرية لحزب الله، فقد صار هناك مثيل له عراقي ويمني وسوري، وأن هذا المفهوم يتمدّد.
يبدو أن إعلان الاصطفافات بين المحاور وصل ذروته اليوم، فكما يزور وفد بحراني الأراضي المحتلة ويلتقي شخصيات «إسرائيلية» ناقلاً تحايا أمير البحرين صار عادياً بعد تهويد القدس «أميركياً» أن يزور حلفاء حزب الله وإيران الحدود اللبنانية، اذا كان المنطق ذاته متبعاً عند كل الأفرقاء المحليين والعرب ليبقى المؤكد أن رسالة الخزعلي وصلت بكل معانيها الى الخارج، «إسرائيل» تحديداً فقط وفقط، فلا رسائل محلية من هذه الزيارة لا من قريب ولا من بعيد، كما يوحي البعض.