انتهت الحرب وبدأت في مكان آخر
روزانا رمّال
تؤكد مصادر متابعة لـ«البناء» أن توقيت إعلان حزب الله بداية تقليص حضوره العسكري تمهيداً لسحبه من سورية بات قريباً عملاً بإعلان انتهاء العمليات في العراق، وقريباً في سورية، ومطابقة مع إعلان الرئيس الروسي أمس، من قاعدة حميميم السورية التي زارها، بأن العمليات الروسية قد انتهت وأن الجيش الروسي سيبدأ بالانسحاب. ويضيف «هذه الإعلانات المتتالية هي بمثابة إعلان انتصار مشترك بين الحلفاء وزيارة الرئيس الروسي المفاجئة لسورية ولقاؤه الرئيس السوري بشار الاسد تؤكد ذلك، وكل شيء يوحي بأن سورية تتحضّر لجولات مفاوضات جدية تنتج حلاً سياسياً يتوافق مع هذا الانتصار».
حزب الله الذي يبدو مستعداً لهذا التوقيت بشكل جيّد مستعدّ أيضاً لإعلان الانسحاب من العراق وسورية تدريجياً، وكان أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله قد أعلن عن الانسحاب من العراق عشية عودة الحريري الى لبنان، وكان ذلك ورقة وضعها نصرالله بيد الحريري مكّنته من الرهان عليها أمام الجهات الضاغطة عليه محلياً وخارجياً حول مشاركته حزب الله بالحكومة، فانطلق الحريري من اشارة نصرالله معلناً العودة الى لبنان مع أمل تفعيل موقف النأي بالنفس الذي فرض نفسه بإعلان نهاية العمليات في أبرز الميادين وإعلان الرئيس الإيراني والمسؤولين العراقيين نهاية داعش لتلحق بهم روسيا.
لا يريد حزب الله البقاء في الجبهات، ولا هو هذا ما يصبو إليه، فكل مسؤوليه السياسيين والعسكريين يؤكدون أن دخولهم في الحرب أتى من أجل صدّ هجمات على لبنان من خلال سورية ومعابرها التي شكلت يوماً ما خطراً كبيراً على القرى اللبنانية الحدودية، ومن أجل الوقوف الى جانب سورية ظهير المقاومة الذي كان يُعتبر صلة وصل أساسية في تمرير السلاح، لكن هذا لا يعني أن للحزب نيات توسعية فوجوده «دفاعي» محض في هذه المرحلة.
الحرب، كما يبدو في خواتيمها، وصار معلوماً لدى كل القادة ذلك، وما اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة يهودية إلا تماشياً مع هذا المتغير الجديد الذي يتمثل بانتصار محور روسيا إيران في المنطقة من دون مواربة مع فشل مشروع التقسيم وصار على واشنطن مهمة حماية «إسرائيل» وتقديم حصتها على طاولة المفاوضات أو الاستفزاز من أجل وضع القضية الفلسطينية «الإسرائيلية» على نار حامية وإحراج الأطراف «المنتصرة» مع الحفاظ على العنجهية المعهودة بتخطّي كل الأعراف الدولية. وترامب حسب التقارير ساهم في خرق أهم معايير القانون الدولي والأممي بهذا الإعلان من دون أي مبالاة والأخطر من ذلك يأتي على لسان فيديريكا موغريني التي تمثل سياسة الاتحاد الأوروبي والتي لم تتحدّث عن أي تمادٍ «إسرائيلي» في خرق الشرعات الدولية، بل حرصت على عدم التعرض لـ«الإسرائيليين» بالعنف. وهذا خطير، إذا ما تم ربطه بكلام نتنياهو أمس، حول توقعاته «أن تعترف بعض الدول الأوروبية قريباً بيهودية القدس».
هذا الواقع الذي لا يرقى الى مستوى ما تطمح اليه حركات المقاومة التي أسست بالأصل على أنها منظومة قتال مسلّح لـ«إسرائيل» تضعها أمام الأمر الواقع الأصيل وتوحّد هدفها نحو «القدس» أو البوصلة الحقيقية للقتال، وهي فلسطين. وهذا من شأنه توحيد قوى المقاومة في لبنان وفلسطين معاً من الجهات كلها، ويعني ايضاً أن جهازاً أمنياً جديداً قد ينشأ بين القوى أو الدول التي تنوي دعم وإمداد القتال المسلح في فلسطين. فمن قال إنه لا ينبغي على «الإسرائيليين» القلق من مغبة ان تقوم مجموعات قتالية بتخطي الحدود اللبنانية أو السورية من أجل المساهمة في قتال «الاسرائيليين» إذا تطلّب الأمر، وصار تصعيد ميداني يتطلّب دعم المحاور؟ مَن قال إن من يقاتل في سورية فلن يقاتل من أجل فلسطين؟ مَن قال إن العراقيين المقاتلين في سورية لن يقاتلوا من أجل القدس؟ ماذا عن الإيرانيين اذاً؟ والإمداد؟
بهذا الإطار عمد المسؤولون العسكريون الإيرانيون الى نشر خبر متابعتهم، وعلى مستوى رفيع للأحداث في الأراضي المحتلة في أعقاب القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل». وقد تم الإعلان عن إجراء قائد قوات القدس في حرس الثورة الإسلامية اللواء قاسم سليماني اتصالاً مع كل من قيادة كتائب عز الدين القسام وقيادة سرايا القدس في قطاع غزة، حيث تباحثوا حول جهوزية قوات المقاومة الفلسطينية. وقد شدّد اللواء سليماني خلال الاتصال الهاتفي مع قيادتَيْ القسام وسرايا القدس على دعم إيران الكامل والشامل لقوّات المقاومة الفلسطينية.
كلام سليماني هي رغبة إيران الواضحة و»إعلان نيات» عن جهوزية لتحويل الحرب إلى مكان آخر بعد أن وضعت الحرب أوزارها في سورية والعراق. ويضيف على إعلان سليماني دعوة نصرالله الى الانتفاضة الثالثة وإدارة عمليات المحور. وكما كانت عملياتها في سورية، ستكون بالتأكيد بما يتعلق بـ»إسرائيل» وصار اليوم الواجب أكبر والحديث أخطر. واذا كان كلام بعض العرب لا يشكل قلقاً لدى «الاسرائيليين» فإنه وبالتأكيد للموقف الإيراني صدى واسع لدى الأمنيين «الاسرائيليين» الذين يدركون اليوم أهمية الضغط على قيادتهم لحثّ الأميركيين على التخفيف من وطأة هذا الإعلان، إما بالتراجع أو بإعادة العمل بالمبادرة العربية، وإلا فإن ما ينتظر الأراضي المحتلة هو انتفاضة من نوع آخر تشارك فيها إيران وحلفاؤها بشكل «مفضوح».