بين ترامب وبوتين
ناصر قنديل
– غالباً ما كانت الصورة المعنوية لكلّ من الرئيسين الروسي والأميركي تعكس توازنات القوى التي تحكم العالم، فلطالما جرت مقارنة ستالين بترومان وأيزنهاور، أو جونسون بخروتشوف ونيكسون ببريجنيف وريغان بأندروبوف، ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي كانت صورة يلتسين مقابل صورة كلينتون، كتأكيد على التوازن المختلّ بوضوح لحساب واشنطن، لكن منذ العام 2000 ظهرت صورة الرئيس فلاديمير بوتين مقابل صورة الرئيس جورج بوش الإبن، في توازن القوة وليس توازن الشخصية، ليحضر التوازن الموازي بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين في الذكاء السياسي والكاريسما والثقافة، ليتقدّم كشف الحساب بعد الحروب الكبرى التي شهدها العالم وكانت منطقتنا ساحتها الرئيسية، تحت عنوان ولادة نظام عالمي جديد، بصورة رمزية بالمقارنة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب.
– تبدأ المقارنة بكون ترامب يواجه تحقيقاً قضائياً بتهمة الوصول للرئاسة بتدخل روسي استخباري، في ظلّ شعبية حرجة للرئيس الأميركي لا تصل لنصف الناخبين في ذروتها، بعد فوز بفارق ضئيل، مقابل استعداد الرئيس الروسي لخوض انتخابات رئاسية لولاية رابعة يتوقع أن يحصد فيها ما يزيد عن ثلثي الناخبين وربما يحصد ما يفوق ثلاثة أرباعهم. وتمتدّ المقارنة لشعور أميركي بالإحباط من صورة بلدهم ورئيسهم في العالم، حتى في الخيارات التي يدعمون رئيسهم فيها كحالهم مع قرار اعتماد القدس عاصمة لـ«إسرائيل» رأوا أنّ العالم كله ضدّهم، بينما يرون الرئيس الروسي نجماً للمؤتمرات والعلاقات الدولية يقدّم له الخصوم تحية الاعتراف بمقدراته وحضوره ونباهة سياساته. والمثال حاضر في الملف السوري الذي بدأ ملفاً أميركياً بامتياز، من بوابة جمع أكثر من مئة دولة بقيادة واشنطن لتغيير النظام في سورية، وانتهاء بالتسليم الدولي، وفي المقدّمة واشنطن وحلفاؤها بكون الكلمة الفصل في سورية هي لموسكو، مروراً بحسابات التدخل العسكري التي أوصلت الأساطيل الأميركية إلى الشواطئ السورية وتراجعها خشية التورّط في الحرب مقابل الانخراط الروسي اللاحق بلا استعراض وإعلان، لكن بصورة غيّرت مجرى الحرب.
– تشكل القدرة على الجمع بين الشجاعة في اتخاذ القرارات الصعبة، والحكمة في إطلاق المبادرات السياسية الجامعة، وحيازة شبه إجماع داخلي وخارجي حول السياسات ونتائج الحروب، معيار اختبار قادة الدول الكبرى، وبالمقياس ذاته الذي يحكم عكس صالح ترامب ولصالح بوتين، يتقدّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رغم انتمائه للمعسكر ذاته الذي ينتمي إليه ترامب، ومثله بقي الرئيس أوباما يحجز مقعداً بين الرؤساء والقادة المرموقين، لتصير حصيلة ترامب السلبية تعبيراً عن الشخص والخيارات التي أرادت أميركا كرأي عام ومؤسّسات صانعة للقرار وهياكل اقتصادية، اختبارها مع إيصاله إلى البيت الأبيض، حيث يختلّ الميزان دائماً بين القرارات التي تحوز التأييد الداخلي وموقف الرأي العام والحكومات في الخارج، أو بين شجاعة تصل حدّ التهوّر وحكمة تصل حدّ الجبن، بصورة يبدو اللاقرار مصيبة والقرار كارثة.
– بعد ولايتين لكلّ من الرئيسين بوش وأوباما، يواكب الرئيس بوتين الولاية الأولى للرئيس ترامب وهو يستعدّ لولايته الرابعة، بعد تناوب لولايتين مع الرئيس ديمتري ميدفيدف، لكن يبدو بوتين كرئيس شاب طازج، مقابل شيخوخة مبكرة لعهد ترامب، وهذه ليست قضية شخصية بين بوتين وترامب بقدر ما هي تعبير عن أمة فتيّة تتقدّم وقد وجدت رئيساً يشبهها، وأمة شاخت وتتراجع وقد اختارت رئيساً يشبهها.