تل أبيب تعترف بتحوّل استراتيجي في جبهة الحدود السورية بعد معارك بيت جن ربط نزاع رئاسي سياسي في ملف الضباط… والوساطات تحتاج التبريد الإعلامي

كتب المحرّر السياسي

خلال أيام قليلة بدت المصالحة السعودية التركية تتسارع من دون ظهور بوادر حلحلة في الأزمة القطرية السعودية، وما ارتبط بها من موقف سعودي من القاعدة التركية في قطر، ما يعني أنّ تطوّراً فوق العادة فرض هذا التجاوز السعودي للملف القطري الضاغط سعودياً لحساب ما هو أهمّ، بحيث تكلّلت زيارة رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم إلى الرياض بالنجاح في ترتيب زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى أنقرة، بعدما بدا في الظاهر أنّ التطوّرات المحيطة بالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل» وضعت كلاً من السعودية وتركيا على ضفتين متقابلتين، فيما تقود تركيا جبهة إعلامية تحت عنوان المواجهة مع القرار الأميركي، وتقود السعودية جبهة تدعو للتعقل لأنّ لدى الأميركي عزماً على حلّ شامل يقوم على مبدأ الدولتين ولو كانت القدس فيه موضع خلاف، ليظهر حصول تركيا على إدارة جزيرة سواكن السودانية الاستراتيجية على البحر الأحمر، بصورة أثارت الريبة المصرية، كتعبير عن رضا أميركي سعودي على دور تركي يمثل الحصول على الجزيرة دفعة على الحساب لتأديته، في ظلّ ما حصل على جبهة العلاقات السعودية السودانية وأثمر شراكة الجيش السوداني في الحرب على اليمن، وما حدث على الجبهة الأميركية السودانية بدعم سعودي تجسّد برفع العقوبات الأميركية عن السودان.

الاستنجاد لتركيا لكبح الانتفاضة الفلسطينية، من خلال الاحتفاظ بغبار كلامي بوجه «إسرائيل»، ما يتيح منافسة مصر على رعاية الملف الفلسطيني، ومزاحمة إيران على قيادة المواجهة حول القدس، وحدَه يفسّر ما يجري، وفقاً لمصادر واسعة الاطلاع في محور المقاومة، توقفت أمام الكلام التركي التصعيدي بوجه سورية ورئيسها كدلالة على التنكّر للتفاهمات التي توصّل إليها الثلاثي الروسي التركي الإيراني في أستانة، تمهيداً لمؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري،

ومحورها استبعاد ملف الرئاسة السوري من التداول، والسعي لتطبيع العلاقات التركية السورية على هذه القاعدة، وفتح الباب لوساطة روسية إيرانية بين دمشق وأنقرة تقوم على التزام تركي بالسيادة السورية، لجهة تحديد طبيعة الوجود العسكري التركي في سورية، وتوصيفه وجوداً مؤقتاً تحت عباءة دور المراقبين، وفقاً لتفاهمات أستانة.

قالت المصادر إنّ قطع العلاقات بـ «إسرائيل» يشكل مفتاح جدية أيّ دولة تدّعي الاهتمام بمنع تهويد القدس. فالكلام ليس هو ما يضغط على واشنطن وتل أبيب، بل الأفعال، وماذا بيد الدول العربية والإسلامية أن تفعل ما دامت لا تجرؤ على قطع علاقاتها مع «إسرائيل» وإغلاق أبواب سفاراتها من العواصم العربية والإسلامية؟

بالتوازي، كانت القناة الثانية «الإسرائيلية» تتحدّث عن مأزق «إسرائيلي» كبير يواجه تعاظم الانتفاضة الفلسطينية وحجم التواصل بين قادة الفصائل الفلسطينية وإيران وحزب الله، ودرجة الاستعداد التي يملكها محور المقاومة لأيّ مواجهة مقبلة مع «إسرائيل»، بينما كانت الصحف «الإسرائيلية» وفي مقدّمتها «معاريف» تشير إلى مأزق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المهدّد بالسقوط مع انفجار حركة الإضرابات والتحركات المطلبية في ضوء الأزمة الاقتصادية، في ظلّ تصاعد الانتفاضة الفلسطينية، وتضع استنجاد نتنياهو بالحاخامات اليهود لدعم حكومته ومنع سقوطها، من بوابة تحذيره من خطر وصول اليسار للحكم تحت عنوان مطلبي وانعكاسات ذلك على الملفات السياسية، وفي مقدّمتها المواجهة مع الانتفاضة الفلسطينية ومحور المقاومة.

موقع تيك ديبكا التابع للمخابرات «الإسرائيلية» الموساد قال «إنّ إسرائيل فقدت سيطرتها العسكرية في منطقة القنيطرة السورية وإنّ رفض الجيش الإسرائيلي فتح ممرّ لانسحاب المتمرّدين السوريين من موقع بيت جن، أتاح للجيش السوري وحزب الله التمركز على مسافة خمسة كيلومترات فقط من الحدود في الجولان». وأضاف: «إنّ خسارة موقع بيت جن، تعني أنّ إسرائيل فقدت سيطرتها العسكرية على مداخل منطقة القنيطرة، التي تعتبر منطقة استراتيجية شنّ منها الجيش السوري هجوماً على الجولان في حرب سنة 1973». وأشار الموقع الى «أنّ المتمرّدين السوريين في بيت جن، رضخوا للجيش السوري وحزب الله والقوات المحلية، ووقّعوا على مذكرة استسلامهم التي ضمنت تولي الجيش السوري السيطرة الكاملة على كافة المواقع في المنطقة، وعودة الأمور الى ما كانت عليه قبل عام 2011».

لبنانياً، تواصلت أزمة مرسوم الضباط بإرخاء ظلالها على العلاقات الرئاسية، بصيغة ربط نزاع وتفاهم على تبريد إعلامي سيؤدّي للمزيد من التصعيد، وقد قال رئيس مجلس النواب نبيه بري إنه لن يضيف على ما قاله في هذا الملف، مواصلاً إبداء استغرابه لما يجري، بمقابلة إيجابيته بسلبية غير منتظرة، رغم أنّ الأمر قانوني دستوري ميثاقي صرف لا طابع فئوي ولا طائفي ولا حزبي ولا شخصي يظلله، بينما قالت مصادر متابعة لملف الوساطات إنّ التبريد الإعلامي شرط ضروري للبحث الهادئ عن مخارج واستكشاف مدى وجود خلفيات وحسابات سياسية وراء الخلاف من جهة، والتقدم بمشاريع حلول تقنية للملف تراعي الحساسيات والحسابات الرئاسية وتشتغل على المصلحة العليا للدولة وللرئاستين الأولى والثانية باستعادة مناخ التوافق.

أزمة «المرسوم» تتمدّد وبري يعتصم بالصمت

يبدو أن العام الحالي سيُغلَق على زغلٍ بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي على خلفية أزمة مرسوم ضباط 1994 التي يبدو أنها باقية وتتمدّد ومرشحة للتفاعل أكثر في مطلع العام الجديد، في ظل إصرار الرئاستين على مواقفهما من دستورية وقانونية المرسوم من عدمهما، لكن مخاوف بدأت تبرز عما إذا كانت الأزمة ستنعكس سلباً على عمل المؤسسات لا سيما مجلسي النواب والوزراء أم تبقى في إطارها الطبيعي؟…

وفي وقتٍ قال الرئيس نبيه بري كلامه ومشى أمس الأول، واعتصم بالصمت، نقل النواب عنه بعد لقاء الاربعاء النيابي أنه يكتفي بما قاله بشأن المرسوم، مشيراً الى أن هناك أموراً كثيرة تتعلّق بالموضوع لا يرغب بالحديث عنها اليوم. وقال من جهة أخرى إن الأهم اليوم ما يجري في فلسطين المحتلة، وهذه الانتفاضة المستمرة للشعب الفلسطيني التي تحتاج الى المساندة والدعم الحقيقيين في وجه الاحتلال «الإسرائيلي».

غير أن ما أحجم بري عن قوله استشفّه النواب، حيث أكدوا لـ «البناء» أن «الأزمة تراوح مكانها والاتصالات مستمرة، لكنها لم تصل الى حل بعد وأن كل الحلول المجملة مرفوضة من رئيس المجلس كمنح أقدمية لدورتي ضباط 1995 و 1996»، مشيرين الى أن «كل حل يرضي المؤسسات ويحترم الصلاحيات وعمل المؤسسات مرحّب به»، ورفض بري بحسب الزوار تصوير الأزمة أنها طائفية وأن كلامه موجه الى طائفة معينة، بل هو ينطلق من حرصه على الشراكة في الحكم وعلى اتفاق الطائف الذي هو العقد بين اللبنانيين حتى إشعار آخر وعلى الجميع احترامه والتقيّد بمواده وأحكامه وأعرافه، كما نقل الزوار استغراب بري حسم الرئيس ميشال عون الأمر، وسدّ الأبواب على الوساطات؟ فضلاً عن امتعاضه من توقيت توجيه الرسائل عبر الإعلام وفي صبيحة عيد الميلاد ونقل الملف الى القضاء، ما عُدَ تحدياً في غير مكانه، رغم أن بري سُئِل الأربعاء الماضي وأجاب أنه سيترك الملف في عهدة عون.

ونقل زوار عين التينة عن رئيس المجلس استشهاده بمحاضر جلسة مجلس النواب عام 2014 وقال: «عودوا الى محضر جلسة مجلس النواب في نيسان 2014 عندما اعترض خمسون نائباً على اقتراح قانون ضباط 1994، وكانت هناك مداخلة من 20 صفحة للرئيس فؤاد سنيورة اعتراضاً على اقتراح «الأقدمية».

وقالت مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ «البناء» إن «الأزمة بين الرئيسين عون وبري لن تتعدّى الخلاف القانوني والدستوري والميثاقي كما لن تنعكس على عمل المؤسسات وانطلاق عجلة الدولة والمسار الحكومي في معالجة القضايا الحياتية والاقتصادية والمالية»، ونفت المصادر أن «يكون بري قد وجّه اتهاماً الى عون بمحاولة نسف أو الغاء مواد مكرسة في الطائف»، لكنها اعتبرت أن «تجاوز توقيع وصلاحية وزير المال بداية غير مشجّعة لمخالفة الطائف، وبالتالي ما أراده رئيس المجلس هو التدليل على الخطأ والدعوة الى العودة عنه، وفي ذلك فضيلة».

ولفتت المصادر الى أن «توقيع وزير المال مرسوم ترقية الضباط في الأسلاك العسكرية الذي يوقّع نهاية كل عام، دليل على أن لا كيدية سياسية والخلاف لن يعطّل عمل المؤسسات لا سيما المؤسسة العسكرية التي لها مكانة خاصة عند الرئيس بري».

..ووزير المال يوقِّع

وفي حين أعلن وزير المال علي حسن خليل أمس، أنه «وقع مراسيم ترقيات ضباط الجيش»، لم يوقع مراسيم ترقيات الجيش من عقيد الى عميد ومن مقدم الى عقيد بحسب المعلومات، لاكتشاف مخالفات بتضمينها أسماء ضباط وردت أسماؤهم بمرسوم الاقدمية الموقع من الرئيسين عون وسعد الحريري لدورة 1994 وطلب توضيحات من وزارة الدفاع.

وقال خليل بعد لقائه بري إن «لو عرض المرسوم المتعلق بالضباط لما كانت هناك مشكلة دستورية»، معتبراً «ان ما بني على باطل هو باطل»، ومشيراً الى «ان مراسيم الاقدمية لقوى الامن عرضت عليه وان وزارة المال لا ينحصر دورها بالإنفاق بل أيضاً بتأثير الإنفاق»، ولافتاً الى ان «لا نقاش بأن توقيع وزير المال أساسي على مراسيم أقدميات الضباط بغض النظر عمن هو وزير المال، والالتزام بالأصول هو الحل».

مستشار عون: لا مانع من إعادة النظر بالطائف

وفي حين لم يخرج عن بعبدا أي ردّ حتى الآن، أشار مستشار رئيس الجمهورية جان عزيز في حديث تلفزيوني الى أن ما حصل في مرسوم «دورة ضباط عام 1994» مندرج تماماً تحت الاحكام القانونية، ولا يتعارض مع أي عرف خاصة مع اتفاق الطائف ، ورئيس الجمهورية ميشال عون متمسك بنظام الطائف بشكل حرفي.

ولفت عزيز الى أن «هناك أكثر من 60 مرسوم ترقية منذ الطائف الى اليوم لا يحمل توقيع وزير المال ، فهل تعتبر هذه المراسيم باطلة؟ واليوم تابع الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الدفاع يعقوب الصراف ما قام به أسلافهم من الطائف الى اليوم، اما إن كان المطلوب اعادة النظر بالطائف كعرف او ممارسة يُعاد بحثه من قبل كل اللبنا نيين لإنتاج شراكة جدية في السلطة التنفيذية». وأوضح أنه «لم يطرأ أي جديد اليوم حتى يتم طرح الموضوع الذي ينفذ منذ 24 سنة الى اليوم».

وشدد على أن صاحب الحق من يلجأ الى القضاء، ولا اعتقد أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يثق بالقضاء، لانه ابن القضاء وابن قوس العدالة في لبنان. وأكد أن «موضوع الخلل الطائفي في المؤسسة العسكرية بعد الترقية غير صحيح، وأن التوازن الوطني الذي يقوم عليه الانصهار الكياني داخل المؤسسة العسكرية مضمون، إن كان على مستوى الضباط أو الهيكليات والمواقع في المؤسسة العسكرية».

واذ أشارت معلومات الى تذمر واعتراض داخل صفوف ضباط الجيش من دورات مختلفة حيال المرسوم، أكدت مصادر الـ «أو تي في» أن «لا صحة لتسجيل ضباط من دورتي الـ 95 والـ 96 اعتراضات على منح أقدمية لضباط دورة الـ 94».

انفراج دبلوماسي على خط بيروت الرياض

في غضون ذلك، وبعد تدهور العلاقات السياسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية على خلفية أزمة احتجازها رئيس حكومة لبنان وترجمة ذلك بأزمة تمثيل دبلوماسي بين الدولتين، سجلت يوم أمس انفراجات على خط بيروت الرياض بعد اتصالات قادها رئيس الحكومة مع القيادة السعودية عبر فرنسا، وقد وافقت الرياض رسمياً على تعيين السفير فوزي كبارة سفيراً للبنان، بحسب المعلومات، في المقابل سيحدد لبنان بدوره موعداً لسفير السعودية في بيروت وليد اليعقوبي لتقديم أوراق اعتماده، وأشار وزير الخارجية جبران باسيل في تصريح أن «الموافقة وصلت شفوياً منذ إرسال كتاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى السعودية طالباً اعتماد السفير كبارة لدى الرياض». وتوقعت مصادر دبلوماسية أن «يتم مطلع العام الجديد تحديد موعد لتقديم اليعقوبي أوراق اعتماده الى الرئيس بعد لقاء يجمعه بباسيل الذي سيتسلّم نسخة عنها».

وعلقت مصادر لـ»البناء» على ذلك بأنه نصر دبلوماسي للبنان وأن موافقة الرياض على تعيين السفير اللبناني الجديد لديها بعد رفضه لمدة ثلاثة أشهر جاء نتيجة صمود الموقف اللبناني الرسمي والتعامل بالمثل مع السعودية.

اترك تعليقاً

Back to top button