الأردن بين خيار تحالفين.. منهزم قديم ومنتصر جديد
محمد شريف الجيوسي
مرّ الأردن بتجربتي انسجام بين الحكم والشعب، المرة الأولى كانت بطرد الجنرال الانجليزي المندوب السامي البريطاني «كلوب باشا» وتعريب الجيش وتكليف سليمان النابلسي بتشكيل حكومة وحدة وطنية، والثانية بعد هبّة نيسان 1989 وإقالة حكومة زيد الرفاعي الأخيرة وما لحق من انفراج سياسي وبدء عملية إصلاحات عميقة نسبياً، جرى التراجع عن بعضها لاحقاً. وكانت هناك محاولة تمثلت بتشكيل لجنة الحوار الوطني وما أسفرت عنها من توصيات، سرعان ما أُجهضت.
ويبدو أنّ الأردن يوشك الآن على تحقيق استدارة كاملة أو شبهها في علاقاته الخارجية وتحالفاته، جراء جملة مستجدات إقليمية مباشرة تمسّ أمنه وبقاءه ومصالحه، وغير مباشرة تمسّ مجمل أمن الإقليم جراء متغيّرات موضوعية ميدانية.
فالسعودية أوقفت مساعداتها للأردن، وقفزت من فوقه عاقدة جملة تحالفات مع الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني ومصر، فضلاً عن الإمارات، في مسعى لاستلاب الدور الأردني الإقليمي .. وفي الوصاية على المقدسات.
وتعمّدت «إسرائيل» قتل مواطنيْن أردنييْن فضلا عن سابقهما القاضي زعيتر أحدهما مالك البناء الذي تقيم فيه سفارة العدو، ما يدلل على نية القتل المسبق، فإن لم يكونا هما فسيكون غيرهما، بدليل استقبال نتنياهو للقاتل استقبال الفارس الفاتح، في مسعى واضح لإضعاف هيبة الدولة الأردنية تجاه مواطنيها بأنها غير قادرة على حمايتهم ولا على أخذ حقهم..
وقد حدث هذا بالتزامن مع عقد مؤتمر ما يُسمّى المعارضة الأردنية في «إسرائيل» في تحدٍّ وقح للشأن الداخلي الأردني، وهو دليل ثانٍ على رغبة «إسرائيلية» بتقويض الدولة الأردنية.. لتعزيز إصرار الإدارة الأميركية على نقل سفارتها إلى القدس، في انتهاك ليس فقط لقدسية المقدسات الإسلامية والمسيحية وإنما أيضاً للوصاية الأردنية عليها، ولخلخلة الأمن القومي الأردني والإقليمي.
ومن جهتها حاولت السعودية الضغط على الرئيس الفلسطيني لقبول الجانب المتعلّق بفلسطين في مشروع «صفقة القرن».. كما مارست الضغط لعدم حضور مؤتمر اسطنبول والذي ألقى فيه عباس خطاباً غير مسبوق.
ويُقال إنّه مورس ضغط على الأردن للتغيّب عن اسطنبول، لكن الملك عبد الله الثاني حضره وألقى خطاباً قوياً بالقياس لما لم تكن ترغبه السعودية ومعظم الدول الخليجية، وأتبع الموقف الأردني بما يؤشر على رغبة أردنية باستقلالية القرار عن الحلفاء القدامى.
وبالضغط المشترك الممارَس على الأردن والسلطة الفلسطينية معاً، تكرّست علاقات موضوعية قوية بينهما، وخرج الأردن من محور السعودية – الإمارات – مصر الداعم لدحلان، وتراجعت أسهمه كبديل أو وريث لعباس، بخاصة بعد فضّ اتفاقه التكتيكي مع حماس.
لقد نفّذ الأردن خلال سنوات عديدة سابقة معظم المطالب والضغوط التي مورست عليه، من حلفاء الأمس، ولم تكن المساعدات والقروض والمنح في مستوى تبعات وعلاقات وأكلاف الأردن الأخرى، جراء تلبية تلك الضغوط.
لقد شنّ الحلفاء القدامى حرباً إرهابية على سورية والعراق، وفي تسريب الفكر الوهابي التكفيري الفتنوي المذهبي اليهما وإلى المنطقة، ما تسبّب في إغلاق حدود الأردن مع كلّ من دمشق وبغداد، وبالتالي مع لبنان وتركيا، فأضرّ بالأردن اقتصادياً وأمنياً وشعبياً.
وبعد كلّ هذا الخذلان والتطورات المتسارعة من حلفاء الأمس، يجد الأردن نفسه أمام ضرورة التغيير، فرؤساء الوزارات الأردنية السابقة وجّهوا من مكتب رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري رسالة للملك أكدوا فيها دعمهم لموقفه من رفض نقل السفارة الأميركية للقدس، ومن اعتبارها عاصمة الكيان الصهيوني، ودعوا إلى إعادة النظر باتفاقية وادي عربة وإلى توسيع بيكار العلاقات الخارجية باتجاه إيران وسورية.
وكان رئيس الوزراء الأردني الأسبق د. عبد السلام المجالي، قد زار قبل ذلك إيران، زيارة غير رسمية التقى خلالها مسؤولين إيرانيين كباراً.
وأبلغ وفد برلماني أردني اجتماعاً برلمانياً تمّ في المغرب مؤخراً اعتراضه على عدم دعوة سورية، مؤكداً ضرورة دعوتها للاجتماعات العادية والاستثنائية.
وهنأ رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة، في لقاء له مع القائم بالأعمال السوري د. أيمن علوش، بانتصارات الجيش السوري على الإرهاب، وحرص الأردن على وحدة واستقرار سورية وعلى الحلّ السياسي.
من جهته أبرز د. علوش رفض سورية محاولات السعودية سحب الوصاية الهاشمية على المقدّسات وبيعها للكيان الصهيوني، ورفضها أي ضغوط يتعرّض لها الاردن سواء كانت سياسية أو اقتصادية.
وأطلق السفير الإيراني في الأردن تصريحين قويين في يومين متتاليين أكد في الأول، أنّ الجمهورية الإسلامية في إيران، تقدّر وتثمّن دور المملكة الأردنية الهاشمية، قيادة وحكومة وشعباً وبرلماناً تجاه قضية فلسطين والقدس. وفي اليوم الثاني أعرب عن استعداد بلاده لإقامة علاقات متوازنة وندّية مع الأردن في مختلف المجالات بما فيها مكافحة الإرهاب والتطرف.
وكان وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري قد أعرب قبلاً عن استعداد العراق تذليل العقبات وتحسين الوضع الاقتصادي للأردن كجزء من الواجب ومن استحقاقات الجوار، والدعم يكون بتخفيض الأسعار على الأردن أو بدون أسعار.
بينما اعتقلت الرياض رجل الأعمال الكبير صبيح المصري إثر الملك الأردني للسعودية، وأهمية المصري للاقتصاد الأردني كبيرة..
الأردن أمام خيارين، إما البقاء ضمن التحالف القديم كتابع صغير يعيش على الفتات والانتظار، وخطر تقاسم سعودي إسرائيلي له… وإما البحث عن مصالحه الوطنية بحلفاء جدد أقوياء انتصروا في حربهم ضدّ الإرهاب وضد مصنّعيه الإقليميين والدوليين، فيحصن جبهته الداخلية وتلاحمه مع شعبه.