انقلبت الآية.. وحده الحريري قادر على لـ«إحياء» الدور السعودي في لبنان
روزانا رمّال
العلاقة اللبنانية – السعودية التي تشهد أسوأ أيامها تحرّكت على خط تحديد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل موعداً أمس، لاستقبال السفير السعودي المعيّن حديثاً في لبنان وليد اليعقوب من أجل تقديم اعتماده في الخارجية، على غرار ما يقوم به السفراء غالباً كإجراء قانوني مطلوب تؤكد فيه الدولة المضيفة أنها توافق على اسم السفير المعين من قبل الدولة «المرسلة» وهي في هذه الحالة السعودية.
انتظر اللبنانيون قبول اعتماد سفيرهم المعين في الرياض فوزي كبارة ولم يأت الرد. ومرّت فترة أكثر من ثلاثة أشهر على ذلك من دون أي توضيح من المملكة، وغالباً ما يعني السكوت «رفض» الدولة المضيفة للسفير المرسَل اليها. وهذا كان يعني بشكل مباشر رفض السفير المعيّن من قبل الرئيس سعد الحريري، إذ السفير كبارة محسوب على تيار المستقبل، أو بمكان ما هو اختيار تيار المستقبل، وما الرفض إلا رفض سعودي للحريري.
لبنان الذي لم يعتد على معاملة السعودية بهذه الطريقة قام وللمرة الأولى بتجاهل طلب السفير السعودي وليد اليعقوب تقديم أوراق اعتماده معتبراً أنه حان الوقت للمعاملة بالمثل، فإما أن يسمع المسؤولون اللبنانيون رداً واضحاً حول مصير السفير كبارة لجهة القبول من عدمه وإما أنهم مضطرون للطلب من اليعقوب التريّث. وهذا الأمر يشكل سابقة بالنسبة للسلطات اللبنانية التي اعتادت على إظهار الكثير من الإذعان لكل ما هو سعودي يأتي من خارج الحدود. وهذا يدل على متغيرات عديدة على خط العلاقة بين لبنان والسعودية صارت تتعلّق بأشخاص وأسماء وخرجت عن لعبة مصالح الدول والعلاقات التاريخية ليصبح الكباش «حريري بن سلمان» هو اللاعب المؤثر في العلاقة، وليس مجرد العلاقة بين الدولتين.
مصدر متابع للقضية كشف لـ»البناء» أن السعوديين أدركوا وللمرة الأولى بعد أزمة تأخّر تعيين موعد للسفير اليعقوب أن الوجود السعودي في لبنان مهدّد وأن أحداً غير قادر على إعادة عقارب الساعة الى الوراء. ولكن الأهم حسب المصدر «أن الحريري الذي كان موسوماً بالارتهان للسعودية صار اليوم الاسم الذي تحتاجه السعودية لتعود الى لبنان أو على الأقل لتحسّن وضعها فيه، وصارت المعادلة علاقة سيئة مع الحريري تعني حضوراً سعودياً ضعيفاً في لبنان والعكس صحيح، علاقة جيدة مع الحريري تعني حضوراً سعودياً أقوى». ويتابع المصدر «نعم، لقد تغيّرت الظروف كثيراً والحريري بالشعبية التي كشفت عنها أزمته على الارض أدهش المسؤولين السعوديين، بحيث كان هناك اعتقاد ان الحريري اسم ضعيف يتحيّن خصومه الفرصة للتخلص منه، حيث يبدو أن أكثر المتمسكين به هم الخصوم الذين منحوه قوة محلية لا خارجية لأول مرة منذ ممارسته العمل السياسي بعد اغتيال والده».
شعبية الحريري التي ظهرت بعد الأزمة كشفت للمرة الاولى ان قاعدة تيار المستقبل، وهو التيار الاكبر في الطائفة السنية في لبنان، ليست مرتهنة للخيار السعودي بل لعائلة الحريري وبالتحديد سعد الحريري. فالحريري يشكّل بالنسبة اليهم الضمانة والرمز وتشكل السعودية الحليف البعيد الذي لا يمكنه أن يعوّض عليهم بأسماء قادرة على إدارة الشارع السني العريض، كما قادها آل الحريري وجزء من هذا الأمر كانت تدركه المملكة، ولهذا السبب حرّكت طروحات ومبادرات مفادها استبدال سعد الحريري ببهاء الحريري، لكنها فشلت في إقناع أي لبناني «وازن» أو نافذ، بحيث يمكنه قلب المعادلة بهذا الخيار وبالتالي تكرّس سعد الحريري الاسم الأقوى سنياً في لبنان.
لا يمكن للمملكة العربية السعودية إحياء حضورها في لبنان سوى من النافذة السنية، وإذا كان هذا اولوية بالنسبة اليها، فإنها ستتوجه تدريجياً لتحسين العلاقة مع الحريري وإلا فلا إمكانية لأي تحسن او تقدم بعد الازمة الاخيرة. وبهذا الإطار تبين ان الحريري هو مَن حرك ملف السفير اليعقوب كبادرة حسن نية يبتغي من خلالها تأطير العلاقة «قانونياً» بين اللبنانيين. وهي مبادرة طرحها على وزير الخارجية السعودية عادل الجبير حرّكت الملف الراكد. الأمر الذي يعني ان قبول اعتماد السفير اللبناني المعين في السعودية صار مسألة أيام بعد تبليغ لبنان بقبوله سفيراً.
يؤكد لبنان للمملكة في ظلّ عهد الرئيس ميشال عون أنه لا يريد التفريط بالعلاقة مع المملكة، لكنه من جهة أخرى لا يريد منها التفريط بسيادة لبنان ومؤسساته الدستورية، لكن وفي الأحوال كافة أخطر الإشارات ارسلت للمملكة حول استعداد لبناني كامل لتعليق العلاقات من دون تقديم تنازلات كانت قد لهثت عليها عهود سابقة عندما يتعلق الأمر بسيادة البلاد وسير المؤسسات الرسمية.
الحريري عاد متوّجاً بشعبية كبيرة وصار رقماً سنياً صعباً يصعب على المملكة ابتزازه بإبعاده عن الساحة السياسية أو دفعه باتجاهها، كما يصعب أيضاً الإيحاء بأنها قادرة على صناعة أسماء سنيّة مستقبلاً قادرة على استقطاب الشارع.
الحريري ليس خائفاً. وهذا ما يبدو جلياً، بل يشعر بأمان غير مسبوق وبشعبية لم تكن بالحسبان تجعله يتنقل بحريّة كاملة ويمارس مهامه بشكل طبيعي بين الناس وفي أروقة السراي الحكومي.
السعودية وللمرة الأولى تحتاج للحريري ولا يحتاجها هو في لبنان. هذا هو المتغيّر الجديد الذي صار التعاطي معه ضرورة سعودية.