ماذا يجري في الأردن؟
روزانا رمّال
بلبلة كبيرة تدور في الأروقة السياسية العربية والمتابعات الصحافية الاستقصائية وحديث عن شيء ما جرى في الساعات والأيام الماضية تراوح بين النفي والتأكيد أن هناك محاولة انقلاب تمّ إحباطها كانت تتحضّر للعبث بالنظام الأردني. وهذا بطبيعة الحال هاجس عاشته وتعيشه أغلب دول المنطقة منذ اول ثورات ما عرف بـ«الربيع العربي». لكنه يعود ويتجدّد مع زخم بدرجة مغايرة بعد محاولات لإعادة إحياء إمكانية إنجاح هذا الخيار في الأماكن التي تطلب إعادة خلط الأوراق لإرساء عناصر جديدة من الفوز والخسارة، لأن محاور الاقتتال تبدو حتى الساعة غير مستعدة لإعلان الخسارة في الميادين المرتبطة ارتباطاً وثيقاً والممتدة من سورية الى العراق فاليمن وبالتالي فإن إنهاء الحرب بالشكل الذي يكرس غلبة محور على آخر لا تبدو إشاراته قريبة، وبالعكس يبدو أن هناك مَن يريد استخدام كل ما أمكن من أوراق لتغيير النتائج حتى ولو كان أخطرها «تهويد القدس» والتطبيع.
وحدها «اسرائيل» او أي تطبيع معها يضمن نتيجة من هذا النوع وبما أن هذا الطريق ليس معبداً بهذا التوقيت، فإن التحضير له على قدم وساق. وهو في الأساس أصل فكرة حرف مسار الثورات العربية المطلبية وتحويلها لثورات مسلّحة تُنجز الفوضى من أجل السير بخرائط ومضامين سياسية جديدة في المنطقة تبدأ بالتقسيم، وقد جرى ذلك فعلاً لا قولاً في السودان ومحاولة لذلك بكردستان العراق مروراً بما يُخطط لليمن.
بالعودة الى الأردن، لماذا الأردن؟..
لا شيء يمكن أن يمنع الخطر عن الأردن حتى ولو كان مصنفاً من ضمن الخيارات الاميركية الحليفة في المنطقة. والدليل على ذلك هو «مصر» والحليف السياسي حسني مبارك لا بل إن مصر هي الأكثر شبهاً بالحالة الأردنية نظراً لما فيها من تمركز كبير لجماعة الاخوان المسلمين إضافة لما يُعرف بالعشائر الأردنية الوازنة التي ليس بالضرورة أنها مؤيدة دائمة للنظام الحاكم وبالتالي فإن أي فرضية منطقية او واقعية تبعد الأردن بالتجربة الحسية عن خيارات الانقلابات او النيّات المبيتة أو إشعال الثورات المعيشية واستغلالها لهز الاستقرار غير موجودة حتى اللحظة والاستنفار مطلوب وبديهي.
يقول رئيس وزراء الأردن بالأمس ومن دون أن يأتي هذا الحديث من فراغ «حروب المنطقة تفرض على جيشنا حالة التأهب لسنوات». وهو دليل دامغ على ان القلق يعتري السلطات الأردنية من أي تحرك يصبح عنواناً لتحرك المجموعات الارهابية. كيف بالحال واليوم ارتفع منسوب توقع إمكانية أن ينتقل جزء كبير من الإرهابيين إلى الأراضي الأردنية هاربين من سورية والعراق؟ وعلى المقلب الآخر وبأفضل الأحوال وهو بيت قصيد التحرّك كيف بالحال إذا حضرت القضية الفلسطينية اليوم بنيرانها الحامية وحامت فوق من أسمي يوماً «الوطن البديل» للفلسطينيين أو الأردن؟
يفيد التذكير ان في 12 كانون الاول الماضي التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، مع ملك الأردن عبدالله الثاني ، خلال زيارة الأخير له في السعودية، وتمحورت المباحثات حول مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها القرار الأميركي بالإعتراف بالقدس عاصمة لـ«اسرائيل» ونقل سفارتها إليها، والتداعيات السلبية الكبيرة لهذا القرار الّذي يُعَدّ تراجعاً كبيراً في جهود الدفع بعملية السلام. تشير المعلومات إلى أن ملك الأردن اطلع على مقترحات سعودية كانت قد عرضت على الرئيس الفلسطيني محمود عباس تتعلّق بما عُرف بصفقة القرن ونقل استبدال القدس بأبوديس عاصمة بديلة للفلسطينيين قبل التسوية الأخيرة وبلورتها.
أزمة الأردن الكبرى تشتعل اليوم نظراً لما تحويه الأراضي الأردنية من عدد كبير من الأردنيين من أصل فلسطيني ونظراً لكونها أحد أكبر الأراضي المعوّل عليها لتوطين الفلسطينيين اللاجئين في الجوار وإرسالهم اليها من الأرض المحتلة بعد عروض تفريغ ووطن بديل. القلق الذي يدور في فلك الملك الأردني اليوم بدأ منذ لحظة إعلانه رفض استبدال القدس بأي عاصمة أخرى. وهو أكد على ذلك بقوله «لا نساوم على القدس ولو بمئة مليار دولار»، حديث يؤكد أن هناك عروضاً وأرقاماً وضغوطاً تطرح على الملك وأعوانه.
وسائل الإعلام «الاسرائيلية» كشفت عن اهتمام بالغ لما يجري في الأردن ونقلت أنّ «ملك الأردن عبدالله ، أقال شقيقيه وابن عمه من قيادة الجيش الأردني «. وحديث سابق عن دور سعودي في انقلاب تمّ إفشاله وهي معلومات زرعت شكوكاً عديدة آخرها عن سبب اهتمام «اسرائيل» بالأوضاع المحلية الأردنية وبوضع الملك؟
عملياً، مسألة خضوع الأردن او إشاعة الفوضى هما الملموس اليوم، فأي فرض للوطن بديل أو التطبيع يحتاج إلى الفوضى في الجوار «الاسرائيلي». وحده «انقلاب» في الأردن يمكنه أن يساعد في ذلك من دون أن يوفر تحالف الملك مع الاميركيين والسعوديين تجنيب الأردن هذا المصير الذي يعني في ما يعنيه أن تتعرض دولة عربية أخرى لانتكاسة جديدة.
من دون شك يعيش الديوان الملكي الأردني حالة قلق شديد نتيجة الروايات التي تتقاطر الى الملك والتي تشكل وحدها عاملاً ضاغطاً. وهي كلها نسيج أجهزة أمن واستخبارات تعرف تماماً كيف تسجل أهدافها. التحركات الشعبية التي شهدتها شوارع الأردن وطموحات الإخوان المسلمين ورهانات دول خارجية على إسقاط النظام والأهم «إنهاء» ملف القضية الفلسطينية تجعل من الأردن البلد الأكثر عرضة لتحوّل تاريخي وتضعه أمام مفترق طرق هو الأصعب في تاريخه.